هل هناك حرب أهلية أميركية مُحتملة؟

أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا تجري بحثاً عن الأسباب التي تدفع الأميركيين إلى حرب أهلية مُحتملة.

  • أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يقتحمون مبنى الكونغرس الأميركي 2020 (أرشيف)
    أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يقتحمون مبنى الكونغرس الأميركي 2020 رفضاً لنتائج الانتخابات الرئاسية (أرشيف)

نشرت مجلة Counter Punch الإلكترونية، مقالاً كتبه الكاتب الأميركي، روبرت هونزيكر، تحت عنوان "الحرب الأهلية الأميركية المُحتملة"، يُشرح فيه بوادر الحرب الأميركية المُحتملة.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

يهمس الأميركيون، في  جميع أنحاء البلاد عمّا إذا كانت هناك حرب أهلية يتمّ إعدادها، أو أنّها بدأت ولم يُعلن عنها بعد. وماذا عن القتال يوم 6 كانون الثاني/ يناير على درج مبنى الكابيتول، هل كانت اضطرابات أم نموذج تجريبي لحربٍ أهلية وشيكة؟

تجيب على هذه الأسئلة أستاذة العلوم السياسية في "جامعة كاليفورنيا/ سان دييغو"، باربرا ف. والتر، التي تعمل مع فريق عمل تابع لوكالة المخابرات الأميركية المركزية، وقد ألقت مؤخراً محاضرة بعنوان "هل تتجه الولايات المتحدة نحو حربٍ أهلية أخرى".

توضح والتر، أنّ الولايات المتحدة لم يكن لديها حرباً أهلية منذ نحو 150 عاماً، خيضت خلالها 250 حرباً أهلية حول العالم فإنّ الحروب الأهلية شائعة بشكلٍ مُدهش في جميع أنحاء العالم.

منذ عام 1946، كانت هناك 250 حرباً أهلية. لكن أميركا لم يكن لديها واحدة منذ أكثر من 150 عاماً. مع أنّ الفترة من 1861 إلى 1865، كانت وحشيةً حيث سقط 620 ألف قتيل، وهو ما يعادل إجمالي عدد القتلى في كل الحروب الأميركية الخارجية، بما فيها الحرب المكسيكية، والحرب الإسبانية الأميركية، والحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية مجتمعةً.

أجرت الأستاذة والتر، مقابلات مع أعضاء من حركة "حماس" الفلسطينية في الضفة الغربية، وعضو سابق في "الشين فين" في أيرلندا الشمالية، والقوات المسلّحة الثورية الكولومبية، والانقلاب العسكري في زيمبابوي ضد الرئيس روبرت موغابي، وأحداث المجلس العسكري في ميانمار، بهدف إنشاء نموذج يُنبئ بالحروب الأهلية، ومن المثير للدهشة أنّ التنبؤ بالحروب الأهلية أمرٌ ممكن للغاية، حيث توضّح بيانات الدراسات بشكلٍ قوي متى وأين ستندلع الصراعات. 

وتوصل بحث والتر، أنّ هناك 38 عاملاً مختلفاً تؤدي إلى الحرب الأهلية، تبدأ بعدم المساواة في الدخل، وتتمحور حول ممارسة "الديمقراطية" الجزئية والاستنسابية، كما حال الولايات المتحدة حيث الانتخابات ديمقراطية، وتمنح الرابح سلطات واسعة بعيدة كل البعد عن جوهر الديمقراطية، وتغذي الانقسامات العرقية والدينية، كهويةٍ بديلة عن الهوية السياسية. وأيّ دولة تمتلك صفات كهذه، فهي مُرشّحة للولوج إلى العنف السياسي، ومرشحة للسقوط في براثن حرب أهلية.

مع ذلك، جرت بحوث باربرا ف. والتر، حول عددٍ لا يحصى من بلدان العالم ما عدا الولايات المتحدة، لأنّ وكالة المخابرات الأميركية المركزية غير مسموح لها قانوناً بمراقبة الولايات المتحدة أو مواطنيها. لكن، والتر كباحثةٍ مُستقلة، فإنّها ترى بوضوح عوامل الخطر، التي تومض وتتسارع بشكلٍ مُذهل في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تقترب من لحظة الانفجار.

لا يمكن غضّ النظر، عن تراجع الديمقراطية الأميركية في 3 محطات خلال السنوات الست الماضية: في عام 2016، حيث اعتبرها مراقبو الانتخابات الدولية أنّها حرّة غير نزيهة بسبب تدخل روسي مزعوم.

وفي عام 2019، حين رفض البيت الأبيض الامتثال لطلبات الكونغرس للحصول على معلومات يحتكرها. والأخيرة كانت في عام 2020، حين رفض ترامب قبول خسارته وحاول إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية. 

على هذا تتصدر الولايات المتحدة قائمة البلدان القابعة تحت خطر نشوب حرب أهلية. التي عادة من يبدأها ليس أفقر الناس أو الأكثر اضطهاداً، بل القوى التي كانت مهيمنة سياسياً وتُعاني من تراجع هذه الهيمنة.

ونشأت الميليشيات في الولايات المتحدة في المقام الأول من الرجال البيض الذين يشعرون بالتهديد بسبب الهوية المتغيرة للبلاد من قبل "الآخرين" ذوي البشرة الداكنة.

هذا إعداد مثالي لسياسات تشكيل الهوية، التي تُلغي السياسة لحساب الكراهية والعنصرية، وتستخدمها كصدٍّ في وجه التغيير الديموغرافي، بوصفه القوّة الحاسمة بالنسبة لهم، حيث تتحول البلاد بسرعةٍ إلى أغلبية من غير البيض، كما يحدث في أوروبا.

بالتوازي، إذا استمرّ تغيّر المناخ في دفع المواطنين من الجنوب العالمي إلى الهجرة نحو الشمال، فسوف تستمر جميع البلدان ذات الأغلبية البيضاء في تكرار ديناميكية سوف تقود إلى تمزيق بلدانهم، في وقتٍ أكثر ما يحتاجون فيه لتفعيل الديمقراطية بما تعنيه بحق الاختلاف.

في سبيل تحقيق نجاحٍ مُبكّر في مكافحة وقوع حرب أهلية في الولايات المتحدة، من الضروري تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي ولكن دون التدخل في حرية التعبير.

وهذا موضوعٌ حساس للغاية، ولكن التركيز على خوارزميات غير بشرية تبثّ معلومات مُثيرة للشقاق والفتن، وغالباً ما تكون معادية للإنسانية. يمكن للناس قول ما يريدون على وسائل التواصل الاجتماعي، باسم حرية التعبير، ولكن من الضروري منع الخوارزميات التي تضخم خطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم. 

ووفقاً لاستطلاع أجرته "جمعية علم النفس الأميركية"، يُفكّر ما يقرب من 40% من الأميركيين في الانتقال إلى بلدٍ آخر بسبب البيئة السياسية، بينما يُعاني 70% من التوتر بسبب العنف، وإطلاق النار الجماعي، والعنف المُسلّح. فالروح الوطنية ضعيفة ومُعرّضة للخطر في نفس الوقت الذي تتنامى فيه علامات تراجع الديمقراطية.

لا أحد يُعلن عن بداية حرب أهلية، ولن تطلق صفارات الإنذار التحذيرية. فالحرب تحدث فقط. وعلى الأميركيين التحلّي بالشجاعة الكافية للنضال من أجل الديمقراطية الحقيقية غير المجتزأة، حينها يُمكن الحصول على السلام.

نقله إلى العربية حسين قطايا