هل ستحاسَب "إسرائيل" يوماً ما؟
مجلة أميركية تتحدث عن استبعاد الاحتلال الإسرائيلي الدائم من لائحة العقوبات الأميركية، على الرغم من انتهاكاته واعتداءاته المتواصلة على الفلسطينيين.
تحدثت مجلة "counterpunch" الأميركية، في مقال للكاتب م. رضا بهنام، عن استبعاد حكومة الاحتلال الإسرائيلي الدائم من لائحة العقوبات الأميركية، على الرغم من انتهاكاتها واعتداءاتها المتواصلة على الشعب الفلسطيني.
فيما يلي النص المنقول إلى العربية:
إذا كنت قد تساءلت، عن عدد الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة حالياً عقوبات، فإن البحث السريع على الكمبيوتر ينتج عنه إجابة مثيرة للتفكير. فهناك 25 دولة مدرجة الآن على قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية. وبين هذا العدد هناك 10 دول إسلامية هي: أفغانستان وإيران والعراق ولبنان وليبيا ومالي والصومال والسودان وسوريا واليمن.
استطاعت واشنطن، أنّ تمسك بهراوة العقوبات بسبب أنّ معظم تبادلات التجارة العالمية تتم بالدولار، مما يسمح بتعزيز أهداف وأجندات السياسات الخارجية الأميركية، واستخدامها كسلاح ضد ما تعتبره واشنطن حكومات معادية، لمجرد أنها مستعدة لتحدي الهيمنة الأميركية، مثل إيران وكوبا وسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا وروسيا، والتي تجد نفسها دائماً تحت هذه العقوبات الجائرة.
مع ذلك، هناك حكومة واحدة تنتهك حقوق وتقتل وتهدم وتهجر السكان، لكنها مستبعدة تماماً عن لائحة العقوبات الأميركية، هي حكومة "تل أبيب". إذ تقوم في أساسها على نظام فصل عنصري راسخ، كان ولا يزال يغزو ويستولي على الأراضي ذات السيادة لدول أخرى بالقوة العسكرية ويستمر في احتلالها بشكل غير قانوني، ويرفض دفع تعويضات للأشخاص الذين صودرت أرضهم وتضررت مصالحهم بالكامل، ويمارس العقاب الجماعي على الفلسطينيين، ويقوم بتنفيذ هجمات جوية بشكل روتيني ضد دول ذات سيادة، ويتحدى قرارات الأمم المتحدة بشكل متكرر، و لديه أسلحة دمار شامل، و يرفض التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ويرسل قتلة إلى بلدان أخرى لقتل خصومه السياسيين، ويطلق العنان للهجمات الإلكترونية، ويبيع برامج التجسس والأسلحة للأنظمة الاستبدادية، ويرفض محاكمة جنوده الذين يقتلون المدنيين الفلسطينيين، وأي مساند لقضيتهم المحقة حتى لو كان أميركي.
هذا ما تفعله حكومة "إسرائيل" على الدوام. ولا تتورع عن التجسس وسرقة الوثائق السرية من الولايات المتحدة نفسها. وقضية جوناثان بولارد المجند الأميركي والجاسوس الإسرائيلي، لا زالت حية في الذاكرة السياسية، وكيف استقبل في مطار بن غوريون استقبال الأبطال. بالإضافة إلى ذلك، لم تحاسب واشنطن "إسرائيل" بعد على قتل مواطنين أميركيين: راشيل كوري وعمر الأسد وشيرين أبو عاقلة و 34 من أفراد طاقم "يو إس إس ليبرتي".
ففي آذار/مارس عام 2003، سُحقت ناشطة السلام راشيل كوري البالغة من العمر 23 عاماً تحت جرافة إسرائيلية أثناء احتجاجها على هدم منزل أسرة فلسطينية في رفح بغزة. كذلك، توفي الفلسطيني الأمريري عمر الأسد في كانون الثاني/ يناير عام 2022، بعد أن اعتقلته القوات الإسرائيلية ولم تعالجه عند نقطة تفتيش في الضفة الغربية الفلسطينية. وفي أيار/مايو عام 2022، استهدفت القوات الإسرائيلية وقتلت الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة، أثناء تغطيتها لعدوانها على المدنيين في مخيم جنين.
منذ فترة طويلة تم تغييب هجوم "إسرائيل" في العام 1967 على سفينة عسكرية أميركية "يو إس إس ليبرتي"، كشهادة على المدى الكبير الذي تذهب إليه واشنطن لحماية "إسرائيل". ففي 8 حزيران/يونيو عام 1967، هاجمت المقاتلات النفاثة الإسرائيلية وزوارق الطوربيد "يو إس إس ليبرتي"، مما أسفر عن مقتل 34 وإصابة 171 جندياً أميركياً كانوا على متنها، وهي بمهمة لجمع المعلومات الاستخباراتية في المياه الدولية قبالة شبه جزيرة سيناء، وتم تمييزها بوضوح عندما تعرضت لهجوم متعمد. وقبل ذلك بثلاثة أيام، شنت "إسرائيل" عدواناً واسعاً على مصر وسوريا، مما عرف لاحقاً بـ"حرب الأيام الستة".
ويروي إم إينيس جوني، في كتابه "الاعتداء على الحرية" الصادر عام 1979، القصة الحقيقية للهجوم الإسرائيلي على "يو إس إس ليبرتي"، من موقعه كضابط على متنها عندما بدأ الهجوم ونجا، ويقول إنّ "التستر بدأ على الفور، لأنه على حد تعبير الرئيس آنذاك ليندون جونسون، لن نحرج حليفاً". ويؤكد إينيس أيضاً أنّ جونسون بدا أكثر قلقاً بشأن استعداء اللوبي الإسرائيلي من قلقه بشأن القتلى الأميركيين وعائلاتهم. ويروي أنه سرعان ما تم فرض تعتيم إخباري كامل وتم تهديد أفراد الطاقم الناجين بالمحكمة العسكرية أو السجن أو بما هو أسوأ إذا ذكروا ما حدث حتى لزوجاتهم.
كذلك، أكد الأدميرال توماس مورر، رئيس العمليات البحرية (1967-70)، ورئيس هيئة الأركان المشتركة (1970-74)، أنه "يجب أن نستنتج أنّ نية "إسرائيل" كانت إغراق "ليبرتي"، وترك أقل عدد ممكن من الناجين. وكانت "إسرائيل" تعرف جيداً أنّ السفينة أميركية.
يكفي عمل واحد لأي دولة مما ترتكبه "إسرائيل"، كي تتصدر قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في واشنطن ويصنفها كنظام إرهابي. وهذا يفسر غياب أي ردة فعل على الانتهاكات الإسرائيلية اليومية بحق الفلسطنيين.
مؤخراً، في 19 حزيران/ يونيو هذا العام، اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي، بدعم من الطوافات الأميركية من طراز أباتش، مخيم جنين، مما أسفر عن استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة 91 آخرين. وفي نيسان/أبريل 2002، ضرب "الجيش" الإسرائيلي جنين لمدة عشرة أيام متتالية. وفي 26 شباط/ فبراير هذا العام، اعتدت القوات الإسرائيلية على بلدة حوارة الفلسطنية بعنف متطير وصفه ضابط عسكري إسرائيلي كبير ب"المذبحة".
كذلك تستمر حروب "إسرائيل" على المدنيين في غزة المحاصرة، وعموم فلسطين المحتلة لأنّ "إسرائيل" لم تواجه أي عقاب أو عقوبات، من أميركا، التي تمنع عن "إسرائيل" أي مراجعة دولية بشأن انتهاكاتها. ومنذ العام 1947، انتهكت "إسرائيل" سيادة الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين والمصريين، و اغتالوا 5 علماء نوويين إيرانيين.
وعلى الرغم من الأدلة الدامغة على ما وصفته "منظمة العفو الدولية" بأن "إسرائيل" "نظام هيمنة قاس"، فإن "إسرائيل" لم تعاقب بعد. مع أن اتفاقيات جنيف لعام 1949، تلزم بالتحرك ضد أي دولة ترتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، كما تفعل حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 عقود.
الرئيس الأميركي جو بايدن، مثل أسلافه، لن يعاقب "إسرائيل". وهو يصف نفسه بأنه "صهيوني ملتزم". وفي خطاب ألقاه عام 2011 أمام جمهور في "بيت يهودا يشيفا" في ديترويت، أكد بايدن صهيونيته، والتزامه وتبرعه بأموال طائلة لمنظمات دعم "إسرائيل" بتفاخر.
يصف الكاتب بيتر بينارت، في مقالته "سجل جو بايدن الإسرائيلي"، المنشورة في "تيارات يهودية" عام 2020، ماذا فعل نائب الرئيس آنذاك جو بايدن، أكثر من أي مسؤول آخر في إدارة أوباما لحماية نظام نتنياهو من الضغوط والعواقب. ويوثق كيف تناقض توجه بايدن بين عامي 2009-2010، مع محاولات الرئيس باراك أوباما لإقناع نتنياهو بتجميد التوسع الاستيطاني، والحفاظ على احتمالية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
في العام 2010، أرسل الرئيس باراك أوباما، نائبه جو بايدن إلى "إسرائيل" لتعزيز توجه يتعلق بتجميد الاستيطان، لكن بايدن عمل على عكس ما يريده رئيسه، وأعلن في خطاب أنه "لا توجد مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل". و بعد فترة وجيزة، أعلن نتنياهو عن توسع استيطاني كبير في "القدس الشرقية". ثم أمر أوباما الغاضب وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، بإعطاء نتنياهو إنذاراً نهائياً و مواجهة عقوبات. لكن بايدن تقدم مرة أخرى ووعد نتنياهو بأنه سيسهل الأمور على "إسرائيل" عندما يعود إلى المنزل. حينها عرفت هيلاري كلينتون، أنه ألقي بها تحت الحافلة.
لقد أعاقت عقود من العقوبات الأميركية الظالمة، التنمية الاقتصادية والسياسية عن دول المشرق العربي وغرب آسيا، في وقت تستثنى فيه "إسرائيل" من مجرد السؤال عن جرائمها اليومية بحق الفلسطنيين أولاً، وبحق غيرهم ثانياً. وإن غياب العدالة يؤدي حتماً إلى الصراع والحرب. ولا ينبغي بعد الآن حماية "إسرائيل".
نقلها إلى العربية: حسين قطايا