هل أدّت الحرب الأوكرانية إلى القضاء على الدولار؟
يتحدث المقال عن تراجع هيمنة الدولار عالمياً بعد الأزمة الأوكرانية، التي قامت بتشكيل النظام الدولي على قواعد اصطفافات جديدة.
نشرت مجلة "National Interest" مقالاً للكاتب روبرت ج. رابيل، يتحدث فيه عن تراجع هيمنة الدولار عالمياً بعد الأزمة الأوكرانية، التي قامت بتشكيل النظام الدولي على قواعد اصطفافات جديدة، وفق تعبيره.
وفي ما يلي النص منقول إلى العربية:
لقد عززت الأزمة الأوكرانية وجهة النظر الدولية القائلة بأنّ العالم يبدو أفضل من خلال التعددية القطبية. ولا شك أنها أدت إلى إنهاء حقبة ما بعد الحرب الباردة. وعلى الرغم من رفض البعض لهذه الحرب، إلا أن غالبية دول العالم لم تستجب للإيعاز الأميركي بفرض عقوبات على روسيا.
فعلى عكس التصوير الغربي للأزمة الأوكرانية، على أنها مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، تؤمن هذه الدول أن الأزمة تتجاوز هذه الثنائية البرانية، وتنفد إلى أمنها القومي، وكذلك تصيب الاستدامة والسلام العالميين. من انعدام الأمن الغذائي، إلى النزوح الداخلي واللاجئين، وانتشار الحروب والتهديد باستخدام الأسلحة غير التقليدية، مما يعرّض أكثر الفئات الاجتماعية الفقيرة لمخاطر جمة.
مع ذلك، تعيد الأزمة الأوكرانية، تشكيل النظام الدولي، على قواعد اصطفافات جديدة، تتيح الفرص للدول لمتابعة مصالحها الذاتية، دون التقوقع مع معسكر سياسي ما بشكل حاد.
وقد قسمت الأزمة العالم إلى 3 معسكرات: واحد تقوده الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والثاني بقيادة روسيا والصين، والثالث وهو الأكبر ويضم معظم الدول التي اختارت الحياد. مع أن الكثير منهم أصدقاء أو حلفاء للولايات المتحدة. لكنهم ليسوا أعداء ولا خصوم لروسيا أوالصين، لإدراكهم أنه في وقت المنافسة العالمية على الموارد الشحيحة أصلاً، لا يمكن معاقبة أو معارضة روسيا، أكبر دولة في العالم تمتلك أكبر قدر من الموارد، والصين، الدولة التي لديها ثاني أكبر اقتصاد و أكبر مالك للاحتياطيات الأجنبية في العالم.
ومع ذلك، لا يمكنهم أن يضروا بعلاقتهم مع الولايات المتحدة، وبالتالي، فإن سياساتهم تمليها مصلحتهم الذاتية، بعيداً عن الثنائية الأيديولوجية للحرب الباردة. بعبارة أخرى، سياساتهم لا ولن تتداخل بالضرورة مع سياسات الولايات المتحدة. وهذا يفسر أيضاً رفض السعودية والإمارات ومصر والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والأرجنتين وإندونيسيا، للطلب الأميركي ومعاقبة روسيا.
ومن الجدير بالملاحظة أن العديد من هذه البلدان، كانت غير مرتاحة لما تفرضه الولايات المتحدة، من أحادية قطبية على العالم. بدأ ذلك منذ الغزو الأميركي الأحادي للعراق في عام 2003. والآن يتجدد مع الأزمة أوكرانيا وتداعياتها على تقسيم العالم، مضاف له التصور العالمي، بأن القوة الأميركية، تتراجع بعد هزيمتها في العراق وأفغانستان. ويشحذ تصميم هذه الدول على كبح جماح القوة الأميركية العالمية من خلال دعم التعددية القطبية. وتقود الصين هذا الطريق من خلال دعم المنظمات الدولية مثل "منظمة شنغهاي للتعاون"، أكبر منظمة سياسية واقتصادية وأمنية إقليمية في العالم، ومجموعة "البريكس"، توازي القوة الاقتصادية والسياسية والأمنية الغربية.
في الواقع، تتطلع "منظمة شنغهاي للتعاون"، مع مجموعة "بريكس"، إلى تعزيز "نظام سياسي واقتصادي عالمي، أكثر ديمقراطية وعدالة وعقلانية، ويوفر بدائل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المهيمن عليهما من الغرب، من خلال "بنك التنمية الجديد". وبشكل ملحوظ، يتعزيز تأثير هذه المنظمات، من خلال تقديم دول عدة طلبات رسمية للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، مثل الجزائر ومصر وتركيا والمملكة العربية السعودية والأرجنتين وإيران.
أهمية هذه التطورات تكمن في محاولة إضعاف الدولار الأميركي، كمقدمة لإضعاف الموقف العالمي العام للولايات المتحدة. في الأساس، الدولار هو نقطة ضعف الولايات المتحدة. ويتضح أن العديد من البلدان، وبعضها تحفزها الصين، أو روسيا، تعيد النظر في استخدام الدولار، كعملة احتياطية و رئيسية لها.
الدولار، هو عملة التداول العالمية اليوم. وتعود هيمنته العالمية إلى مؤتمر "بريتون وودز" عام 1944 عندما اتفقت أربع وأربعون دولة حليفة على إنشاء نظام نقدي دولي جديد، وربط عملاتها بالدولار. منذ ذلك الحين، تم تصنيف معظم المعاملات المالية والديون الدولية وفواتير التجارة العالمية بالدولار ومعظم احتياطيات النقد الأجنبي العالمية. لكن منذ عام 2000، تحاول الصين تدويل استخدام عملتها الوطنية، اليوان. ويكتسب هذا الجهد مؤخراً زخماً، في حين تحتشد فيه دول حلف "الناتو" حول أوكرانيا.
في حزيران/يونيو 2022، في قمة "البريكس" الرابعة عشرة، بحث التجمع الدولي في تطوير عملة احتياطي دولية جديدة. وفي آذار/ مارس 2022، توصل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (المكون من روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وبيلاروسيا)، إلى اتفاق بشأن الحاجة إلى تطوير عملة دولية جديدة. وبالفعل جعلت روسيا من اليوان الصيني عملتها الاحتياطية الرئيسية. كذلك أعلنت إيران، أنها بدأت باستخدام عملتها الوطنية والروبل الروسي في التجارة مع روسيا. ودولة الإمارات، التي كانت تُصدر سندات خزينة بالدولار الأميركي، أصدرت سندات جديدة بعملتها الخاصة، الدرهم. وأعلنت مصر عن خطط لإصدار سندات تزيد قيمتها عن 500 مليون دولار مقومة باليوان الصيني. علاوة على ذلك، تقوم مصر بمقايضات ثنائية للعملات مع الصين.
والأهم من ذلك، أن الصين تضع استراتيجية لإدخال العقود الآجلة للنفط الخام والدفع مقابلها بعملتها الخاصة، بدلاً من الدولار الأميركي. كذلك، انخرطت الصين مع المملكة العربية السعودية في محادثات نشطة حول تسعير الرياض بعض مبيعاتها النفطية إلى بكين باليوان. كان هذا هو الهدف الرئيسي لزيارة الرئيس شي جين بينغ الأخيرة إلى الرياض هذا الشهر.
لقد كشفت الأزمة الأوكرانية عن عالم يعاني من الاضطرابات ويخضع لتحولات جذرية. ولا شك أنه إذا بدأت المملكة العربية السعودية في تداول النفط باليوان، فإن هيمنة الدولار الأميركي في سوق النفط العالمية ستعاني. وفي الوقت نفسه، لا يمكن استبعاد المحاولات المتكررة للعديد من البلدان لإعادة النظر في استخدام الدولار. على أساس فردي، قد تبدو هذه المحاولات غير مؤذية، لكنها مجتمعة تشكل فألاً سيئاً للدولار الأميركي، وبالتالي لاقتصاد الولايات المتحدة.
من المؤكد أنّ جاذبية استخدام الدولار الأميركي دولياً تكمن جزئياً في قوة الجغرافيا السياسية الأميركية والقوة الاقتصادية والقدرة على البقاء. لكن هذا الوهج بدأ يفقد بريقه. ومن وجهة نظر خارجية، لقد تجاوز الدين القومي للولايات المتحدة 31 تريليون دولار، والقوة الأميركية العالمية آخذة في الانحدار. وليس من قبيل المصادفة أن بعض حلفاء و أصدقاء الولايات المتحدة، يفكرون في استخدام أو الاحتفاظ بعملات مختلفة في تجارتهم واحتياطياتهم الأجنبية.
نقله إلى العربية حسين قطايا.