"ناشيونال انترست": على تركيا أن تستعد لمستقبل ما بعد إردوغان
تتحدث صحيفة "ناشيونال انترست" عن الدور الحالي للرئيس التركي وتأثيراته في المرحلة المقبلة، وتتسائل عن دور أنقرة في مرحلة ما بعد رحيله.
تناولت صحيفة "ناشيونال انترست" الأميركية، أمس الثلاثاء، مسألة تركيا في مرحلة ما بعد رحيل الرئيس رجب طيب إردوغان، مشيرةً إلى أهم المفاصل التي ستتأثر بعد رحيله.
في ما يلي النص المنقول إلى العربية:
ذات يوم، لن يكون حاكم تركيا موجوداً. في ذلك اليوم، سيتعين على الأتراك التعامل مع العديد من القضايا المعقدة.
لا أحد يعرف كيف ومتى سينتهي حكم رجب طيب أردوغان في تركيا. إن سجن منافسه المحتمل في عام 2023 يجعل التحول الديمقراطي غير محتمل. وبالمثل، من غير المرجح حدوث انقلاب، والأتراك خائفون للغاية من الثورة.
كما لن يصمد حزب العدالة والتنمية بعد عام أو عامين على رحيل مؤسسه. وباستثناء حزب الشعب الجمهوري بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، لم ينج أي حزب سياسي أسسه زعيم يتمتع بشخصية كاريزماتية. إذ ينقسم حزب العدالة والتنمية بالفعل حيث يروج إردوغان للأسرة أكثر من الحزب.
كذلك، ما يحتاج الأتراك للتخطيط له هو كيف سيتعاملون مع الضرر الذي أحدثه إردوغان. إنه تفكير خيالي أن نعتقد أن رحيله سيشهد عودة تركيا ببساطة إلى الوضع السابق. بعد كل شيء، سمح وجود أردوغان في السلطة لعقدين من الزمن بتشكيل جيل كامل، حيث تلقى أكثر من 30 مليون تركي تعليمهم في مناهج أردوغانية، لقد أعاد تشكيل البيروقراطية وحول الجيش من معقل للعلمانية إلى محرك للإسلاموية.
بعض القضايا التي يجب أن يتعامل معها الأتراك في اليوم التالي لعزل إردوغان أو وفاته.
إزالة الأردوغانية
هل سيكون هناك تطهير؟ كان قرار متابعة اجتثاث البعث من أكثر الخطوات المثيرة للجدل بعد غزو العراق عام 2003. جادل أنصار اجتثاث البعث بأن التطهير كان ضرورياً لأسباب عملية وأخلاقية على حد سواء لمنع الحرس القديم البعثي من تقويض التعافي من الداخل.
يجب أن تكون هناك مناقشة موازية في ما يتعلق بتركيا. هل سيحتفظ أعضاء حزب العدالة والتنمية بمناصبهم، أم أن فسادهم واستغلالهم للسلطة سيؤدي إلى استبعادهم في مستقبل ما بعد إردوغان؟ بالنظر إلى العلاقة بين موظفي حزب العدالة والتنمية والجماعات مثل هيئة تحرير الشام التابعة للقاعدة أو الدولة الإسلامية أو جماعة سادات شبه العسكرية، هل يمكن أن يؤدي التطهير إلى تمرد أو موجة إرهاب؟
تطهير البيروقراطية
قبل أردوغان، كان الالتحاق بأفضل الجامعات والبيروقراطية في تركيا بمثابة نظام الجدارة بناءً على درجات الامتحان. منح إردوغان خريجي الإمام الخطيب (المعهد الديني التركي) فرقاً لتضخيم درجاتهم مقارنة بأولئك الملتحقين بالمدارس الثانوية والجامعات العلمانية، وعندما لم يكن ذلك كافياً، أنشأ آلية مقابلة لدفع الإسلاميين إلى القمة.
هل سيحتفظ هؤلاء البيروقراطيون غير المؤهلين بمناصبهم، أم سيتعين عليهم إعادة الاختبار؟ ينطبق الشيء نفسه على المعلمين، فهل يستطيع هؤلاء "تربية جيل ديني" من خلال مناصبهم؟
الإفراج عن السجناء السياسيين
يقبع ما يقرب من 100 ألف تركي في السجن بتهمة التواطؤ المزعوم في انقلاب عام 2016. كثر من المعتقلين هم أتباع مزعومين لعالم الدين المنفي فتح الله غولن. ثم هناك الكثير من الأكراد المستهدفين.
إن الضغط لاعتقال الخصوم السياسيين مثل صلاح الدين دميرتاس وأكرم إمام أوغلو يظهر إردوغان على أنه طاغية ضعيف يدرك أنه لا يستطيع الفوز في نقاش صادق، وأنه فقد دعم الشعب.
في اليوم الأول من حقبة ما بعد أردوغان، يجب فتح أبواب السجون وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين.
الدستور
عزز إردوغان قبضته الاستبدادية على الأمة من خلال تغيير الدستور. يجب على الأتراك أن يسألوا أنفسهم ما إذا كان لديهم ما يكفي من الديكتاتورية ويريدون استعادة نظام الضوابط والتوازنات. فور وفاة إردوغان أو الإطاحة به، سيحتاج الأتراك إلى تقرير مصير دستورهم الحالي: ربما يعودون إلى دستور عام 1982، في غياب بعض أو كل تنقيحات عام 2017.
كحد أدنى، يمكنهم تعديل دستورهم، بإضافة حدود زمنية لضمان عدم ظهور ديكتاتور بعد إردوغان.
الرواتب
استخدم إردوغان المعاشات كسلاح لإفقار الخصوم السياسيين. العديد من الضباط العسكريين الذين خدموا وطنهم يعيشون الآن في فقر، ونساؤهم وأطفالهم معدمون.
هل ستفعل حكومة تركية ما بعد إردوغان الشيء نفسه لموظفي حزب العدالة والتنمية وأولئك في هيئة الأركان العامة التركية الذين يخدمون اليوم حزباً سياسياً أكثر من بلدهم؟
وبالمثل، هل ستعيد حكومة ما بعد أردوغان المعاشات التقاعدية الملغاة بالكامل.
المصادرات والرد
دمر إردوغان الحياة بامتيازات ضريبية زائفة وعمليات تدقيق وعقوبات لإفلاس المعارضين السياسيين أو إجبارهم على بيع الشركات والممتلكات ووسائل الإعلام. هل هذه المضبوطات ستبقى؟ أم هل يستعيد رجال الأعمال الذين وقعوا ضحية إردوغان وأتباعه ممتلكاتهم السابقة؟
لن يكون تحديد ملكية العقارات المتنازع عليها أمراً سهلاً.
الجانب الآخر من سؤال المصادرة هو ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستصادر ممتلكات تعود لإردوغان وعائلته وشركائه في العمل.
من ناحية، سيكون هناك عنصر من العدالة في هذا الأمر، وقد يكون من الضروري استعادة الطبقة الوسطى التركية بالنظر إلى كيف سعى إردوغان لاحتكار الصناعات الرئيسية مثل البناء. من ناحية أخرى، هذا يديم دورة الانتقام التي سبقت أردوغان.
الحقيقة والمصالحة
تشير كل هذه العوامل أيضاً إلى الحاجة إلى لجنة الحقيقة والمصالحة. يمكن أن تغطي لجنة الحقيقة والمصالحة أرضية كبيرة في تركيا، وتعالج قضايا مثل أصل الانقلاب، والفساد القضائي والرشوة لتمكين حزب العدالة والتنمية، وانتهاكات قوات الأمن ضد الأكراد والعلويين.
قد تشمل الموضوعات الأخرى أيضاً المساعدة التي قدمتها الاستخبارات التركية إلى "داعش" وغيره من الإرهابيين المتمركزين في سوريا، بالإضافة إلى هجمات القنابل الكاذبة في أنقرة واسطنبول.
قد يكون هناك منتدى خاصاً للصحافيين للاعتراف بالضغوط التي عملوا في ظلها، وفي بعض الحالات، المكافآت التي حصلوا عليها مقابل ترويج أكاذيب إردوغان .
السياسة الخارجية
أعاد إردوغان صياغة سياسة تركيا الخارجية بشكل أساسي، وأعاد توجيه تركيا بعيداً من ديمقراطيات أوروبا، وأعاد توجيهها بشكل أكبر نحو أنظمة الرفض في الشرق الأوسط، ودول أميركا الجنوبية وأوراسيا.
في كثير من الأحيان، يحرض إردوغان على معاداة أميركا لمناشدة قوى الظلام للتآمر التركي وكراهية الأجانب.
سوف يستغرق الأمر وقتاً قبل أن يحتضن المجتمع الدولي تركيا كشريك بدلاً من كونها منبوذة، لكن قيادة جديدة يمكن أن تشير إلى انفصال حاد عن نمط البلطجة الفريد لإردوغان.