مركز أبحاث بريطاني: "إسرائيل" ومشكلة سمعة الغرب المستقبلية

الكاتب أكد أنّ الدعم العام غير المشروط لـ"إسرائيل" لن يؤدي فقط إلى تقويض مصداقية الغرب، ولكن أيضاً إلى تقويض علاقاته مع الشركاء التجاريين الرئيسيين مستقبلاً.

  • مركز أبحاث بريطاني:
    تظاهرة تدعو لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة (أرشيفية)

نشر المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية مقالاً للكاتب ليام أوشيا، تحدث فيه عن تراجع الدعم الشعبي لـ"إسرائيل" في الغرب، مشيراً إلى أنّ التغيرات في الاقتصاد العالمي، والتحولات بين الأجيال، تعني أن من غير المرجح أن تستطيع "إسرائيل" أن تعتمد على دعم الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الرئيسين.

وفيما يلي النص منقولاً إلى العربية بتصرف:

إنّ الضرر الذي لحق بسمعة "إسرائيل" ينبع من أسباب تتجاوز أعمال العنف الأخيرة، ومن المرجح أن يتفاقم سوءاً في المدى الطويل، بسبب التحولات الديموغرافية والجيوسياسية. احتشدت الحكومات الغربية، والرأي العام في بعض الدول الغربية، في البداية حول "إسرائيل" بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن على مدى العقود المقبلة، ستتحول القوة الجيوسياسية، بصورة جوهرية، نحو البلدان التي لديها حكومات و/أو شعوب لديها وجهة نظر غير مواتية لـ"إسرائيل". وفي الغرب، أصبحت الأجيال الشابة أكثر تعاطفاً على نحو متزايد مع الفلسطينيين.

وهذا يمثّل مشكلة لصُنّاع السياسات في "تل أبيب" والعواصم الغربية، على حد سواء. وبقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، فإن القوات الإسرائيلية وحكومتها ستزيد في عزلة "إسرائيل" في الساحة الدولية. بالنسبة إلى القوى الغربية، فإنّ الدعم العام غير المشروط لـ"إسرائيل" لن يؤدي فقط إلى تقويض صدقيتها كمؤيدة ومروجة للديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، لكن أيضاً بشأن علاقتها بالشركاء التجاريين الرئيسين في المستقبل.

"إسرائيل" والغرب والعالم عام 2050

هيمن حلفاء "إسرائيل" على الجغرافيا السياسية على مدى العقود القليلة الماضية، لكن هذا الوضع بدأ يتغير. 

وتتنبأ التوقعات الحالية بقوة بحدوث تحول في هيمنة الاقتصاد العالمي من مجموعة السبع إلى بلدان وتجمعات أخرى، بما في ذلك "الدول السبع الناشئة" (البرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا وتركيا). 

ووفقاً للتقديرات، بحلول عام 2050، سوف تتبوأ الصين والهند مكانة أعلى من الولايات المتحدة، كونهما أكبر اقتصادين في العالم. وستقفز إندونيسيا من المركز الثامن إلى الرابع، وتركيا من المركز الـ 14 إلى المركز الـ 11، وستتقدم السعودية مركزين إلى المركز الـ 13. وستدخل نيجيريا ومصر وباكستان ضمن أفضل 20 دولة، بينما ستنسحب إيطاليا وإسبانيا وكندا وأستراليا من التصنيف. وسوف يتحول وزن الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو آسيا على مدى الأعوام الثلاثين المقبلة. وبحلول عام 2075، يمكن أن يكون لدى نيجيريا وباكستان ومصر بعض من أكبر الاقتصادات في العالم.

والمشكلة طويلة الأمد، والتي تواجه "إسرائيل" وحلفاءها، أن من المرجح أن يكون عدد متزايد من البلدان والشعوب أقل تعاطفاً مع "إسرائيل" في النظام الاقتصادي المستقبلي. 

تتفاقم "مشكلة العلاقات العامة" في "إسرائيل" بسبب وجود أعداد كبيرة من الشبان، الذين لديهم رأي غير مواتٍ لـ"الدولة" أو لدورها في الصراع.

في الولايات المتحدة، أشار استطلاع أجراه مركز "بيو" في آذار/مارس 2023 إلى أن 56% من الأميركيين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، و47% ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عاماً، لديهم وجهة نظر غير إيجابية تجاه "إسرائيل".

ويتكرر هذا الاتجاه في استطلاعات أخرى. في أوروبا، يميل أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع إلى التعاطف مع أحد طرفي الصراع، لكن، باستثناء ألمانيا المنقسمة على نطاق واسع، فإنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين. 

وفي جميع أنحاء أوروبا، يبدو الشبان أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين من كبار السن. في استطلاع عام 2023، رأى 36% من الكنديين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، و31% ممن تتراوح أعمارهم بين 35 و44 عاماً، أنّ "إسرائيل" "دولة ذات فصل مماثل للفصل العنصري".

العزلة المستقبلية

بالنسبة إلى الدول الغربية، يمثل دعم "إسرائيل" مشكلتين. أولاً، أنه ينمّ عن معايير مزدوجة ويقوض قيمهم وسياساتهم وأساليبهم المعلنة للتأثير في الحكم خارج الغرب. إنّ المستوى الهائل من القصف يتناقض مع مبدأ التقليل من الخسائر في صفوف المدنيين. 

من الصعب على الدول الغربية أن تدافع عن أن أجزاء أخرى من العالم في حاجة إلى التحول إلى الديمقراطية، ودعم حقوق الإنسان، ودعم القانون الدولي، وما إلى ذلك، عندما تقوم الحكومة الإسرائيلية بإحداث هذا المستوى من الدمار، وتنفيذ إصلاحات محلية للحد من استقلال القضاء، وتقييد الحقوق على أساس الدين/العرق.

ثانياً، قد يؤدي دعم "إسرائيل" أيضاً إلى تقويض المصالح الوطنية للدول الغربية، بما في ذلك العلاقات التجارية الرئيسة. وفي العقود المقبلة، سوف تحتاج الدول الغربية إلى إقامة علاقات أمنية ودبلوماسية واقتصادية باقتصاد عالمي لن تهيمن عليه بعد الآن.

ولا يزال من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا لاعبين كباراً في أكبر اقتصادات العالم في المستقبل المنظور. ولا يحمل السكان في عدد من البلدان الناشئة حالياً وجهات نظر قوية بشأن "إسرائيل" أو فلسطين. لكن التحول الإجمالي واضح، وقد تجد القوى الغربية أنّ الدعم لـ"إسرائيل" يحتل مرتبة أدنى في قائمة أولوياتها، بل ربما يشكل عائقاً، عندما تسعى للتعاون الدولي لإدارة أولويات محلية ودولية أخرى.

إنّ انخفاض مستويات الدعم بين الأجيال الشابة في الدول الغربية يجب أن يثير قلق صناع القرار الإسرائيليين. وهذه هي الحال، بصورة خاصة، مع الولايات المتحدة. قبل هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كان موضوع خفض الدعم الأميركي، والذي كان من المحرَّمات، يكتسب شعبية ليس فقط في الدوائر الديمقراطية، بل أيضاً في الدوائر الجمهورية. 

احتشدت الولايات المتحدة حول حليفتها بمساعدات عسكرية إضافية واسعة النطاق، لكن الدعم لـ"إسرائيل" بدأ يتراجع بالفعل، ويميل الديمقراطيون الشبان الآن، بصورة أكثر إيجابية، إلى الجانب الفلسطيني. من غير المرجح أن يكون الصراع هو القضية الرئيسة في الانتخابات الغربية المستقبلية، لكنه لا يزال قضية بارزة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى. وفي المدى الطويل، قد يكون دعم "إسرائيل" على نحو متزايد خاسراً في الأصوات، وليس فائزاً بالأصوات. قد لا يتم تحفيز الجيل المقبل من السياسيين الغربيين نحو السياسات والإجراءات الداعمة لـ"إسرائيل".

خاتمة

لا توجد طريقة بسيطة أمام "إسرائيل" لتحسين صورتها في العالم. لكن ما هو واضح أن قواعد اللعبة الأمنية الحالية للحكومة الإسرائيلية و"الجيش" الإسرائيلي غير قابلة للاستدامة. 

في الماضي، كان في وسع "إسرائيل" أن تعتمد على دعم الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الرئيسين، ومن المرجح أن يحدث هذا في المستقبل المنظور. لكن التغيرات في الاقتصاد العالمي، والتحولات بين الأجيال، تعني أن من غير المرجح أن يستمر الأمر إلى أجَل غير مسمى. وإذا كانت "إسرائيل" تريد الأمن، فقد تحتاج إلى إيجاد ذلك من دون وجود مثل هؤلاء الحلفاء الأقوياء في المستقبل. 

إنّ المحافظة على الموارد العسكرية الباهظة الثمن ونشرها سوف يكونان مكلفَين في ظل المساعدات الأميركية الأقل، والتي تشكل نحو 16.5% من ميزانية الدفاع الإسرائيلية ـ وهي، في حد ذاتها، نحو 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي لـ"إسرائيل"، أي ما يقرب من ضعف المتوسط ​​العالمي للإنفاق الدفاعي.

وتحتاج "إسرائيل" أيضاً إلى إدارة الصراع مع الفلسطينيين بقدر أقل من العنف. ففضلاً عن كونها تتعارض مع حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وتقوض أي حل مستقبلي للصراع، فإنّ أفعالها تشوّه أيضاً صورة "إسرائيل" بصورة خطيرة. وعلى صعيد السمعة، ففي حين يمكن وصف العنف المفرط، الذي تمارسه حماس، بأنه لا يمثل السكان الفلسطينيين، فإن العنف الذي تمارسه الجهات التابعة للدولة الإسرائيلية يخلف تأثيراً أكثر وضوحاً في سمعة "إسرائيل" ككل.

ويتعين على صنّاع السياسات في الغرب أيضاً أن يتبنوا منظوراً استراتيجياً طويل الأمد. وإذا كانوا راغبين في تشكيل النظام الاقتصادي والنظام السياسي العالميين، في المستقبل، على نحو يتماشى مع قيمهم المزعومة، فيتعين عليهم أن يدعموا القيم المزعومة باستمرار، وخصوصاً في مواجهة التحدي الذي تفرضه القوى الاستبدادية. وهذا يتطلب من الدول الغربية وحلفائها أن يلتزموا قيمهم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.