مجلة إسرائيلية: مهمّات معقدة في انتظار رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد
المجلة الإسرائيلية ذكرت أنّ تحديد هوية وريث رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، معقدة بسبب الحاجة لترميم "الجيش" وترميم الثقة به بعد أحداث 7 أكتوبر.
تحدثت مجلة "ماكو" الإسرائيلية، في مقال لمحلل الشؤون العسكرية، شاي ليفي، ومراسلة الشؤون القضائية والاجتماعية، ليئور شاليف، عن الأسماء المطروحة لخلافة رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، هرتسي هليفي، في منصبه، مشيرةً إلى أنّ الرئيس الجديد ستنتظره مهمات معقدة.
وفي ما يلي النص منقولاً إلى العربية:
نائب رئيس هيئة الأركان العامة أمير برعم، أم إيال زمير الذي خسر في الجولة السابقة؟ ربما سيقفزون فوق جيل كامل وسيسيرون مع يوآل ستريك أو أروي غوردين، آفي غيل أو نمرود ألوني؟ بورصة الأسماء تتبلور، في الخلفية يمكن أيضاً استشعار التدخلات السياسية. مجلة "ماكو" توجهت هذا الأسبوع إلى خبراء جيش وأمن من أجل طرح سؤال لا يتمحور فقط حول من سيرث هرتسي هليفي، إنما أيضاً ما الذي سيضطر لفعله من أجل ترميم الجيش الإسرائيلي من صدمة السابع من تشرين الأول.
أحداث السبت الأسود أحدثت ضرراً بالغاً في الشعور بالأمن لدى الجمهور الإسرائيلي. إخفاق الاستخبارات وعدم استعداد الجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم حطم الثقة بالجيش، الذي شهد من جانبه هزة لم يشهد لها مثيلاً منذ اندلاع حرب يوم الغفران، إلى حدّ ما. الآن، بينما الانهماك بمسألة "اليوم التالي" تشغل الساحة السياسية والاقتصادية، وكذلك المسألة الأمنية، تُطرح علامتي استفهام ضروريتين: كيف يمكن ترميم الجيش الإسرائيلي من صدمة تشرين الأول، ومن هي الشخصية المناسبة لهذه المهمة المعقدة.
رئيس هيئة الأركان العامة الفريق هرتسي هليفي، كتب منذ 17 تشرين الأول في رسالة لجنود الجيش الإسرائيلي وقادته: "نحن تلقينا ضربة ونحن نتحمل المسؤولية"، صياغة يمكن ربما تعلّم شيء ما منها عن خطط هليفي نفسه لـ "اليوم التالي". من غير المعروف إن كان هليفي سيسير على خطى دافيد أليعازر ودان حالوتس، اللذين استقالا، الأول إثر حرب يوم الغفران، والثاني بعد حرب لبنان الثانية، لكن في حديث أروقة المؤسسة العسكرية الأمنية يسألون بوضوح: من سيكون رئيس هيئة الأركان العامة المقبل؟ والتقدير السائد هو أنّ نهاية الحرب ستكون أيضا نهاية عهد هليفي. حتى وإن لم يستقل، يوجد بين من أجرينا معهم مقابلات في هذا التقرير من يدّعون أن ليس لديه أي سبب لفعل هذا الأمر، ثمة شك إن كان هناك أحد ما سيسمح له بإنهاء ولايته.
هوية وريث هليفي معقدة بسبب الحاجة لترميم الجيش وترميم الثقة به على حد سواء، وهي تتعقد أكثر لأنه لا يمكن الفصل تقريباً بين القدرات المهنية واعتبارات مسارات التقدم، واعتبارات السياسة، داخل الجيش وخارجه. إخفاق تشرين الأول خلق أيضاً وضعاً استثنائياً التصق فيه ضباط كبار ممّن التصق بهم الفشل لن تتمّ ترقيتهم، وسيجبر بعضهم أيضاً على إنهاء خدمتهم العسكرية.
نائب رئيس هيئة الأركان العامة أمير برعم هو المرشح الطبيعي جداً، إلا إذا قرر هذه المرة اختيار أحد ما من خارج "مجموعة المظليين العسكرية الحاكمة". لكن مسار تقدم برعم "غير مناسب" لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة.
"الجميع يدرك أنه ستحصل هزة أرضية بعد الحرب. الكثير من القادة الذين يعتبرون مدموغين لهيئات الأركان العامة سيضطرون للذهاب إلى منازلهم"، يقول مصدر عسكري رفيع مطّلع على إدارة القتال. ويتابع: "إخفاق بحجم كهذا لا يتيح إدارة مختلفة، تماماً مثلما رأينا في حرب لبنان الثانية. هناك من سيفعل هذا من تلقاء نفسه وهناك من سيرشده إلى الباب. هناك عدد من الأشخاص الموقّعين على هذا الإخفاق ومتأكدين أنهم سينجحون في محوه أو طمس معالم سلوكهم مع إدارة ناجحة للحرب، لكن ثمة شك إن كان هذا الأمر سيجدي نفعاً، ناهيك أنه يوجد اليوم من يخطط لإغلاق حسابات، أحياناً شخصية، ضد متنافسين أو مرشحين محتملين - من داخل الجيش ومن السياسة الداخليّة القطرية أيضاً".
إلى جانب من يوسَمون كمرشحين رائدين لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة الرابع والعشرين، من الجدير الإشارة إلى اسمين أفلتا من هذا السباق: قائد المنطقة الجنوبية يروم فينكلمان، الذي نُفذت مجزرة 7 تشرين الأول في قطاعه؛ الثاني هو اللواء أليعازر تولندو، الذي كان منذ وقتٍ غير بعيد قائد المنطقة الجنوبية، وقبل ذلك قائد فرقة غزة. وضع تولندو مثير للاهتمام سيما كونه بدا قبل 7 تشرين الأول كرائد في السباق، لكن المنصبين الأخيرين اللذين شغلهما هما حجرة عثرة مهمة في طريقه إلى الأعلى - وحالياً يبدو أنّ المنافسة ستكون بين ستة مرشحين آخرين. وربما، كما يعتقد كثيرون مطّلعون على هذا الموضوع، فقط بين إثنين.
مطلوب: شخصية الشخصيات
"رئيس هيئة الأركان العامة المقبل سيضطر لإعادة بناء الجيش من الأساس. التعلّم من الأخطاء، استخلاص عبر، تغيير المستوى القيادي، بناء وحدات جديدة، ترميم الوحدات الموجودة سيما زيادة مبنى القوة العسكرية"، يقول قائد الفيلق الأركاني سابقاً، اللواء (في الاحتياط) غرشون هكوهين. ويتابع: "منذ الخمسينيات يستخدمون في الجيش الإسرائيلي مصطلح ترميم وحدات ارتبكت في المعركة، لأن وحدة عسكرية لا تتفكك بعد الحرب إنما تترمم، تبدأ ببناء نفسها من جديد. هذا ما سيحدث أيضاً بعد الحرب الحالية، تحت ظل قادة جدد تعلّموا عبر الحرب وإخفاق 7 تشرين الأول".
بيد أنه حسب كلام مصدر عسكري رفيع، سيضطر رئيس هيئة الأركان العامة المقبل أن يكون أكثر من قائد شجاع بكثير: "يجب أن يكون إنساناً يعرف إدارة هيئة أركان، يعرف الجيش إضافةً إلى الوحدة الأم التي ترعرع فيها. علاوة على ذلك، نحن جيش مجروح خسر قادة ميدانيين وهو في طريقه لقطع عدة رؤوس، والاختيار يجب أن يأخذ هذا الأمر بالحساب أيضاً. أنا أقصد أن رئيس هيئة الأركان العامة القادم يجب أن يكون شخصية الشخصيات، شخص ينتظم مع الجميع ومقدّر من قبل الجميع. وسياسياً قليلاً أيضاً".
لنفترض أن ولاية هليفي ستنتهي العام القادم وليس في العام 2026 كما هو مخطط، هناك مصادر داخل المؤسسة وخارجها يسمّون حالياً مرشحين رائدين للحلول مكانه: الأول هو نائب رئيس هيئة الأركان العامة الحالي، اللواء أمير برعم، والثاني هو مدير عام وزارة الأمن والذي كان مرشحاً لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة أمام هليفي، اللواء إيال زمير.
اللواء برعم هو المرشح الطبيعي جداً، ليس لأنه نائب هليفي: في العقد الأخير لم يكن تقريباً على صلة بقيادة منطقة الجنوب، بحيث لا يمكن ربطه بإخفاق السبت الأسود. برعم يأتي من مجال العمليات الخاصة وكان قائد الجبهة الشمالية، قائد الفيلق الشمالي، قائد تشكيلة الجليل وقائد لواء المظليين، باستثناء أنه من غير الواضح إن كان سينفعه أو يضره. من جهة، هيمنة "مجموعة المظليين العسكرية الحاكمة" في مناصب مفتاحية في الجيش دامت سنوات طويلة؛ من جهة ثانية، يعتقد كثيرون أنه حان الوقت لتغيير طريقة تفكير المستوى القيادي الرفيع، ومن هنا قد يتغير أيضاً لون الحذاء.
ثمة مشكلة إضافية في الطريق إلى تعيين برعم هي أن مسار تقدمه "لا يتناسب" مع منصب رئيس هيئة الأركان العامة: النيابة هي وظيفته الأركانية الأولى المهمة، وقبيل مشروع ترميم الجيش الإسرائيلي يوجد لذلك قيمة مهمة جداً. في السياق نفسه، إذا عُيّن برعم رئيساً لهيئة الأركان العامة، من سيُعين أيضاً نائبه سيكون جديداً في منصبه، ليس بالضرورة وضعاً مرغوباً في فترة تغييرات كثيرة.
اللواء إيال زمير، إذا تم اختياره، سيكون هو الذي سيكسر هيمنة مجموعة المظليين العسكرية الحاكمة. زمير ترعرع في سلاح المدرعات ومن بين مناصبه البارزة خدم بصفته قائد المنطقة الجنوبية وبصفته قائد تشكيلة غاعش، وكان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة (2012-2015). كان في منصبه الأخير نائب رئيس هيئة الأركان العامة أفيف كوخافي. في العام الماضي استقال زمير من الخدمة بعد خسارته منصب رئيس هيئة الأركان العامة أمام هليفي، ومنذ ذلك الحين وهو يخدم بصفته مدير عام وزارة الأمن.
بعكس مسار مهنة برعم، زمير أهل مواقع قيادة حربية ووظائف أركانية في مجال بناء القوة. في وزارة الأمن اعتُبر مديراً عاماً ممتازاً يعرف جيداً مجال الشراء ونسج علاقات مع جيوش ووزارات أمن في العالم، مع التشديد على الولايات المتحدة الأميركية، واقع تعتقد مصادر في المؤسسة الأمنية أنه قد يكون مكدراً لها. الجيش الإسرائيلي يوجد في مرحلة شراء ضخمة وبناء قوة، ولذلك من غير المستبعد أن يقرر إبقاء المدير العام المتميز لوزارة الأمن في منصبه (بالمناسبة، من خضع لمسار مشابه لمسار زمير هو رئيس هيئة الأركان السابق غابي أشكينازي، الذي اختير لترميم الجيش في أعقاب فشل حرب لبنان الثانية، بعد عام خارج الجيش خدم فيه هو أيضاً بصفته مدير عام وزارة الأمن).
"مشكلة زمير الكبرى، وهذا ليس ذنبه، تكم في المجال السياسي"، يقول لنا هذا الأسبوع مصدر في الجيش الإسرائيلي. ويتابع، "نتنياهو حاول تعيينه في منصب رئيس هيئة الأركان العامة في الجولة السابقة، زمير كان أيضاً السكرتير العسكري لـ "بيبي"، ويمكن اعتبار ذلك كتعيين سياسي من نتنياهو. بالمناسبة، تعيين هليفي يشير إلى تعيين اليسار، وهذا أيضاً لم يكن لأسباب موضوعية".
بغض النظر عن المشاكل التي قد تثار من جراء تعيين زمير أو برعم، يوجد أيضاً من يعتقد أنه يجب أن يبقى رئيس هيئة الأركان العامة الحالي في منصبه. متان فلنائي، نائب رئيس هيئة الأركان العامة السابق واليوم رئيس منظمة قادة من أجل أمن "إسرائيل"، يعتقد أنّ كارثة 7 تشرين الأول ستبقى تحوم فوق وجدان هليفي - لكنه يقول إنّ سرعة استرداد عافيته تشير إليه كمن يجب أن يستخلص العبر والسير بالجيش قدماً. "متى رأيتم في المرة الأخيرة رئيس هيئة الأركان العامة يمسك سلاحاً إلى جانب جنوده؟ هليفي يتصرف بشكل استثنائي منذ السبت الأسود، هو الوحيد في القيادة الذي استعاد عافيته والوحيد في الحقيقة الذي يفهم ما يحصل"، يقول فلنائي ويشرح: "أنا أخاف فقط من أن يستقيل هليفي. هو إنسان نزيه، وهو يتحمل مسؤولية الإخفاق".
لم يكن هناك من يعمل معه
مصادر في هيئة الأركان العامة تتحدث في الآونة الأخيرة عن احتمال أن يدخل منصب رئيس هيئة الأركان العامة مرشح من طبقة منخفضة جدا، من الصعب ربطه بإخفاق تشرين الأول وأن ضباطاً كباراً فيها ينالون تقديراً منذ بدء الحرب. هنا ندخل في صورة أربعة أسماء قد تقفز قطعا فوق زمير وبرعم.
اللواء يوآل ستريك عاد إلى بورصة المرشحين بعد ما كان مرشحاً لمنصب رئيس هيئة الأركان العامة في الجولة السابقة وخسر. ستريك ترعرع في غفعاتي، كان قائد المنطقة الداخلية وقائد الجبهة الشمالية، وفي نهاية العام 2021 أنهى منصبه بصفته قائد ذراع البر. في العامين الأخيرين خدم بصفته زميل بحث في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي وينتظر قرارا إزاء مواصلة مهنته العسكرية. ستريك اعتُبر منافساً مهماً على المنصب المرغوب، لكن مصادر في الجيش الإسرائيلي تزعم أن ليس الجميع في المؤسسة سيتقبلون بتفهم تعيين من قيل عنه ذات مرة أنه ضابطاً "ضبابياً". يُحتمل جداً أن ستريك سيُعين في وظيفة نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الأمر الذي سيساعد في إرساء السفينة في المرحلة الأولى وسيحولوه إلى المرشح الرائد في منصب رئيس هيئة الأركان العامة الخامس والعشرين.
اسم اللواء أوري غوردين، اليوم قائد الجبهة الشمالية، يُطرح أكثر من مرة. هو ترعرع في سييرت متكال وقادها، وأثناء خدمته قاد وحدات خاصة في أمان. غوردين كان أيضاً رئيس ذراع البر في السنوات 2018-2020، وهناك عمل في مجالات متنوعة - من بينها بناء القوة المصيري. مع هذا، هو يخدم حالياً فقط في المنصب الثاني بصفته لواء (السابق كان في قيادة الجبهة الداخلية)، وتجربته في منتدى الأركان ضئيلة.
رباعية المرشحين من المستوى الثاني يغلقها كل من الضابطين برتبة لواء، آفي غيل، اليوم السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، ونمرود ألوني، رئيس قيادة العمق. الاثنان تنقصهما الخبرة في وظائف أركان ولواء، لكن سيناريو تنظيف الاسطبلات في المستوى الرفيع قد يرفعهم إلى رأس اللائحة.
المفهوم الذي ينص على أن ثمة حاجة لإيقاظ مهم للمؤسسة قد يكون حاسماً؛ بهذا المعنى، ثمة سعة خيال بين الوضع الحالي والوضع الذي وجد الجيش الإسرائيلي نفسه فيه بعد حرب لبنان الثانية. العميد (في الاحتياط) أمير أفيفي، رئيس حركة الأمنيين، التي تدعو من جملة أمور إلى ضم يالضفة الغربية: "نحن نوجد في نقطة مشابهة، فقط بشكل أكثر خطراً. في الحالتين الجيش انحرف عن جوهر المهنة العسكرية إلى داخل مفاهيم تفترض أنه لن تحصل حروب كبيرة وأنه يجب التركيز على محاربة الإرهاب عبر استخبارات ووحدات خاصة. عندما دخل غابي أشكينازي إلى منصب رئيس هيئة الأركان العامة، طرأ تغيير إيجابي في مهنية الجيش، لكن لم يمر وقت طويل إلى أن عاد الجيش الإسرائيلي إلى عادته القديمة".
في الحالتين يجري الحديث عن مفاهيم مشابهة
"صحيح، تجذرت مفاهيم بعمق داخل الحكومة والجيش بأنه لم يكن يوجد من يعملون معه. قبل عام ونصف العام، بعد عملية حارس الأسوار، حضرتُ عرضاً موجزاً بشأن أزمة المناخ العالمية. جلست هناك مذهولاً، ما لأمان وللثقب في الأوزون؟ لماذا ينشغلون في أمان بهذا الأمر وليس بنشاطات النخبة؟ منذ ذلك الحين كان واضحاً أنّ ثمة حيرة جدية في مسألة ما الذي يجب أن ينشغل به الجيش".
إسم أوري غوردين، الذي ترعرع في سييرت متكال، طُرح أكثر من مرة كمرشح لهيئات أركان عامة. هو كان رئيس أركان ذراع البر وهناك عمل في مجالات متنوعة - من بينها بناء القوة، المصيري للجيش الإسرائيلي اليوم.
العميد (المتقاعد) يوسي كوبرفسر، سابقاً رئيس وحدة البحث في أمان وعضو إضافي في حركة الأمنيين: "العبر من حرب لبنان الثانية قادتنا إلى 17 عاما من عمل معين غير ذي صلة. الجيش الإسرائيلي عمل بعد هذه الحرب على صورة المعركة بين الحروب. هذا يعني عمليات اغتيال مركزة، هجمات جوية، حرب سايبر ونشاطات سرية أخرى. أنظروا قليلاً إلى مكان العمل لتصفية التهديدات التي تطورت أمام ناظرينا".
المقاربة التي رافقت القيادة السياسية والأمنية في العقود الأخيرة تُكسب كوبرفسر "جهلاً عن رغبة". "أقنعنا أنفسنا أنّ السلطة الفلسطينية لا تشكل تهديداً في الحقيقة وأنّ حماس وحزب الله مرتدعين. في غضون ذلك هم أداروا صراعاً كاملاً ضد إسرائيل، تدربوا على القتال، رأوا بعدم تدخل إسرائيل نقطة ضعف ورفعوا ذلك لصالحهم".
كيف ترى دور رئيس هيئة الأركان العامة بهذا الشأن؟
"ينبغي أن يعمل رئيس الأركان مع القيادة السياسية والأمنية بغية بلورة مفهوم جديد للأمن، مختلف كلياً عن ذاك الذي قادنا لغاية 7 تشرين الأول. أثبتت الحرب الحالية أنّه لا يمكن الاعتماد على قضية الردع، سواء مقابل اليمنيين أو إيران، ولا يمكن الاعتماد على الاستخبارات - إنما على استعداد عسكري جديد وجيش كبير، قوي وذي موارد".
قف واقلب الطاولة
سيكون هناك حاجات أمنية، وأمر واحد كان وسيبقى جزءاً لا يتجزّأ مما يجري في قيادة الجيش الإسرائيلي: السياسة. عدم وجود فصل واضح بين المستوى السياسي والعسكري وانشغال معظم الشعب في الجيش الإسرائيلي بقضايا سياسية قد يضفي شعبوية في الجيش الى درجة أن يتأقلم ضباط رفيعون مع توقعات رؤساء المنظومة السياسية، وليس بالضرورة مع الواقع في الميدان، وهذا بالتحديد السيناريو الذي يقلق مَن كان رئيس لواء العمليات في هيئة الأركان، اللواء غدي شمني.
ويقول شمني: "يرتقب من رئيس الأركان أن يصغي الى صوته في حال أرادت الحكومة أن تعمل بشكل يضعف إسرائيل". ويتابع: "قصة غزّة - هذا مفهوم ولد ونشأ على يد بنيامين نتنياهو. حتى لو فكّروا في المستوى العسكري بشكل مغاير، سيتأقلمون مع نهج نتنياهو. ويرتقب من رؤساء المؤسسات الأمنية في اللحظة التي يشخصون فيها شيئاً ما يمسّ بأمن إسرائيل، أن يعملوا بكل قوتهم - سواء مقابل ثمن الاستقالة أو الخروج إلى الجمهور - بغية إيقاف المنحى الخطر، لأنّ هذا واجبهم المهني. على سبيل المثال، في فترة الانقلاب القضائي، أدرك هرتسي هليفي أنّ الحكومة تتخذ خطوات بوسعها أن تعرّض أمن إسرائيل للخطر. حذّر نتنياهو من ذلك وحتى حاول التكلّم معه يوم التصويت على الانقلاب، لكن في حالات كهذه لا يفترض أن ينتظر رئيس الأركان حتى يوم التصويت بغية التكلّم مع رئيس الحكومة: ينبغي أن يقف ويقلب الطاولة قبل ذلك بكثير. حتى لو كانت الدلالة هي الاستقالة، وحتى لو اضطر الى التكلّم مباشرة مع الجمهور".
ولعلّ الرجل الذي سيُسمِع صوته في مكتب رئيس الأركان بصورة عامة لن يكون واحداً من المرشحين الستة الذين يعتبرون الآن رواداً. وبخصوص ذلك من الجدير أن نذكر اللواء إيتي فيروف، الذي كان من المفترض أن يتسرّح عمّا قريب ولم يكن من ضمن تلك اللائحة مطلقاً - على ما يبدو لأنّه بدا كضابط "جنوني" لكنه أيضاً ذكي، من النوع الذي ألمح إليه شمني. يدور الحديث عن لواء قديم تسلّم مناصب قيادية حربية الى جانب مناصب أركانية (ضابط سلاح المشاة والمظليين الرئيسي، رئيس أركان ذراع البرّ). في الواقع لا تضم بطاقة عمله منصب قائد القيادة المناطقية، لكن شخصية كهذه يمكن أن تجلب الاستقرار بسبب قدَمِه وخبرته في منتدى هيئة الأركان، ناهيك عن كون هذا الرجل هو مقاتل ممتاز. بيد أنّ رئيس الأركان، كما قلنا، ينبغي أن يكون أكثر من ذلك.
حتى الأسابيع الأخيرة ذكر اسم آخر كمرشّح رائد لمنصب رئيس الأركان: اللواء يهودا فوكس، قائد المنطقة الوسطى. لقد ترعرع فوكس في لواء الناحل، وقبل ذلك كان قائد فرقة غزّة وملحق الجيش الإسرائيلي في الولايات المتّحدة، منصب ارتبطت به مجالات الشراء وبناء القوة - ولا يقل أهمية، عن الدبلوماسية العسكرية والعلاقة مع الأمريكيين. يعتبر فوكس ضابطاً مهنياً، مقبولاً ومحبوباً في الجيش الإسرائيلي، لكنه يصنّف في اليمين كرجل يساري - حتى أنّه ترعرع في الصهيونية الدينية ولم يكن على صلة بالسياسة مطلقاً. في الأسبوع الماضي، طرح اسمه في العناوين بعد أن جمع السلاح من عدد من المواطنين في الضفة الغربية وأمر باعتقالات إدارية لنشطاء من اليمين المتطرّف بغية منع التصعيد، وقدّم فوكس الى رئيس الأركان وثيقة يحذّر فيها من أنّ شرطة إسرائيل لا تعالج الإرهاب اليهودي في الضفة، الأمر الذي أدى الى انتقاد من قبل جهات في المستوطنات. وفي الأسبوع الماضي نشر رئيس الشاباك رونن بار تحذيراً أصدر فيه على فوكس "حكم مطارد" وهذا الأمر قد يشكّل تهديداً حقيقياً على حياته.
ثمة مرشح آخر تبدو فرص تعيينه منخفضة وهو اللواء (في الاحتياط) نيتسان ألون، مَن كان قائد سييرت متكال، رئيس لواء التشغيل العملاني في أمان، رئيس شعبة العمليات وقائد المنطقة الوسطى، وخلال الحرب الحالية عُيّن قائد المسعى الاستخباراتي لمجال الأسرى والمفقودين. يعتبر ألون ضابطاً جيداً، هجومياً، قتالياً وإبداعياً، بالتحديد كما يحتاج الجيش الإسرائيلي في اليوم الذي يلي الحرب. لكن على شاكلة فوكس، أيضاً هو يوسم سياسياً كرجل يسار يمقت عائلة نتنياهو، رجال الليكود والمستوطنين. والسبب: زوجته هي ناشطة يسارية (ألون نفسه لم ينضم الى حزب مطلقاً أو يؤيد حزباً).
أيضاً اسم قائد سلاح الجو السابق اللواء (في الاحتياط) عميكام نوركين طرح في السابق بخصوص رئاسة الأركان، وهذه كانت على الأقل فكرة طرحت في مكتب نتنياهو. أشخاص كثيرون في الجانب اليميني من المنظومة السياسية يمنون النفس بفكرة عودة نوركين الى الجيش كرئيس المؤسسة أو نائبه، لكن فرص حصول ذلك منخفضة جداً. إضافة الى المناخ السياسي، الذي ليس من المفيد فيه أن يشار إليه كرجل نتنياهو، يقولون في الجيش الإسرائيلي بأنّ فترة ولاية دان حالوتس أحرقت لسنوات كثيرة إمكانية أن يكون رئيس الأركان من سلاح الجو.
جيش أدوات
عندما يتبدّد الضباب ويتم اختيار رئيس هيئة أركان عامة سيبدأ وجع الرأس الحقيقي: إعادة انطلاق الجيش بعد الصّدمة والحرب، البعيدة عن الانتهاء- ولأن نتائجها ستجرّ بشكل طبيعي ملاءمات وتغييرات. بالتأكيد على ضوء الاستنزاف المحدّد لقوة الجيش الإسرائيلي، الذي لُمس قبل تشرين الأول 2023.
في كانون الثاني هذا العام نشر ترتيب أقوى الجيوش في العالم الخاص بـ Global Firepower، الذي يعتبر معياراً موثوقاً به بالقدر الكافي في المسألة. في المعيار، الذي يعتمد على سمة معتبرة في عشرات التصنيفات- وبينها عدد الوحدات العسكرية، القدرات اللوجستية، الوضع المالي وغيره- تمّ إدراج الجيش الإسرائيلي في المرتبة 18، تحت جيوش إيران، مصر وتركيا. في ترتيب مشابه جرى قبل خمس سنوات ظهرت إسرائيل في المرتبة 16، وفي العام 2013 في المرتبة 13. يمكن الجدال حول الدقة في الترتيب، لكن كلّ من أجريت معهم المقابلات لهذا التقرير يتفقون على الحاجة إلى جيش أكبر، أقوى وأكثر مهنية.
تدني قوة الجيش الإسرائيلي ينسبها من أجريت معهم المقابلات إلى دفع الوحدات البرية جانباً لصالح استثمار وانشغال بالتقدم والتكنولوجيا. يقول أفيفي إنّ "الجيش الإسرائيلي تحوّل إلى جيش أدوات، وهذا يكلّفنا حياة الإنسان. ما يهمّ في ساعة الحرب هو عديد القوات، الذخيرة، الوقود والاحتياطي، ليس كميات الليزر والبوتات. يستثمرون مبالغ طائلة في تكنولوجيا طرفية بمقدور وحدات قليلة استخدامها بدل شراء مزيد من الذخيرة أو فتح وحدات برية جديدة. إقفال وحدات هذا سهل، من أجل فتح وحدة يجب بذل جهد هائل، لكن لا مبرر للتقليص الدراماتيكي في حجم الوحدات في الجيش الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة. هذا انعدام مسؤولية وينعكس بشكل مباشر على ما يمكننا وما لا يمكننا فعله في الحرب، وأيضاً يوضح لماذا كلّ شيء يستغرق وقتاً إلى هذه الدرجة".
"لقد قلّص الجيش وحدات من جملة أمور انطلاقاً من ثقته أن منظومات تكنولوجية حديثة ستؤدي العمل"، يجمل هكوهين، وشمني يضيف: "لقد قاتل الجيش الإسرائيلي في يوم الغفران مع أكثر من 2000 دبابة، واليوم عدد هذه القطع أقلّ بكثير. أيضاً عديد قوات عناصر المدفعية والهندسة انخفض بنحو مهمّ، والوحدات البرية هذه مهمّة في ميدان المعركة. وبالمناسبة فإن عديد قوات جيش صغير لا يمكنها تقديم استجابة لقتال في عدّة ساحات بالتوازي. بعد الحرب يجب زيادة عديد الجيش، ومن أجل ذلك المطلوب تجنيد شرائح سكانية لا تتجنّد. إضافة إلى عديد القوات والقطع، من المهمّ أيضاً رؤية أن الجيش مؤهل للانتقال سريعاً إلى الهجوم. لو أن الجيش الإسرائيلي، مع التشديد على تشكيل الإحتياط، كان في كفاءة عالية، لكان بمقدورنا الانتقال إلى المرحلة البرية في الحرب الحالية ليس بعد ثلاثة أسابيع بل بعد ثلاثة أيام".
إلى أيّ حدّ قريب نفس "اليوم التالي"، الذي فيه سيضطر رئيس هيئة الأركان العامة المقبل للمطالبة بكلّ ذلك؟ يقدّر فيلنائي إنه "يجب أن نستعدّ لأشهر إضافية كثيرة من القتال... عام 2024 ستتواجد قوات كبيرة جداً على طول القطاع وهي ستضطر إلى معالجة أي حادث أمني، حتى أصغرها، قبل أن يكبر ويتطور. يجب أن تنظر القوات إلى غزة كما تنظر إلى الضفة الغربية- جهوزية دون توقف واستخبارات نشطة 7/24".
يضيف العميد أفيفي أنّ "اليوم التالي لن يأتي سريعاً إلى هذه الدرجة، بالتأكيد ليس قبل الربيع... لكن بأية حال سيضطر الجيش للنظر إلى إخفاقاته في هذه الحرب، لفهم الإخفاقات التي سبقت 7 تشرين الأول أيضاً، لتحليلها والتعلم منها بعد ذلك".
وبتابع فيلنائي: "الجيش الإسرائيلي سيحقق في جذور أحداث 7 تشرين الأول، لأن الجيش عمل بنحو سيء جداً في ذات اليوم. رغم ذلك، الأمر المركزي الذي وقع فيه الجيش قبل هذه الحرب هو مفهوم رئيس الحكومة وزمرته. هذا هو الإخفاق الأكبر للجيش: السقوط للمفهوم. من هنا بدأ كلّ شيء".