ماذا خلف المظاهرات الحاشدة في براغ؟

جمعت الاحتجاجات في العاصمة التشيكية براغ قوى من أقصى اليسار واليمين المتطرف، فقد وحّدهما الساخطون على ارتفاع معدلات التضخم، وتكاليف الطاقة الكبيرة.

  • ماذا خلف المظاهرات الحاشدة في براغ؟
    من تجمّع الآلاف من المتظاهرين في العاصمة التشيكية براغ 

نشر موقع قناة "CGTN" الصينية مقالاً للكاتب برادلي بلانكينشيب تحدّث خلاله عن خلفيات التظاهرات الحاشدة التي جرت قبل أيّام في العاصمة التشيكية، وعن الحلول المحتملة لمعالجة الأزمة التي تمرّ بها جمهورية التشيك وأوروبا ككلّ. 

وفيما يلي نصّ المقال منقولاً إلى العربية: 

لطالما كانت ساحة فاتسلاف في العاصمة التشيكية براغ، تفيض بالسياح في هذه الأوقات من السنة. لكنها، اليوم تكتظ بنحو 70 ألف متظاهر، يطالبون باستقالة الحكومة آلتي يترأسها بيتر فيالا، بسبب سياساتها المستمرة بتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، إضافةً إلى سوء إدارتها لأزمة الطاقة المستجدة.

وكما هو متوقع، رد العديد من المعلقين التشيكيين البارزين، ومن بينهم رئيس الوزراء فيالا، على مطالب المتظاهرين، بوصمهم بالتبعية لروسيا. ويتم استغلال المشاعر المعادية للشيوعية السوفياتية التي اصطدمت مع حكومة تشيكسلوفاكيا في ستينات القرن المنصرم.

مع ذلك، صُدم المراقبون تماماً لرؤية هذا الاحتجاج الذي ظهر بشكل عفوي. الاحتجاجات ليست جديدة في براغ، وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، شهدنا احتجاجات حاشدة يصل عددها إلى عشرات الآلاف على فضائح الفساد الحكومية. لكن لم يكن هناك مثل هذا التجمع الكبير من المتظاهرين المناهضين للغرب بشكل صريح.

كان المتظاهرون يعارضون بشدة الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، وكذلك منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو". وكلاهما مفتاح لاندماج جمهورية التشيك في الغرب منذ "الثورة المخملية" في عام 1989، وتفكك الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بوقت قصير. إنّ رؤية هذا الحشد المنظم والواسع يقف ضد هذه الركائز الأساسية، لأمر يعتقد أنّ معظم المواطنين التشيكيين يرغبون فيه بشدة، هو أمر صادم بصراحة.

جمعت الاحتجاجات قوى من أقصى اليسار واليمين المتطرف، بدلاً من أن يكونا على طرفي نقيض ومتعارضين، فقد وحّدتهما شريحة الساخطين بشدة على الارتفاع الكبير في معدل التضخم في البلاد بنحو 17.5%، إضافةً إلى تكاليف الطاقة التي لا تحتمل. ليس من الصعب معرفة سبب عدم رضا الناس عن الطريقة التي تسير بها الأمور.

يُحسب لحكومة فيالا أنّها نفذت مؤخراً حزمة مساعدات بقيمة 7 مليارات دولار تقريباً لمساعدة الأسر المتضررة من ارتفاع أسعار الطاقة التي يُقال إنها رابع أعلى نسبة من نوعها في أوروبا بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وبالمثل، وبما أنّ براغ تتولى الآن الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، فقد عقدت حكومته اجتماعاً طارئاً لمجلس الطاقة في الاتحاد لمحاولة تطوير حل أوروبي لهذه الفوضى.

لكن من غير المحتمل أن يوازن أي من المواطنين هذه الأعباء وهم يعرفون أنّ موسكو أوقفت تدفق الغاز إلى أوروبا حتى يتم رفع جميع العقوبات، بما يعني فعلياً تشديد الخناق الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة مرةً أخرى. وكل ذلك، يترافق مع انخفاض فوري في قيمة اليورو إلى أدنى مستوى له في 20 عاماً. ونتيجةً لذلك، أعلن قادة النقابات في جمهورية التشيك أنهم سوف يتظاهرون في ساحة فاتسلاف، يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، للأسباب نفسها التي اجتذبت حشد يوم السبت.

في الحقيقة، إنّ الحل الوحيد في هذه المرحلة يتمحور في قيام مفاوضات معقولة مع روسيا، والتي يمكن أن تيسرها الدول الغربية التي ترفض دعم أوكرانيا لفترة أطول من خلال المساعدات العسكرية. 

لا شك أنّ "المثاليين الليبراليين" سوف يستنكرون التفكير في الاستسلام للرئيس بوتين، لكنّ الواقع والحقائق سوف تفرض نفسها في مرحلة ما.

وفي السياق، أجرت وزارة المالية التشيكية تحليلاً افتراضياً لمعرفة كيف سيؤثر انفصال الغاز الروسي على البلاد، ولم تكن النتائج مفاجئة إلى هذا الحد. وفقاً لهذا التوقع، سيبدأ الضرر الجسيم في الشتاء المقبل عندما يمكن أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً يصل إلى 2.9% ثم 1.6% في العام 2024. وهذا من شأنه أن يصنف على أنه ركود، كناتج "إقحامي" من جراء السياسات الخارجية الغربية، التي تقود إلى البطالة والعوز.

بالنظر إلى ما حدث بالفعل في براغ، فإنّ فرص التشيك في تجاوز هذه العاصفة التي يمكن تجنبها من أجل "النظام الدولي القائم على القواعد" أو الأحلام الخيالية للمثاليين الليبراليين معدومة في الأساس. والتنظيم من أجل المصلحة الذاتية الأساسية للفرد لا يجعل المرء خائناً لأمته أو عميلاً في الكرملين، إنّه ببساطة يجعل المرء إنساناً.

إنّ حياة الناس معرضة للخطر في نهاية المطاف من خلال إطالة أمد الصراع في أوكرانيا بشكل مصطنع، ومن الأفضل أن تتذكر الحكومة التشيكية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ذلك.