"لوفيغارو": في أرمينيا.. تخوف من حرب في جيرموك بعد خسارة كاراباخ

لدى السكان في جيرموك تخوف واحد فقط: أن يكون النصر الخاطف الذي حققته القوات الأذربيجانية في ناغورنو كاراباخ مجرد مقدمة لهجوم جديد قد يُشنُّ على مدينتهم.

  • "لوفيغارو": في أرمينيا.. تخوف من حرب في جيرموك بعد خسارة ناغورنو كاراباخ

تحت عنوان "في أرمينيا.. تخوف من حرب جديدة في جيرموك بعد خسارة ناغورنو كاراباخ العليا"، كتب باتريك سان بول، في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية مقالاً يتناول فيه خسارة أرمينيا لإقليم ناغورو كاراباخ، بعد الهجوم الأذربيجاني قبل أيام، وكيف أن الأرمينيين في المناطق الحدودية يخشون تمدد أذربيجان لدخول أراضي إقليم جيرموك الأرميني:

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

من على أحد الجسور، يشير أرمين تاديفاسيان بإصبعه إلى جبل بعيد بلون الرمال. فالحدود التي تفصل أرمينيا عن أذربيجان تمتد عبر سلسلة من الجبال على بعد 12.5 كيلومتراً من مدينة جيرموك المعروفة بينابيعها الحرارية. ويقول أرمين وهو مدير منتجع التزلج الصغير في البلدة: "انظر إلى الأسفل" ثم يتوقف ليأخذ نفساً طويلاً من سيجارته. ويتابع: "هل ترى هذا التل أمامنا؟ الجنود الأذربيجانيون هناك على بعد 4 كم. ومن هناك يمكنهم رؤية كل شيء، ومراقبة كل تحركاتنا". وكان الجيش الأرميني أقام مواقعه على التل المقابل على بعد 200 متر من قوات باكو. وفي ليلة 12 إلى 13 أيلول/سبتمبر 2022، واجهت أرمينيا اشتباكات واسعة النطاق على أراضيها على الحدود مع أذربيجان.

وفي جيرموك، توغلت القوات الأذربيجانية 7 كيلومترات داخل أرمينيا حيث أقامت مواقع عسكرية جديدة. ويبدو أن لدى السكان تخوف واحد فقط: أن يكون النصر الخاطف الذي حققته القوات الأذربيجانية في ناغورنو كاراباخ مجرد مقدمة لهجوم جديد قد يُشنُّ على مدينتهم.

ويحاول فاردان سركسيان، نائب عمدة جيرموك تذكر الأحداث الماضية فيقول: "كانت الصدمة هائلة في أيلول/سبتمبر 2022". فقد ضرب الأذربيجانيون بالطائرات المسيرة والمدفعية والصواريخ وقذائف الهاون. وبعد ثلاث أو أربع ساعات من القصف تقدموا بالمشاة. مدينتنا معروفة بينابيعها الحرارية، هي مدينة هادئة وتعيش على السياحة. كانت تلك المرة الأولى التي تصل فيها الحرب إلى جيرموك. أرعب ذلك السكان وضيوف المنتجع الصحي ونزل الجميع إلى الملاجئ".

وأدى النزاع إلى مقتل أكثر من 200 شخص من الجانب الأرميني. ووفقاً ليريفان، تحتل أذربيجان اليوم 150 كيلومتراً مربعاً من الأراضي وهي تبرر عدوانها بوجود حدود غير واضحة موروثة من الحقبة السوفياتية. وفي جيرموك، سيطر الأذربيجانيون على الينابيع الساخنة الشهيرة التي تحمل اسم المدينة.

"العالم التركي"

يبدو أن فاردان سركسيان متأكد مما ستؤول إليه الأمور. بمجرد أن تنتهي أذربيجان من الاستيلاء على ناغورنو كاراباخ، ستقوم بمهاجمة أرمينيا في جيرموك. ويقول نائب العمدة وهو يشير إلى مدينته على الخريطة "إن عدم وجود رد فعل بعد عدوانهم على آرتساخ (الاسم الأرمني لناغورنو كاراباخ) سيشجعهم على الاستمرار. نحن هناعلى بعد 26 كيلومتراً فقط من جيب ناخيتشيفان الأذربيجاني. هذه هي النقطة الأقرب. باكو تطالب بكل جنوب أرمينيا. إنه هدف جيوسياسي. إذا أرادت أن تقيم ممرها زنغزور فهدفها سيكون منطقة سيونيك بأكملها. فهي بوابة آرتساخ، كما أنها تقع على الحدود مع إيران.

تريد باكو فتح ممر "زنغزور"، تحت السيادة الأذربيجانية، والذي من شأنه أن يربط البلاد بجيب ناختشيفان ويمتد إلى تركيا، الدولة الشقيقة. وبذلك سيحقق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي يدعم حليفه الأذربيجاني في هذا المشروع، والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف حلماً مشتركاً: إنشاء منطقة بين تركيا وأذربيجان وآسيا الوسطى، تشير إليها أنقرة وباكو باسم "العالم التركي".

وتعهد إلهام علييف بالسيطرة على ممر زنغزور "شاءت أرمينيا أم أبت"، في إشارة إلى حرب جديدة. من جانبه، يعتبر رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، مثل هذا الممر سخيفاً، ويقول إنه مستعد للسماح للأذربيجانيين بالمرور بشرط أن يسلكوا طريقاً تحت السيادة الأرمينية وهو ما لن تقبله باكو. وحذرت إيران، التي عززت وجودها على الحدود، من أنها ستخوض حرباً إلى جانب أرمينيا إذا سيطرت أذربيجان على زنغزور. ومن شأن المشروع أيضاً أن يحرم أرمينيا من حدودها مع إيران. وستسيطر باكو وأنقرة على طرق التجارة الحيوية ويمكنهما عزل إيران عن أوروبا في أي وقت. 

ومع ذلك، فإن أرمين مقتنع بأنه في الهجوم المقبل، ستكون أرمينيا قادرة على صد الهجوم الأذربيجاني. ويؤكد: "إنها ليست آرتساخ". جيشنا لديه الموارد هنا. لن يسمح لهم بالمرور. كذلك، سيقاتل إلى جانبه جميع المدنيين، كبيرهم وصغيرهم. نحن ندرك أن لديهم أسلحة أثقل، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى العقل. وهذا لا ينقص قادتنا".. الاستعدادات الأرمنية لمواجهة عدوان جديد لا ترى بالعين المجردة. فلم يتم إقامة أي حواجز مادية أو حواجز طرق عسكرية لقطع الطريق أمام قوات باكو. وسألنا أرمين في هذا السياق: هل قام الجيش الأرمني على الأقل بتلغيم الأراضي أمام المواقع الأذربيجانية الجديدة لإبطاء تقدمه؟ لم يعجب هذا السؤال أرمين فقال: "أنت لا تريد منا أن نقوم بتفخيخ أرضنا".

في عام 1990، احتلت أرمينيا ناغورنو كاراباخ بالقوة في نهاية حرب خلفت 30 ألف قتيل. ومنذ ذلك الحين، تحول ميزان القوى بشكل واضح نحو باكو. ويقول أريك كوتشيميام، الخبير في القضايا الأمنية في يريفان في هذا السياق: "بفضل دولارات النفط، حصلت باكو، التي لم تكن مرتبطة بتحالف أمني مع موسكو، على أسلحة حديثة صنعت الفارق من حليفتيها: تركيا وإسرائيل".

منذ الثورة المخملية، التي أوصلت نيكول باشينيان إلى السلطة، توترت العلاقات بين موسكو ويريفان. وينظر فلاديمير بوتين إلى عملية التحول الديمقراطي في أرمينيا وتقاربها مع الغرب نظرة مشككة. ففي معارضته للديمقراطية والأمن، يسعى فلاديمير بوتن جاهداً إلى إثبات أن عمليات التحول الديمقراطي تجلب الفوضى في أرمينيا كما فعلت في أوكرانيا. وفي هذا السياق، يقول ريتشارد غيراغوسيان، مدير مركز الدراسات الإقليمية في يريفان: "مثل حرب 2020، فإن الانتصار الخاطف لأذربيجان في ناغورنو كاراباخ يخلق سابقة خطيرة يبدو أنها تبرر استخدام القوة بدلاً من الدبلوماسية. هذا يؤكد فقط المخاوف من أن أذربيجان سوف تنقلب الآن ضد أرمينيا نفسها. لكن سيكون هناك فارقاً رئيسياً واحداً بالنسبة لأذربيجان مقارنة بانتصارها السابق. من الناحية العسكرية، فإن أي إجراء من جانب أذربيجان في هذه المرحلة لن يشتمل على عنصر المفاجأة، وهو ما كان حاسماً لتحقيق انتصارها العسكري في ناغورنو كاراباخ".

وتعول أرمينيا على دعم المجتمع الدولي وعلى العزلة الدبلوماسية التي قد يسببها عدوان مباشر من قبل باكو على أراضيها لأن من شأن ذلك أن يشكل تصعيداً جديداً خطيراً للغاية. ويحذر ريتشارد غيراغوسيان من أن "الهجوم على ناغورنو كاراباخ أصبح ممكناً بسبب غياب الردع". ولم تواجه أذربيجان سوى القليل من التحديات خلال هذا الهجوم وبقيت تكاليف عدوانها العسكري محدودة للغاية. وتتعزز قوة باكو بتصور نفوذها على الاتحاد الأوروبي منذ إبرام اتفاقية الغاز الاستراتيجي، وبفعالية تحالفها مع تركيا. لذلك ليس هناك من حافز حقيقي قد يدفعها لكبح جماح طموحاتها".

 

نقلها إلى العربية: زينب منعم.