غوردون براون: الاختبار العظيم لشمال الكرة الأرضية
عدد الجرعات المكدسة سيصل إلى مليار بحلول كانون الأول/ديسمبر من هذا العام. ولوضع هذا الرقم المذهل في منظوره الصحيح، فإنّه يكفي أن نحقق هدفنا في نهاية العام المتمثل في تطعيم 40% من سكان أفريقيا.
كتب رئيس الوزراء السابق للمملكة المتحدة ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرص التعليم العالمية، غوردون براون، مقالةً حول أزمة لقاحات فيروس كورونا التي تعاني منها دول الجنوب على وجهٍ خاص، هذا نصها الكامل...
مع استمرار دعوة البلدان منخفضة الدخل في أفريقيا وأماكن أخرى إلى الدول الغنية لوقف تخزين الملايين من لقاحات كوفيد-19 غير المستخدمة، لا تزال هناك شكوك جدية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا ستفي بالوعد الذي قطعته هذا العام بتوزيع اللقاح على كل دول العالم بنهاية عام 2022.
صرّحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ الشمال العالمي يمكنه تقديم جرعات كافية للجميع بحلول شهر أيلول/سبتمبر من العام المقبل، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن مع ذلك الهوة بين الأغنياء والفقراء باللقاحات نمت بشكل كبير، فأقل من 2% من البالغين في البلدان المنخفضة الدخل يتلقون التطعيم، مقارنةً بأكثر من 50% من البالغين في معظم البلدان ذات الدخل المرتفع. والأسوأ من ذلك، أنّ ملايين الجرعات في البلدان ذات الدخل المرتفع تُهدر الآن لأنها لم تستخدم في الوقت المناسب.
في أشهر سابقة من هذا العام، تمكنت الحكومات الغربية من تبرير نفسها من خلال القول إنّ لا إمدادات كافية من اللقاحات لتلبية الطلب العالمي (لكننا ننتج الآن 1.5 مليار لقاح كل شهر). وهناك حوالي 300 مليون جرعة من اللقاحات غير مستخدمة أو مخزنة في المستودعات التي احتكرتها الدول الغربية. ونتيجة ذلك، فإنّ هدف منظمة الصحة العالمية في أيلول/سبتمبر 2021 المتمثل في تلقيح ما لا يقل عن 10% من السكان في كل بلد منخفض الدخل - المستوى الأساسي اللازم لتغطية العاملين الصحيين وكبار السن - لا يزال بعيداً عن التحقق.
ووفقاً لدراسة رئيسية أجرتها شركة الأبحاث "ايرفينيتي"، فإنّ عدد الجرعات المكدسة سيصل إلى مليار بحلول كانون الأول/ديسمبر من هذا العام. ولوضع هذا الرقم المذهل في منظوره الصحيح، فإنّه يكفي أن نحقق هدفنا في نهاية العام المتمثل في تطعيم 40% من سكان أفريقيا.
ومما يزيد الطين بلة أنّ "ايرفينيتي" تُظهر أنه إذا لم نتصرف، فستكون هناك 100 مليون جرعة منتهية صلاحية الاستخدام بحلول نهاية هذا العام. وإذا لم نتمكن من نقل الفائض إلى المحتاجين وفقاً لجدول زمني يحافظ على صلاحية شهرين، فقد يرتفع هذا الرقم إلى 241 مليوناً. وفي الحالتين، الهدر إجرامي.
وليس من قبيل المبالغة القول إنّه ما لم يتم توفير المزيد من اللقاحات والتشخيصات والعلاجات لجنوب الكرة الأرضية، فقد يكون هناك ما لا يقل عن مليون حالة وفاة أخرى ناجمة عن كورونا خلال العام المقبل.
نحن نعلم أنّه تم إنقاذ أكثر من 100 ألف شخص في بريطانيا من خلال إعطاء أقل من 100 مليون جرعة لقاح. بالتالي، فإن السماح بإهدار 200 مليون جرعة أو أكثر هو بمثابة حكم على مئات الآلاف من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل بالمعاناة أو الموت غير الضروريين.
إذا لم يقدّم الغرب الإمدادات اللازمة من اللقاحات للبلدان المنخفضة الدخل ستفقد هذه ثقتها به. إنّ الفشل في تحويل ملايين الجرعات الفائضة إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها سيكون بمثابة إخفاق بشع لأبسط اختبار للتضامن الانساني، وبالتالي، بالنسبة لزعماء العالم الذين اجتمعوا في الأمم المتحدة هذا الشهر، فإن المخاطر لا يمكن أن تكون أكبر. نحن في لحظة حاسمة للتخفيف من عدم المساواة الوحشي الذي لا يغتفر في اللقاحات، والذي ساد حتى الآن.
تشير البيانات التي جمعتها "ايرفينيتي" إلى أنّه يمكن نقل 200 مليون جرعة على الفور إلى مراكز "كوفاكس. سيكون هذا كافياً لتحقيق هدف منظمة الصحة العالمية البالغ 10% لكل بلد. إضافةً إلى ذلك، يمكن للدول الغربية إرسال نفس الكمية من الجرعات الإضافية (حوالي 200 مليون إلى "كوفاكس" كل شهر بعد ذلك). سيكون ذلك كافياً لمعالجة العجز في أفريقيا بنحو 500 مليون جرعة، مما يضمن تلقيح حوالي 40% من سكان القارة بحلول نهاية العام، بما يتماشى مع هدف منظمة الصحة العالمية.
لقد رأينا كيف تؤدي قومية اللقاحات إلى عدم المساواة والهدر والكثير من الوفيات التي يمكن تجنبها. هذا النهج ليس فقط يخدم الذات، إنّه هزيمة ذاتية. كلما سُمح للمرض بالانتشار لفترة أطول في البلدان منخفضة الدخل، زادت احتمالية تطوير متغيرات جديدة ستعود لتطارد حتى الملقحين بالكامل.
هذه الحقيقة الأساسية في صميم المناشدات التي أطلقها القادة الأفارقة، ومنظمات غير حكومية وزعماء دول في الجنوب العالمي، تدعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع كارثة أخلاقية رهيبة وملحمية.
في ظل أزمة صحية عالمية ولدت من مرض شديد العدوى، لا يوجد بديل عن العمل الجماعي الدولي عليه. تمثّل قمة اللقاحات هذا الأسبوع أفضل فرصة للعالم الغني لإثبات أنه يعني ما يقول.
نقله إلى العربية: حسين قطايا