"ذي إيكونوميست": أين تنفق دول الخليج مئات مليارات الدولارات؟
تم استخدام الأموال الخليجية بثلاث طرق جديدة وهي لتسديد الديون الخارجية وإقراض الأصدقاء والحصول على الأصول الأجنبية.
نشرت صحيفة "ذي إيكونوميست" الاقتصادية البريطانية تحقيقاً عن ثروات دول الخليج العربية وكيف أنها تقوم بتخزين عائدات النفط والغاز في صناديق سيادية وتقوم باستثمارها في الداخل والخارج.
وقال التقرير إنه يتم إغراء الموظفين في صناديق الاستثمار الممتازة بوظائف معفاة من الضرائب وتأشيرات ذهبية وآفاق رائعة لعملاء الشركات: إنها صناديق الثروة السيادية في الخليج.
وأضاف أنه خلال عقد من الزمان في الدوحة كانت عمليات البيع صعبة، لكن الأدوار أصبحت الآن مثيرة بما يكفي لدرجة أن العديد من المجندين المحتملين يتطوعون في "رحلات عمل" متجهة إلى الصحراء لرؤية المقرات الرئيسية. في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، اصطاد مسؤولو التوظيف الرجل الثاني في شركة أموندي، أكبر مدير مالي في أوروبا، لنشر الذكاء الاصطناعي في هيئة أبوظبي للاستثمار، التي تشرف على أصول تبلغ قيمتها 1 تريليون دولار. وهم الآن يطاردون الآخرين للاستثمار في البنية التحتية لهيئة الاستثمار القطرية والإشراف على تمويل صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية. هذان الصندوقان معاً يديران 1 تريليون دولار أخرى.
أدت الحرب والعقوبات إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما يعني أن مصدري الوقود يغرقون في المال. خلال فترات الازدهار السابقة، كانوا يعيدون تدوير العائدات في أسواق رأس المال الغربية، ويقتنصون الأصول ذات السيولة الفائقة عبر البنوك الموجودة في الخارج. كان الاتفاق غير معلن: ستقدم أميركا المساعدة العسكرية وتشتري النفط من المملكة العربية السعودية والأصدقاء، في مقابل ذلك سوف يسدّون العجز الهائل في الحساب الجاري للعم سام بدولارات النفط.
وتابع التحقيق: يشير فريق البحث عن المواهب إلى أن هذا الاتفاق ينهار. العم سام، وهو الآن مصدر رئيسي للنفط، هو شريك أقل يقظة. لم تعد دول الخليج (العربية)، التي جذبتها آسيا وهي حريصة على إصلاح العلاقات مع "إسرائيل"، وأخيراً مع إيران، تشعر بأنها مضطرة إلى التودد إلى البيت الأبيض. في الثاني من نيسان / أبريل الماضي، أغضبت السعودية وحلفاؤها أميركا من خلال تعميق تخفيضات إنتاج النفط الخام إلى ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل 4٪ من الإنتاج العالمي، مما ساعد على رفع الأسعار. كما أنهم يشعرون بحرية أكبر في استخدام جبالهم (مدخراتهم) النقدية كما يحلو لهم.
وقالت الصحيفة: نقدر أنه في 2022-2023 قد يصل فائض الحساب الجاري لدول الخليج النفطية إلى ثلثي تريليون دولار. ومع ذلك، خارج البنوك المركزية، التي لم تعد تجمع الكثير من الأموال، فإن الكنوز الدفينة في المنطقة معروفة بغموضها. لتحديد أين تتجه الأموال بالضبط، قامت "ذي إيكونوميست" بفحص الحسابات الحكومية وأسواق الأصول العالمية وغرف الصفقات للشركات المكلفة باستثمار المكاسب غير المتوقعة. يشير تحقيقها إلى أن القليل من الأموال (الخليجية) يعود إلى الغرب. وبدلاً من ذلك، يتم استخدام حصة متزايدة لتعزيز الأهداف السياسية في الداخل وكسب النفوذ في الخارج، مما يجعل التمويل العالمي نظاماً أكثر ضبابية.
وأوضحت الصحيفة أن الخليج ليس وحده في التمتع بمكاسب غير متوقعة. ففي العام الماضي، حققت النرويج، التي رفعت صادرات الغاز إلى أوروبا مع خفض روسيا لإمداداتها، رقماً قياسياً بلغ 161 مليار دولار في الضرائب من مبيعات النفط، بزيادة 150٪ عن عام 2021. حتى روسيا، في ظل العقوبات المفروضة عليها، شهدت زيادة في الإيرادات بنسبة 19٪، لتصل إلى 210 مليار دولار. لكن دول الخليج هي التي تستفيد من انخفاض تكاليف الإنتاج، والقدرة الفائضة، والجغرافيا الملائمة، التي تحقق الفوز بالجائزة الكبرى.
تعتقد شركة "ريستاد إنرجي" Rystad Energy، وهي شركة استشارية، أن دول الخليج العربية قد حصلت على 600 مليار دولار كضرائب من صادرات الهيدروكربون في عام 2022.
ليس كل دول الخليج في وضع يمكنها من الاستفادة حقاً. فحكومتا البحرين والعراق منتفختان للغاية لدرجة أنه حتى مع تدفق الإيرادات المرتفعة، فإنها بالكاد تتعادل. وبدلاً من ذلك، يتم جمع معظم المكافآت من قبل أكبر أربعة أعضاء في مجلس التعاون الخليجي: الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
يقدر أليكس إيترا من شركة Exante، وهي شركة بيانات، أن فائض الحساب الجاري المجمع لهذه الدول الأربع في عام 2022 بلغ 350 مليار دولار. تراجعت أسعار النفط منذ العام الماضي، عندما بلغ متوسط خام برنت، المعيار العالمي، 100 دولار للبرميل. ومع ذلك، بافتراض بقائه بالقرب من 85 دولاراً، وهو رهان متحفظ، يعتقد إيترا أن الدول العملاقة الأربع ما زالت قادرة على جني فائض 300 مليار دولار في عام 2023. وهذا يحقق 650 مليار دولار تراكمياً على مدى العامين.
في الماضي كان من الممكن أن يذهب معظم هذا المال مباشرة إلى احتياطيات النقد الأجنبي للبنوك المركزية. تربط معظم دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها بالدولار، لذلك يتعين عليها وضع العملة الصعبة جانباً أو استثمارها أثناء فترات الازدهار. لكن هذه المرة، يبدو أن احتياطيات البنك المركزي لا تكاد تنمو. كانت تدخلاتها في أسواق العملات الأجنبية نادرة أيضاً، مما يؤكد أن الأوصياء المعتادين على ثروات الدولة لا يحصلون على الفائض.
أين ذهبت المليارات المراوغة؟
وتساءل التحقيق: أين ذهبت المليارات المراوغة؟ وقالت الصحيفة إن بحثها قد توصل إلى أنه تم استخدام هذه الأموال بثلاث طرق جديدة من قبل مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة التي تشمل الحكومات الوطنية والبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية. وهي لتسديد الديون الخارجية وإقراض الأصدقاء والحصول على الأصول الأجنبية.
الديون: بين عامي 2014 و2016 تسببت وفرة النفط التي غذّتها طفرة الزيت الصخري في أميركا في انخفاض سعر النفط من 120 دولاراً للبرميل إلى 30 دولاراً، وهو أكبر انخفاض في التاريخ الحديث. في عام 2020، مع انخفاض الطلب بسبب عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، تراجعت الأسعار مرة أخرى إلى 18 دولاراً في نيسان / أبريل.
ولمقاومة صدمة الأرباح، قامت دول الخليج العربية بتصفية بعض الأصول الأجنبية. كما باعت بنوكها المركزية جزءاً من مخزونها من العملات الأجنبية. لكن هذا لم يكن كافياً، لذلك اقترضت أيضاً الكثير من العملات الصعبة من أسواق رأس المال الغربية.
الآن، تستفيد بعض الدول النفطية من ارتفاع الأسعار لدعم ميزانياتها العمومية. سددت أبو ظبي، أغنى إمارة في الإمارات العربية المتحدة، 3 مليارات دولار منذ نهاية عام 2021، حوالى 7٪ من إجمالي المبلغ المستحق، وفقاً لألكسندر بيرجيسي من وكالة موديز للتصنيف. وتقلص حمولة قطر بمقدار 4 مليارات دولار، أو حوالي 4٪. لقد انخفض حجم المديونية في الكويت إلى النصف منذ عام 2020.
ويعد هذا التخفيض الواسع للديون ظاهرة جديدة: كان لدى دول مجلس التعاون الخليجي ديون قليلة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما بدأت الطفرة النفطية السابقة.
مساعدة الأصدقاء المحتاجين
كما تقوم دول الخليج بمد يد المساعدة لأصدقائها المحتاجين - وهو الاستخدام الثاني لأموال النفط الجديدة. في أوائل عام 2022، تلقى البنك المركزي المصري، وهو مستورد كبير للغذاء تقلص بسبب ارتفاع أسعار الحبوب، ودائع بقيمة 13 مليار دولار من قطر والسعودية والإمارات. في السنوات الأخيرة، سمحت السعودية أيضًا لباكستان بتأجيل دفع مليارات الدولارات في مشتريات النفط. هذه الأموال مشروطة أكثر مما كانت عليه في الماضي. وحرصاً منها على عودة بعض أموالها على الأقل، طالبت السعودية أخيراً مصر وباكستان بتنفيذ إصلاحات اقتصادية قبل منحهما المزيد من المساعدة. يأتي بعض الدعم الخليجي أيضاً في مقابل حصص في المجوهرات المملوكة للدولة التي تطرحها هذه الدول المحاصرة للبيع.
والجديد الحقيقي في هذا الصدد هو تركيا. عند الضغط عليها، اعتادت أنقرة أن تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، أو البنوك الأوروبية، لضخ النقود في حالات الطوارئ. في الآونة الأخيرة، حيث دفع التضخم والزلازل البلاد إلى حافة الهاوية، كانت دول الخليج العربية هي التي تمسك بالحقنة. يأخذ الدعم أشكالاً مختلفة. في السادس من آذار / مارس الماضي، قالت السعودية إنها ستودع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي. كما أقامت قطر والإمارات مقايضة عملات بقيمة 19 مليار دولار مع المصرف المركزي التركي، وفقاً لتقدير براد سيتسر من مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة بحثية. وقد تعهدت الدول الثلاث بالمشاركة في مزادات تركيا القادمة للسندات الحكومية.
وأشار التحقيق إلى أن قطر حليف طويل الأمد لتركيا. أما السعودية والإمارات، اللتان كانت لهما علاقة فاترة مع تركيا حتى وقت قريب، تتنافسان الآن على النفوذ. الكل يشعر بأنها فرصة لكسب النفوذ على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يواجه انتخابات صعبة في أيار / مايو المقبل.
تشكل الحالة التركية سابقة. يتوقع دوجلاس ريديكر، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي، أنه مع مواجهة المزيد من الجيران لأزمة، سيصبح الائتمان الثنائي أساسياً لفن الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع ذلك، على الرغم من أهميتها الجيوسياسية، فإن مثل هذه القروض لا تمثل سوى جزء بسيط من الجائزة الكبرى للنفط. هذا يترك قناة الهروب الرئيسية: الاستثمارات الأجنبية. ففي فترات الازدهار الماضية، قام البنكان المركزيان لأكبر دولتين نفطيتين في العالم - روسيا والمملكة العربية السعودية - بالكثير من إعادة التدوير، مما يعني أن الأصول التي اشترتاها تم تصنيفها على أنها احتياطيات. كل هذه الدول أرادت عوائد مستقرة وقليل من المفاجآت. غالباً ما كانت توقف الأموال النقدية في البنوك الغربية أو تشتري سندات حكومية فائقة الأمان. الكثير منها، جنباً إلى جنب مع الصين، يُنسب إلى شهية الخليج للمساعدة في خلق الظروف النقدية الفضفاضة التي غذّت فقاعة الرهن العقاري في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقط قطر، فعلت شيئاً أكثر جرأة وهو شراء نادٍ لكرة القدم هنا، وناطحة سحاب ساحرة هناك.
تابع التحقيق: لقد تم تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي اليوم. ومنذ عام 2015، عندما أصبح محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية، تلقى البنك المركزي السعودي أموالاً أقل بكثير من تلك التي يتلقاها صندوق الاستثمار العام السعودي. في غضون بضع سنوات فقط، تضخم حجم صندوق الاستثمار العام السعودي وأقرانه في جميع أنحاء المنطقة. نظراً لأن الهيدروكربونات تظل باهظة الثمن، ويتدفق المزيد من المكافآت إليها، فقد تنمو أكبر بكثير. كل شيء يشير إلى أن طريقة هذه الدول النفطية في إعادة تدوير الثروات مختلفة كلياً. إنها أكثر ميلاً إلى المغامرة والسياسة، وأقل توجهاً مركزاً على الغرب.
وخلص التحقيق إلى القول إن معرفة ما ستفعله صناديق الثروة السيادية الخليجية أصعب بكثير من معرفة ما سيفعله عليه، على سبيل المثال، الصندوق النرويجي. لا تقوم المؤسسات الخليجية بتحديث استراتيجيتها وحجمها ومقتنياتها مباشرة على مواقعها على شبكة الإنترنت، كما هو الحال في أوسلو. لكن هناك أدلة. إذ تشير البيانات الواردة من بنك التسويات الدولية، وهو نادٍ للبنوك المركزية، إلى أن معظم الأموال النقدية الخليجية كانت في البداية مخزنة في حسابات بنكية أجنبية. في الحالة السعودية، بلغت قيمة هذه الودائع 81 مليار دولار في العام المنتهي في أيلول / سبتمبر 2022، أي ما يعادل 54٪ من فائض الحساب الجاري خلال هذه الفترة، بحسب شركة الاستشارات "كابيتال إيكونوميكس".
الاستثمارات الخليجية في السندات والأسهم الأميركية
وأضافت الصحيفة أنه ربما كانت صناديق الثروة السيادية الخليجية تنتظر ارتفاع أسعار الفائدة إلى الذروة قبل أن تتراكم استثماراتها في السندات. ومن المرجح أنها تبحث عن أصول أقل تقليدية، والتي تستغرق وقتاً لتحديدها. تشير البيانات من نظام الخزانة الدولية لرأس المال، الذي يتتبع التدفقات إلى الأوراق المالية الأميركية، إلى أن مصدري النفط يشترون عدداً أقل من سندات الخزانة مما كان متوقعاً في السابق. لكنهم كانوا أكثر تعطشاً للأسهم - وهذه الأرقام تقلل من شهيتهم، لأن صناديق الثروة السيادية الخليجية غالباً ما تشتري الأسهم الأميركية من خلال مديري الأصول الأوروبيين. يقول مسؤول تنفيذي في إحدى هذه الشركات إن عملاءه الخليجيين قاموا بتعبئة حسابات الأسهم الأميركية بغزارة في الأشهر الأخيرة.
تستثمر صناديق الثروة السيادية إلى حد كبير في الأسهم عبر صناديق المؤشرات، وهي منخفضة التكلفة وتوفر التنويع. لكنهم أيضاً يحبون الرهانات الأكثر خطورة. تمثل "الأصول البديلة" اليوم - الأسهم الخاصة والممتلكات والبنية التحتية وصناديق التحوط - 23-37٪ من إجمالي الأصول لأكبر ثلاثة صناديق في الخليج، وفقًا لشركة Global swf، وهي شركة بيانات. قفزت هذه الأسهم في نفس الوقت الذي نمت فيه صناديق الحرب.
على الرغم من أن مثل هذه الاستثمارات تتم غالباً من خلال الصناديق، إلا أن الاستثمارات "المباشرة" - صفقات السوق الخاصة، أو الاستحواذ على حصص في الشركات المدرجة - تنمو بسرعة كبيرة، كما يقول ماكس كاستيلي، من بنك يو بي أس. بلغت قيمة صندوق الاستثمار العام السعودي وحده 18 مليار دولار في العام المنتهي في أيلول / سبتمبر 2022، في مقابل 48 مليار دولار لاستثمارات "المحفظة" الكلاسيكية. كما بدأت صناديق الثروة السيادية في تقديم الديون لتمويل عمليات الاستحواذ الكبيرة، بما في ذلك عن طريق مجموعات الشراء الشامل. في الرابع من نيسان / أبريل الجاري، كشف صندوق الاستثمار العام السعودي أنه استحوذ على عشرات الحصص في شركات الأسهم الخاصة نفسها.
استثمارات صناديق الثروة السيادية
يمكن لصناديق الثروة السيادية أن تفعل كل هذا لأن لديها الآن القدرة على إدارة الاستثمارات. يقول مدير أصول أوروبي: "ما لم يكن لدينا شيء غير عادي، فإننا ممنوعون من عرض أي شيء عليهم".
خفض جهاز أبو ظبي للاستثمار قوته العاملة من 1700 إلى 1300 منذ عام 2021، لكن المجندين الجدد يشملون مجموعة من خبراء الرياضيات بقيادة أستاذ جامعي. تشير حملة التوظيف الحالية إلى أن الأموال ستنمو بشكل أكثر استقلالية، وستحتفظ بشركات الاستثمار فقط لخدمات محددة ومعلومات السوق.
منذ العام الماضي، دأبت صناديق الثروة السيادية على إغراق الأسهم الأوروبية لصالح أميركا. لكن السكان المحليين لاحظوا ميلاً أحدث نحو الشرق. أنشأت الصناديق الخليجية فرقاً متخصصة لمسح فرص الاستثمار في الصين والهند وجنوب شرق آسيا. "هذا هو المكان الذي سيبيعون فيه المزيد من النفط، لذا فهم يريدون الاستثمار في الصناعات التي ستستخدم هذا النفط،" كما يقول رئيس امتياز كبير للاستثمار المصرفي. وفي الوقت الذي ينسحب فيه الآخرون من الصين، خائفين من تصاعد التوترات مع أميركا، فإنهم يضاعفون استثماراتها. يقول رئيس شركة عملاقة في الأسواق الخاصة: "يرى عملاؤنا الخليجيون فرصة هائلة لأخذ مساحة من المستثمرين الغربيين".
يشير كل ذلك إلى بند مهم في النهج الجديد لصناديق الثروة السيادية: النهوض بالأهداف الاستراتيجية لدول الخليج. كان أحد هذه الأهداف إظهار القوة الناعمة. ربما يكون صندوق الاستثمار العام السعودي قد خسر جزءاً كبيراً من 45 مليار دولار استثمرها في عام 2016 في شركة "فيزن فاند" Vision Fund، وهي أداة عملاقة للاستثمارات التقنية التي هزّتها الرهانات السيئة وصدمات السوق. لكن الشيك الضخم فعل الكثير لرفع مكانة السعودية بين المستثمرين العالميين، كما يقول أحد الذين افتتحوا أخيراً مكتباً في الرياض. كما تخصص الصناديق رأس المال للتوزيع على الجيران، مما يعزز النفوذ الإقليمي لهذه الدول الخليجية. لقد أنشأ صندوق الاستثمار العام السعودي شركات تابعة له في مصر والعراق والأردن والبحرين وعُمان والسودان لنشر 24 مليار دولار في الدول العربية.
تفتح المكانة الأكبر فرصاً جديدة للاستثمار في الشركات في الصناعات "الإستراتيجية"، بما في ذلك الطاقة المتجددة. في تشرين الأول / أكتوبر، أنفق صندوق الثروة السيادية الإماراتي "مبادلة" 2.5 مليار دولار على شركة ألمانية لتطوير طاقة الرياح البحرية. اشترت شركة qia 10٪ من شركة rwe، وهي شركة ألمانية، لمساعدتها في الحصول على أعمال الطاقة الشمسية في أميركا. غالباً ما يتم إجراء هذه الاستثمارات بهدف إعادة استيراد المعرفة أو رأس المال.
وقالت شركة لوسيد الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية العام الماضي، والتي يمتلك صندوق الاستثمار العام السعودي حوالى 61٪ منها، إنها ستبني أول مصنع خارجي لها في الرياض. يخطط الصندوق لرش 38 مليار دولار على الألعاب لمحاولة توفير الترفيه في المملكة. ليست كل هذه الرهانات جيدة. خسر البنك الوطني السعودي، المملوك لصندوق الاستثمار العام السعودي، 80٪ من استثماراته في بنك كريدي سويس Credit Suisse عندما استحوذ بنك UBS على الشركة، مما قوض طموح المملكة في توجيه مصرفي عالمي. يتم كذلك الاعتماد على بعض صناديق الثروة السيادية للاستثمار في الداخل، وذلك لمساعدة الاقتصادات على خفض اعتمادها على النفط. يمول صندوق الاستثمار العام السعودي على المستوطنات (المدن) السعودية المستقبلية، بما في ذلك مدينة نيوم، وهي مدينة ذكية في الصحراء، والتي يحلم حكام المملكة بأن تكون يوماً ما موطناً لمجمع صناعي عائم ومركز تجاري عالمي ومنتجعات عطلات فاخرة.
أفضل مثال على الاستراتيجية المتطورة لصناديق الثروة السيادية هو أبو ظبي. يقول المطلعون إن جهاز أبو ظبي للاستثمار، أقدم صندوق في الإمارات العربية المتحدة وأكثرها نشاطاً، يحصل على أرباح نفطية أقل مما كان يتمتع به في السابق. وبدلاً من ذلك، سيذهب نصيب الأسد إلى "أبوظبي القابضة" ADQ، وهو صندوق يبلغ عمره أربعة أعوام، أي 157 مليار دولار يستحوذ بها على شركات في مجالات الطاقة والغذاء والنقل والأدوية - وهي صناعات تعتبرها الإمارة أساسية لأمنها. وستذهب الأموال الأخرى إلى صندوق مبادلة، الذي كان لديه أصول بقيمة 15 مليار دولار فقط في عام 2008 ولكنه يشرف الآن على نحو 300 مليار دولار. محفظته تفضل مصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيا. ثلثا استثماراته في أسواق خاصة والربع محلي. يقول صانع الصفقات: "لا يوجد حد لطموحهم".
التمويل المختلط
هذه التحولات تطمس الخط الفاصل بين الثروة الشخصية للعائلات الحاكمة وثروة الملك. تميل الصناديق الأسرع نمواً إلى أن يديرها أفراد العائلة المالكة أو أفراد عشيرتهم. في آذار / مارس الماضي، عُيِّن الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة، رئيساً لجهاز أبو ظبي للاستثمار (وهو يرأس بالفعل مؤسسة أبو ظبي القابضة؛ وسيدير شقيقه شركة مبادلة قريباً). يتم إنفاق المزيد من الأموال على مشاريع أليفة. انضمت "المكاتب العائلية" الجديدة، التي تدير الثروة الخاصة لأصحاب النقود الضخمة، إلى مهرجان الصفقات، مسلحين بصناديق الحرب "المكونة من عشرة أرقام"، يشترون بشكل روتيني حصصاً تتراوح قيمتها بين 500 مليون دولار ومليار دولار في شركات فردية، كما يقول مصرفي محلي. لقد أصبح من الصعب معرفة أين تذهب أموال النفط.
وأوضح التحقيق أن كل هذا خبر سيء بالنسبة للغرب. المشكلة الأصغر هي أن يحصل على القليل من المكافأة. النظام المالي الأكثر ضبابية يجعل من السهل على الأموال التحرك من دون أن يلاحظها أحد. يعتقد المحققون الماليون أن حصة من عائدات النفط الروسية مودعة في بنوك في الخليج، حيث يتم خلطها بالدولار المملوك للآخرين حتى يتعذر تعقبها. كما تخلق الدول البترولية الأكثر ذكاءً من الناحية الجيوسياسية فرصة للبلدان المتذبذبة، مثل تركيا، للحصول على تمويل خارج المؤسسات التي يقودها الغرب، مما يمنحها درجة إضافية من الحرية. قبل عقدين من الزمن، عندما أصبحت صناديق الثروة السيادية عصرية، شعر الكثيرون في الغرب بالقلق من إمكانية استخدامها لمتابعة أجندات سياسية. في ذلك الوقت، تم تضخيم هذه المخاوف. إنهم يرون الآن بصورة أكثر منطقية، لكن القليل منهم ينتبه.