"ذا ناشيونال إنترست": في أيّ اتجاه سيأخذ لولا البرازيل؟

عند تشكيل حكومته، تواصل لولا مع ممثلي مجموعة من الأحزاب خارج قاعدته في حزب العمال اليساري، ليشمل شخصيات ليس فقط من الأحزاب الأخرى التي كانت متحالفة معه في حملته الانتخابية، ولكن أيضاً من تلك التي عارضته.

  • لولا
    الرئيس البرازيلي  لولا دا سيلفا 

نشرت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأميركية، المتخصصة في الشؤون الخارجية والصادرة عن مركز نيكسون، تقريراً مطوّلاً تتطرّق للإنجازات التي قام بها رئيس الجمهورية البرازيلي اليساري الجديد لولا دا سيلفا على مستوى السياسات الداخلية والقضاء والاقتصاد، على الرغم من سعي أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو اليميني لإثارة مشاكل في بداية عهده.

وفيما يلي نصّ المقال منقولاً إلى العربية: 

في الأسابيع التي أعقبت عودته إلى السلطة في البرازيل في 1 كانون الثاني/يناير، أثبت لويس إيناسيو لولا دا سيلفا - المعروف باسم لولا - أنه سياسي ذكي، وذلك على الرغم من فوزه الضيق على جايير بولسونارو، إذ أظهر نجاحاً في تشكيل حكومة والحصول على قيادة ودية نسبياً في الكونغرس، وقد تُوِّجت هذه الفترة الأولية باجتماع حظي بتغطية إعلامية كبيرة مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن.

نوبة فاشلة تمنح لولا مساحة

في أيّ اتجاه سيأخذ لولا البرازيل؟ في هذا الوقت المبكر من ولايته، يستند الحكم على نهجه إلى الأقوال أكثر من الأفعال، ولكنّ دلائل أشارت إلى أنه لن يخشى اللعب السياسي المتشدد.

وكما يفعل السياسيون في كثير من الأحيان، أكّد في البداية أنه يريد توحيد البلاد بعد حملة انتخابية صاخبة خاضها ضد بولسونارو وضد النظام الانتخابي والمحاكم في البرازيل، التي أصر أكثر من مرة على أنها تتآمر لسرقة الانتخابات منه.

ولكن في أعقاب محاولة 8 كانون الثاني/يناير من قبل حشد من أنصار بولسونارو لاحتلال الكونغرس والقصر الرئاسي والمحكمة العليا، استخدم لولا خطاباً صارماً، وأصرّ على أن هذه كانت محاولة انقلاب فاشلة. والأكثر فظاعة أنّ كبار المسؤولين العسكريين استخدموا سلطاتهم لمنع الشرطة من اعتقال المتظاهرين الذين خيّموا أمام مقرّ الجيش، وبدلاً من ذلك تركوا العديد منهم يفرون ببساطة.

ونتيجة لذلك، أقال لولا القائد العام للجيش، واستبدله بجنرال آخر كان قد استهزء في وقت سابق بمزاعم بولسونارو عن تزوير الانتخابات.

كما أزال العدد الكبير من الجنود الذين كانوا يخدمون في الأمن الرئاسي، قائلاً إنه "فقد الثقة" بهم بعد الأحداث الأخيرة. وفي الوقت نفسه، بدأ المدعون العامون في التعامل مع قضايا أكثر من 1000 شخص اعتقلوا خلال الأحداث في برازيليا، فيما أكّد عضو سابق في مجلس الشيوخ مؤيّد لبولسونارو أنه "في الفترة الفاصلة بين انتخاب لولا وتنصيبه، وافق الرئيس السابق ضمنياً على الأقل على جهد مقترح لاختلاق ذريعة لاعتقال قاضي المحكمة العليا المسؤول عن الانتخابات وإلغاء نتائج التصويت".

كلّ هذا ترك لولا في موقف أقوى في بداية إدارته، إذ يبدو أن بولسونارو غير متأكد مما إذا كان سيعود إلى البرازيل، حيث قد يواجه خطراً قانونياً، وعلى الرغم من أنّ اليمين السياسي في البرازيل لديه قاعدة جماهيرية وشبكة وسائل تواصل اجتماعي خاصة به، إلّا أنّه في الوقت الحالي يتخذ موقفاً دفاعياً، مما يمنح لولا بعض المساحة الإضافية للتنفس.

وعند تشكيل حكومته، تواصل لولا مع ممثلي مجموعة من الأحزاب خارج قاعدته في حزب العمال اليساري، ليشمل شخصيات ليس فقط من الأحزاب الأخرى التي كانت متحالفة معه في حملته الانتخابية، ولكن أيضاً من تلك التي عارضته.

وكان قد اختار في وقت سابق نائبه جيرالدو ألكمين، الحاكم السابق لولاية ساو باولو المكتظة بالسكان، والمرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي الوسطي. وتمّ اختياره بوضوح كبادرة للناخبين القلقين بشأن التوجه اليساري لحزب العمال. وقد لعب ألكمين دوراً رائداً في المرحلة الانتقالية خلال ولاية لولا السابقة، وتمّ تعيينه لاحقاً وزيراً للتنمية والصناعة والتجارة الخارجية، بالإضافة إلى توليه منصب نائب الرئيس.

ومع ذلك، فإنّ المنصب الحاسم لوزير المالية ذهب إلى فرناندو حداد، رئيس بلدية ساو باولو السابق وحزب العمال ذي الوزن الثقيل، ممّا أدّى إلى إعادة مركز الثقل في صنع السياسات الاقتصادية إلى اليسار، كما ذهب منصب وزير التخطيط والميزانية إلى سيمون تيبت من الحركة الديمقراطية البرازيلية الوسطية. 

وتمّ تكليف وزارة الخارجية بالدبلوماسي المخضرم ماورو فييرا، ويشمل سجله العمل كسفير لدى الولايات المتحدة، مما قد يساعد في الحفاظ على العلاقات مع واشنطن على المسار الصحيح. ومع ذلك، لا يزال وزير الخارجية والدفاع السابق، سيلسو أموريم، مستشاراً مقرباً من لولا. ومن المرجح أن تؤثر وجهة نظره الموجهة نحو العالم الثالث بشكل كبير على نهج إدارة لولا في التعامل مع الشؤون الدولية.

وينتمي وزير دفاع لولا، خوسيه موسيو، إلى حزب صغير متحالف حالياً مع لولا، وقد خدم في حكومة لولا من قبل. وقد اكتسب منصبه أهمية إضافية في الوقت الذي يتصارع فيه لولا مع العلاقات المدنية العسكرية بعد أحداث 8 كانون الثاني/يناير. خلاف ذلك، لا يبدو أن مجلس الوزراء لديه العديد من النجوم، على الرغم من أنه من الجدير بالذكر أن مارينا سيلفا، الناشطة البيئية التي تحولت إلى وزيرة للبيئة في إدارة لولا السابقة، عادت إلى منصبها القديم.

ويبدو أن نهج لولا في تشكيل الحكومة بهدف بناء ائتلاف قد خدمه بشكل جيد في علاقاته مع الكونغرس، على الرغم من الأداء القوي للقوى الموالية لبولسونارو في كلا المجلسين في يوم الانتخابات. وحصل عضو في الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي الوسطي على رئاسة مجلس الشيوخ، بدعم من حزب العمال الذي يتزعمه لولا، كما نجحت في دعم شخصية معارضة محافظة لإعادة انتخابها لرئاسة مجلس النواب.

"انعطافة يسارية" للاقتصاد

ومع تعيين الموظفين الأساسيين في إدراته، بدأت سياسات لولا بالظهور. فعلى الجانب الاقتصادي، دفعت تصرفاته وتصريحاته الأخيرة البعض إلى الاعتقاد بأن إيماءاته المعتدلة خلال الحملة كانت بمثابة "طعم وتبديل"، حيث صعّد من خطابه ضدّ الأغنياء الذين "لا يعملون".

وحتى قبل توليه منصبه، حصل لولا على دعم الكونغرس لتعليق تعديل دستوري أقر في عام 2016 ووضع سقفاً شاملاً لزيادة الإنفاق بسبب لمدة عشرين عاماً. وسيسمح له ذلك بالحفاظ على البرامج الاجتماعية.

وقد استخف لولا علناً بالسياسات التي تفضّل الانضباط المالي على احتياجات الفقراء، كما انخرط في حملة صاخبة ضدّ البنك المركزي المستقل لإبقائه أسعار الفائدة مرتفعةً للغاية، واصفاً إياها بأنها "محرجة"، واقترح استبدال رئيس البنك عندما تنتهي فترة ولايته. وردّد وزير المالية حداد ما قاله لولا، وإن كان بعبارات أكثر اعتدالاً إلى حدّ ما، وحثّ البنك على أن يكون أكثر "سخاءً" من أجل تحفيز الاقتصاد، مع التعهد بإنشاء "مرساة مالية" أكثر واقعية من سقف الإنفاق.

كما أصبح بنك التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطني الضخم، المملوك للدولة في البرازيل، يمثّل مشكلة. ففي إدارته السابقة، كان البنك، الذي كان يغرق بالأموال التي تدفقت إلى خزائن الدولة من طفرة السلع الأساسية العالمية، لاعباً قوياً على المسرح الدولي، وخاصة أميركا اللاتينية، لتمويل مشاريع البنية التحتية التي تقوم بها شركات البناء البرازيلية الكبيرة. وكان هذا جهداً لدعم "الأبطال الوطنيين" وكذلك طموحات البرازيل للقيادة العالمية، وخاصة الإقليمية.

وخلال الحملة الرئاسية، اقترح أن يركّز البنك على دعم المشاريع المحلية، ولا سيما الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم، بدلاً من المغامرة في الميدان.

وانتقد لولا خصخصة بولسونارو الجزئية لمصنع الطاقة الحكومي الضخم ومحطة الكهرباء Eletrobras، باعتبارها "سخيةً للغاية" بالنسبة للمستثمرين، (لصوصية تقريباً)، وقال إنّه "ستتمّ مراجعة هذا البيع، على الرغم من أن التراجع عنه قد يكون صعباً من الناحية القانونية.

وقد استبعد بشكل قاطع فكرة كان بولسونارو قد طرحها بشأن خصخصة مماثلة لمنتِج النفط الحكومي.

ومع ذلك، هناك من يشير إلى أن كلام لولا قد يكون أسوء من فعله، فيما يتعلق بالاقتصاد، فأثناء رئاسته السابقة، أظهر ضبط النفس المالي، على الأقل خلال فترة ولايته الأولى، قبل أن تبدأ الأموال من طفرة السلع الأساسية العالمية في التدفق.

وقد يكون الأمر كذلك أنه يقوم بإعداد الأثرياء والبنك المركزي لتحمل بعض اللوم عندما يكون غير قادر على الوفاء بجميع وعوده للبرازيليين ذوي الدخل المنخفض.

السياسة الخارجية

تنعكس موضوعات إدارة لولا السابقة أيضاً في سياسته الخارجية. في أول رحلة دولية له منذ توليه منصبه، ذهب إلى بوينس آيرس لحضور اجتماع لمجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي - وهي مجموعة من دول نصف الكرة الغربي التي، على عكس منظمة الدول الأميركية، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، تستبعد الولايات المتحدة وكندا، بينما تضم كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا.

وفي حين أثار بعض الزعماء اللاتينيين، ولا سيما غابرييل بوريك في تشيلي ولويس لاكال في أوروجواي، قضايا الديمقراطية، اعترض لولا، المخلص لنهجه القديم، وحثّ فقط في حالة فنزويلا على حلّ هذه القضايا من خلال "الحوار"، بينما قال إنّ الزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو يستحقّ "المودة".

كما استغلّ زيارته للأرجنتين للتعامل مع القضايا الشائكة المتعلقة بالسوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور)، حيث تمّ التوصل في وقت سابق إلى مسودة نص اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، ولكنّ بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا، قد علّقوها، مشيرين إلى سجلّ البرازيل البيئي السيئ في عهد بولسونارو.

وحثّ لولا، الذي يبدو ملتزماً حقاً بتحسين الأداء البيئي في البرازيل، على إحراز تقدم في الاتفاق، بينما أشار إلى أنه قد يكون من الضروري إجراء المزيد من إعادة التفاوض.

ولكن قد تكون هناك دوافع أخرى وراء اهتمام لولا بإحياء الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. والواقع أنّ أوروجواي الصغيرة، التي تتمتع باقتصاد موجّه نحو التصدير، يعتمد على قطاعها الزراعي الفعّال، استاءت من تباطؤ البرازيل في التوسع التجاري، وبدأت في التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة الخاصة بها مع الصين، وهو أمر تعترض عليه البرازيل والأرجنتين باعتباره يتعارض مع التعريفة الخارجية المشتركة لميركوسور.

ومن خلال إظهار اهتمام جديد باتفاقية الاتحاد الأوروبي والوعد باللجوء إلى الصين بمجرد اكتمالها، ربما يأمل لولا في إقناع أوروجواي بتأجيل مفاوضاتها مع الصين في الوقت الحالي، وبالتالي تجنب أزمة ميركوسور الداخلية.

العلاقات مع الولايات المتحدة

اجتماع لولا المبكر مع بايدن هو علامة على أنه يُنظر إليه من قبل إدارة الديمقراطيين على أنه "تغيير منعش" بعد فترة بولسونارو، الذي كانت له علاقات وثيقة مع دونالد ترامب.

وتمّ تسليط الضوء في الاجتماع على أوجه التشابه بين هجوم 6 كانون الثاني/يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي وأحداث 8 كانون الثاني/يناير 2023 في برازيليا.

ولكن خارج هذه المجالات، تبدأ آفاق جدول الأعمال المشترك في التضاؤل بسرعة، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أظهرت بعض علامات الرغبة في تعديل موقفها في مواجهة فنزويلا، فإنّ تأكيدات لولا اللطيفة على الحاجة إلى الحوار الداخلي في كاراكاس، ستكون جوفاء بالنسبة للكثيرين في واشنطن.

وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، هناك فجوة حقيقية بين واشنطن وبرازيليا. إذ يصرّ لولا على عدمم الإلقاء بالمسؤولية كاملةً على روسيا، كما تريد واشنطن وأوروبا، ويصرّ على وجهة نظره بأنه "في حين أنّ الهجوم الروسي غير مقبول، فإن أسبابه "غير واضحة" المعالم حتى الآن".

ولكن للإنصاف، اتخذ بولسونارو، على الرغم من تأييده المعلن للولايات المتحدة، موقفاً ملتبساً مماثلاً. فلقد أدلى بتصريحات مؤيدة لروسيا مباشرة بعد الحرب، وبينما صوتت حكومته لصالح قرارات الأمم المتحدة لصالح أوكرانيا، فإنها لم تدعم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا.

وعرض لولا أن تلعب البرازيل دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا من أجل السلام، جنباً إلى جنب مع الصين وغيرها من الدول الكبرى، تماماً كما اقترح أثناء إدارته السابقة أن تضطلع البرازيل بدور مماثل فيما يتصل بمفاوضات إيران النووية.

وبوسعنا أن نتوقع من لولا أن يبقي البرازيل على المسار الديمقراطي، وهو أمر ليس بالأمر الهيّن نظراً للمغامرة الاستبدادية التي اتبعها سلفه، وفيما يتعلق بسياساته الاقتصادية، لا يزال الخبراء غير متأكدين مما إذا كان صنبور الإنفاق المفتوح الذي أطلقه سيصل إلى النقطة التي يصبح فيها التضخم، وخفض قيمة العملة، وفقدان ثقة المستثمرين، مشكلة حقيقية.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، قد تكون البرازيل مفيدة للولايات المتحدة من حين لآخر، لكنّ توجه لولا الأساسي يعني على الأرجح أنّه لن يكون هناك الكثير من الأرضية المشتركة بمجرد مرور الفترة الأولى من الشعور الجيّد بين الحكومتين.