خطة نتنياهو لـ"اليوم التالي": افتقارٌ للرؤية السياسية.. وأهداف غير قابلة للتحقق
محرر الشؤون العربية والفلسطينية، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، جاكي خوري، يتحدث في مقال، عن افتقار خطة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لـ "اليوم التالي" للحرب لأي رؤية، ويشرح أسباب ذلك.
كتب محرر الشؤون العربية والفلسطينية، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، جاكي خوري، مقالاً تحدّث فيه عن وثيقة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لـ "اليوم التالي"، مُتحدّثاً عن افتقارها لأي رؤية، وعن أنّها "أسيرة لمفهوم تعميق الاحتلال والسيطرة على الفلسطينيين إلى الأبد".
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
الوثيقة التي نشرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في ليلة الخميس - الجمعة، بشأن "اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة بعيدة كل البعد عن أنّ تسمى خطة سياسية، وبالتأكيد ليست رؤية. حتى داخل "إسرائيل"، كانت ردود الفعل عليها فاترة في أحسن الأحوال. إنّ رئيساً لديه خطة سياسية حقيقية لقطاع غزة لن يكشف عنها في عتمة الليل، بل سيعرضها على الجمهور على الهواء مباشرة في وقت الذروة. غير أنّ نتنياهو ليس لديه أي بشرى يقدمها.
إنّ مقاربة نتنياهو تقوم على مفهوم واحد، هدفه إدامة الاحتلال والسيطرة على الفلسطينيين إلى الأبد، وإذا لم يكن ذلك كافياً، ترك مئات الآلاف من اللاجئين من دون إطار يمنحهم الحد الأدنى من الحقوق. بالنسبة إليه، فإنّ سلطة الفلسطينيين في قطاع غزة ستكون إدارية مدنية فقط، "كانتون" تديره مجموعة من المتعاونين تحت رعاية المحتل، فيما أي مقاومة ستُواجَه بقسوة، وستصبح الاعتقالات والمداهمات الليلية وعمليات الاغتيالات المركّزة أمراً روتينياً في غزة.
على مر السنين، هاجم رئيس الحكومة واليمين اتفاقات "أوسلو"، ولكن اتضح أنّ عقيدة "أوسلو" هي الأساس لمقاربة نتنياهو تجاه "اليوم التالي" – مع عدة "تحسينات" تناسب تصوره. إذا كان محمود عباس والسلطة الفلسطينية لا يزالان يتمتعان ببعض مظاهر القيادة والحكم في الضفة الغربية، فإنّ القيادة في غزة، وفقاً لخطة نتنياهو، ستكون أكثر ضعفاً. وإذا أصبحت السلطة الفلسطينية، في نظر الكثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية، مقاولاً من الباطن لـ"إسرائيل"، فإنّ القيادة في غزة ستكون مقاولاّ لجميع الأغراض - إدارة مدنية فلسطينية من يسيطر عليها فعلياً هو منسق أنشطة الحكومة في المناطق (الفلسطينية المحتلة).
من المشكوك فيه ما إذا كان هناك أي شخص في المستويات المهنية في "إسرائيل" يرى جدوى لهذه الخطوة، إذ تُظهر التجربة في الساحة الفلسطينية أنّ مثل هذه الخطط، حتى لو أدّت إلى تهدئة موقتة، فإنّها لا يمكن أن تشكل حلاً طويل الأجل. فلقد سبق أن جرّبت "إسرائيل" كل شيء، أي سيطرة كاملة، وعمليات اغتيال مركّزة، وتصفيات من الجو والبحر والبر، واعتقالات جماعية، واعتقالات إدارية، ومصادرة الأراضي، وبناء مستوطنات وبناء جدران، إلاّ أنّها بذلك نجحت فقط في إطالة أمد الاحتلال و"إدارة النزاع"، لكنّها عملياً لم تقضِ على القضية الفلسطينية ولم تدمر فكرة وحلم تقرير المصير.
خطة كالتي قدمها نتنياهو لن تحقق أهدافها، وبالتأكيد لن تقربه من أي دولة عربية في المنطقة. كما أنّ التطبيع مع السعودية، الذي تؤمّله "إسرائيل" والولايات المتحدة، سيتبدد بسرعة، بالنظر إلى الصيغة التي قدمها نتنياهو.
إنّ الدمار الهائل والقتل غير المسبوق في قطاع غزة سيغذي أجيالاً أكثر غضباً من الشباب الفلسطينيين، الذين لن يغير تغيير المناهج الدراسية في مدارسهم، كما يدعو نتنياهو، أي شيء، حتى لو تحدثوا معهم في الفصل فقط عن حب "إسرائيل". وإنّ إغلاق "الأونروا"، وهو مشروع للأمم المتحدة، لن يؤدي إلاّ إلى زيادة الدعوات لمساعدة اللاجئين، بما في ذلك من "إسرائيل". فحتى لو تم العثور على عدة متعاونين في ظل الجوع والمحنة ليأخذوا على عاتقهم إدارة أحياء في أنحاء قطاع غزة، فسوف يُنظر إليهم على أنهم أقزام عبيد، ومن المرجح أن تحولهم المعارضة الشعبية والسياسية بسرعة إلى منبوذين.
يجد معظم الجمهور الإسرائيلي صعوبة في قبول الإملاءات الخارجية المتعلقة بدولة فلسطينية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، ونتنياهو يدرك ذلك جيداً. لذلك، انتهز الفرصة لتحقيق توافق واسع في الحكومة و"الكنيست" حول هذه القضية، انطلاقاً من فهم بأنّ يسار الوسط، الذي يفتقر إلى أي عمود فقري سياسي، سوف يحاول فرض نفسه أيضاً. لذلك، فإنّ خط التفكير هو في الأساس سياسة داخلية، حول "اليوم التالي" في "إسرائيل" وليس في غزة.
لقد تضررت "إسرائيل" بشدة في هجوم حماس المفاجئ، وخاضت الحرب بحجة "الدفاع عن النفس وإعادة الأسرى". لكن ما يحدث في الواقع ليس حرباً ضد حماس، بل حرباً ضد الشعب الفلسطيني وضد الرواية الفلسطينية، أي حرب انتقام من دون أي رؤية. إذا أرادت "إسرائيل" إسقاط حماس، وإنهاء دور "الأونروا" في قطاع غزة وتغيير المناهج الدراسية، فعليها أن تتعامل مع أسباب كل هذا، وتعترف بأنّ هناك جمهورا آخر يتقاسم هذه الأرض، وتقدم رؤية تسمح للفلسطينيين بحق تقرير المصير.
يجب على "إسرائيل" الشروع في عملية سياسية مدعومة دولياً لتأهيل قيادة فلسطينية يتم انتخابها في صناديق الاقتراع، لا أن تُعيّن من جانب حاكم عسكري. قيادة يمكن أن تحصل على تفويض لإجراء مفاوضات جادة من أجل تسوية موقتة محدودة زمنياً تضفي الشرعية على إنهاء الاحتلال بكل تبعاته. تسوية تغيّر الواقع، ولا ترسي الكراهية وتعمق الهاوية. لكن هذا يتطلب قيادة، وليس معركة بقاء.