خضر عدنان الشخصية الأكثر توحيداً في فلسطين
الفلسطينيون من أمثال الشهيد خضر عدنان يمثلون خطراً حقيقياً على "دولة" الاحتلال، وغالباً ما يكونون من عائلات متواضعة ويتحلون بأخلاق وشفافية
كتب الصحفي الفلسطيني الأميركي، رمزي بارود، في موقع eurasiareview، مقالاً تحت عنوان "خضر عدنان.. الشخصية الأكثر توحيداً في فلسطين"، تناول فيه مسيرة الشهيد، وكيف أنه وبرغم عدم انخراطه بالعمل العسكري إلا أن دوره كان كبيراً في توحيد الفلسطينيين، ولذلك اعتقلته "إسرائيل" وتركته يموت في سجنه نتيجة الإضراب عن الطعام.
فيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
لم يكن الشهيد خضر عدنان، منخرطاً في العمل المقاوم المسلح، كما يشيع الصهاينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولو كان المعتقل الفلسطيني السابق، والذي استشهد في زنزانته الإسرائيلية، بعد 87 يوماً من الإضراب المتواصل عن الطعام على على صلة مباشر بالمقاومة المسلحة، لكانت نهاية القصة مختلفة تماماً. لأن المقاومين الفلسطينيين المسلحين، يتعرضون إما للاغتيال أو الاحتجاز أو لمحاكمة صورية، وعادة ما يحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة جداً، من محكمة عسكرية إسرائيلية تفتقر إلى أي عدالة أو إجراءات قانونية حقيقية.
كان الشهيد خضرعدنان قائداً كاريزمياً، لكنه لم يكن مقاتلاً عسكرياً. لقد وجه الفلسطينيين من منزله المتواضع في قرية عرابة، جنوب غرب جنين، التي تعد مع نابلس موطناً قوياً للمقاومة.
حصل عدنان على شهادة "دبلوم" في الرياضيات من جامعة بيرزيت، في العام 2001، وبسبب الاعتقالات المتكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، تم حرمانه من فرصة الحصول على درجة "الماجستير".
كذلك، حرم الشهيد من فرصة العمل في حقله، وعمل بدلاً من ذلك في مخبز ثم أنشأ مخبزه الصغير في قرية قباطية القريبة من بلدته عرابة. لكن الشهيد عدنان فعل أكثر من مجرد إطعام أفراد مجتمعه الخبز ، لقد ألهمهم أيضاً. كانت هذه الصفة هي التي وضعته في مسار قيادي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
اعتقل الشهيد خضر عدنان أول مرة في العام 1999، عندما احتجز الطالب الشاب لمدة 4 أشهر. بعد ذلك، تم اعتقاله 11 مرة على الأقل وقضى أكثر من 8 سنوات في السجن. وفي 6 مناسبات منفصلة، أضرب عن الطعام، كان أقصرها لمدة 25 يوماً.
وفي عام 1999، اعتقلته قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية واستجوبته لقيادته احتجاجاً طلابياً ضد رئيس الوزراء الفرنسي الزائر ليونيل جوسبان، الذي كان قد انتقد المقاومة الفلسطينية خلال ندوة في جامعة "بيرزيت". بعد ذلك بوقت قصير، تم رشق الزعيم الفرنسي بالأحذية والحجارة من قبل الطلاب الفلسطينيين الغاضبين.
كان هذا هو الخطر الحقيقي والقوي الذي يمثله الشهيد خضر عدنان، وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية المتكررة لاتهامه بأنشطة عسكرية، لم تقم بحجزه إلا في ما يسمى بالاعتقال الإداري، وهو قانون مصمم لإسكات الأكاديميين والمثقفين والناشطين الفلسطينيين الذين يلعبون أدواراً قيادية.
مع ذلك، لم يكن بالإمكان إسكات عدنان. واعتقاله الأخير الذي كان مختلفاً، عن باقي مرات الاعتقال الكثيرة، حيث أرادت "إسرائيل" اتهامه بالتحريض على العنف والانتماء إلى منظمة غير قانونية، حتى يتسنى لها أن تضمن أن يقضي أكثر من 5 سنوات في المعتقل.
اختار الإسرائيليون هذا التوقيت لفبركة هذه الأكاذيب والتهم للشهيد عدنان، لأنه يملك "سلطة" أخلاقية في الضفة الغربية، التي تختمر فيها المقاومة المسلحة. بهذا المعنى كانت حرية خضر عدنان مكلفة للدولة الصهيونية، التي تريد الاستمرار بقتل الفلسطينيين في نابلس وجنين وأريحا وبيت لحم والخليل، وفي الوقت عينه تهمش القيادة السياسية الجديدة والصاعدة من عمق الشارع الفلسطيني، من خلال الاعتقالات التعسفية والاتهامات الملفقة.
في الواقع، تظهر القيادة الجديدة للفلسطنيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، مما يوفر دماً جديداً وحيوياً، لا يغرق في الحزبية الضيقة. وعلى سبيل المثال، كان الشهيد عدنان منتمياً إلى حركة "الجهاد الإسلامي"، إلا أنه كان عضواً في الحركة السياسية الجديدة غير الفصائلية، التي تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة بين جميع الفلسطينيين، بغض النظر عن الجغرافيا أو السياسة أو الأيديولوجيا.
من وجهة النظر الإسرائيلية، كان إطلاق سراح عدنان سيعيده إلى دوره التعبوي وقيادة الاحتجاجات الجماهيرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتحدث عن المقاومة والاحتجاج على أولئك الذين تعاونوا مع الجيش الإسرائيلي.
لذلك، سمحوا له ببساطة بالموت. كما تقول زوجة الشهيد رندة موسى، لصحيفة (فلسطين كرونيكل)، " بعد 87 يوماً من إضرابه عن الطعام فقد وعيه داخل زنزانته المليئة بكاميرات المراقبة. حاول الحراس الإسرائيليون إنقاذه بعد 30 دقيقة وفي نهاية المطاف استشهد وحيداً وبدون رعاية طبية، ليكتشفه حراس المعتقل الصهاينة جثة هامدة بعد مرور وقت طويل.
وبمجرد الإعلان عن استشهاد عدنان، أطلق فلسطينيون من جميع فصائل المقاومة في غزة صواريخ باتجاه "إسرائيل"، واندلعت احتجاجات حاشدة في الضفة الغربية والقدس، وتم الإعلان عن إضراب عام في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة.
في وصيته، توجه الشهيد عدنان إلى شعبه وعائلته بلغة واحدة متشابكة، تؤكد على النصر، وأن جميع الفلسطينيين عائلة واحدة.
الفلسطينيون من أمثال الشهيد خضر عدنان يمثلون خطراً حقيقياً على "دولة" الاحتلال، وغالباً ما يكونون من عائلات متواضعة ويتحلون بأخلاق وشفافية، متوارثة من عمر الصراع مع عدو الشعب الفلسطيني، الذي لا يمكن إسكاته بسهولة.
خضر عدنان المقاوم الطالب في "جامعة بيرزيت"، كبر ليصبح الشخصية الأكثر توحيداً لفلسطين، حتى بعد استشهاده.
نقله إلى العربية: حسين قطايا