تقرير: "أبرز ظاهرة في فترة ما بعد الحرب".. ما الأهمية التاريخية لمجموعة الـ77؟
برزت مجموعة الـ77 بوصفها "أهمّ محفل لدول الجنوب"، من أجل تنسيق آرائها بشأن القضايا الاقتصادية العالمية، وبلورة مواقف مشتركة بشأن هذه القضايا.. فكيف تتجلى أهميتها التاريخية؟
في أيار/مايو 2014، نشرت الأمم المتحدة تقريراً تحدّثت فيه عن "الأهمية التاريخية لمجموعة الـ77"، ودورها في "منع تخلّف المجتمع الدولي" في السعي من أجل تحقيق أهدافه، وحدّها من تعميق الفوضى وعدم الاستقرار والضعف الذي يعانيه المجتمع الدولي.
فيما يلي النص منقولاً إلى العربية:
"أهم ظاهرة في فترة ما بعد الحرب"، بهذه الكلمات رحّبت "صنداي أوبزرفر"، الصحيفة الأسبوعية في لندن، بمجموعة الـ77 على صفحتها الأولى، بعدما ظهرت المجموعة على الساحة الاقتصادية العالمية، في نهاية مؤتمر الأمم المتحدة الأول للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، عام 1964.
عندما اجتمع "الأونكتاد" الأول، كان الفريق يعمل بالفعل، وكان يضم 75 عضواً، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا. وعند نهاية المؤتمر، تحوّلت مجموعة الـ75 إلى مجموعة الـ77،مع خروج أستراليا ونيوزيلندا، ودخول 4 بلدان أخرى، من دول الجنوب.
وبعد فترة وجيزة من انعقاد "الأونكتاد" الأول، برزت مجموعة الـ77 بوصفها "أهمّ محفل لدول الجنوب"، من أجل تنسيق آرائها بشأن القضايا الاقتصادية العالمية، وبلورة مواقف مشتركة بشأن هذه القضايا، وطرح أفكار واستراتيجيات جديدة للتفاوض مع دول الشمال.
وأصبح المشروع مؤسسياً وقانونياً، من خلال قرار "الأونكتاد" إنشاء جهازه التنفيذي، أي "مجلس التجارة والتنمية"، وهو قرار أقرّته الجمعية العامة فيما بعد.
ثم انتشر القرار إلى معظم هيئات الأمم المتحدة ومنظماتها الأخرى، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وكذلك تلك التي تتعامل مع القضايا السياسية والأمنية وحقوق الإنسان، وأصبح راسخاً في كل منها.
يسرد وزير الخارجية الهندي السابق، موشكوند دوبي، الذي شهد إنشاء المجموعة وظلّ مرتبطاً بها حتى أوائل التسعينات، تاريخ "المهمة التاريخية للمجموعة، في تغيير قواعد اللعبة"، ووضع مبادئ ومعايير وقواعد جديدة تحكم النظام الاقتصادي العالمي.
وفي هذا السياق، يتحدّث دوبي عن تولي مجموعة الـ77 مهمة إحداث تغيير في الوضع الراهن، ضدّ الدفاع العنيد والحازم من قبل بلدان الشمال.
اقرأ أيضاً: دول الجنوب في عاصمتها هافانا.. وسفير كوبا يكشف للميادين نت حدثاً سياسياً ستشهده "الـ77 + الصين"
وبما أنّ المجموعة جزء لا يتجزأ من الأمم المتحدة، فإنّ تأثيرها وفعاليتها وإنجازاتها وإخفاقاتها كانت تعتمد، إلى حد كبير، على صعود الأمم المتحدة وتراجعها، ونجاحها وفشلها.
وقد عملت المجموعة بفعالية ونشاط استثنائيين خلال الجزء الأطول من العصر الذهبي للتعاون الاقتصادي الدولي في إطار الأمم المتحدة، الممتد من عام 1964، حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي.
يستذكر دوبي بدايات المجموعة، متحدثاً عن التضامن الراسخ الذي ألهمها في ذلك الوقت، وكيف ساهم هذا التضامن في قبول بلدان الشمال، وللمرة الأولى، الالتزام بتحويل 0.75% من ناتجها القومي الإجمالي كـ"مساعدة إنمائية" لدول الجنوب.
وحينها، حُدِّد عام 1972 موعداً نهائياً لتحقيق هذا الهدف. كما أنّ تلك الدول قبلت، للمرة الأولى أيضاً، الالتزام بإجراء تعديلات هيكلية في اقتصاداتها المحلية لتيسير توسيع الواردات من دول الجنوب.
وفي أوائل ثمانينيات القرن العشرين، بدأ تراجع مجموعة الـ77، تزامناً مع بداية تراجع الأمم المتحدة، بسبب "هجوم جيد التخطيط والتنسيق" على الأمم المتحدة، من قبل دول الشمال.
ووفقاً لوزير الخارجية الهندي السابق، فإنّ دول الشمال بدأت بالفعل حينها هجومها لإضعاف الأمم المتحدة، ولم تعد الأمم المتحدة منتدى "للمفاوضات الجادة".
وفي كل مرة اتخذت مجموعة الـ77 مبادرة لإثارة قضية موضوعية للتفاوض، حرصت دول الشمال فوراً على إقحام القضية في الجدل الإجرائي، بشأن ما إذا كانت الأمم المتحدة مؤهلةً للتفاوض بشأن هذه القضية.
ويؤكد دوبي الصعوبة الكبيرة أن نتصوّر كيف يمكن لجميع هذه الهيئات والمنظمات أن تبرم الاتفاقيات البعيدة الأثر التي أبرمتها خلال السنوات الـ50 الماضية بشأن القواعد والمبادئ والنظم والأطر، بما في ذلك المعاهدات الرسمية، بدون وجود مجموعة الـ77.
وهكذا، ترتبط مجموعة الـ77 ارتباطاً وثيقاً بمجموعة ضخمة من المنافع العامة الدولية، تطوّرت وتراكمت على مدى نصف القرن الماضي. ولولا وجود المجموعة وعملها، لكان المجتمع الدولي متخلّفاً كثيراً في السعي إلى تحقيق أهدافه الحضارية، وأعمق في الفوضى وعدم الاستقرار والضعف ممّا هو عليه اليوم.