تفجير خط أنابيب "نورد ستريم": من المستفيد؟
تفتقر الاتهامات بتورط الكرملين في تفجيرات خطوط "نورد ستريم" إلى المصداقية، وتغيب المتهم أو الجاني الفعلي الأكثر احتمالاً، وهو الولايات المتحدة.
في مقال في موقع "وورد سوشياليست وبسايت"، نشر الكاتبان أليكس لانتيير ويوهانس ستيرن مقالاً يناقش التفسيرات المحتملة للإنفجارات التي أدّت إلى تعطل خطي أنابيب "نورد ستريم 1" و "نورد ستريم 2"، وأفضت إلى انقطاع أحد أهم خطوط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، نقله إلى العربية حسين قطايا وينشر الميادين نت ترجمته الحرفية:
بينما تشن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حربًا على روسيا في أوكرانيا، أحدثت انفجارات قوية تحت مياه بحر البلطيق، فجوات عدة في خطي أنابيب "نورد ستريم"، اللذين ينقلان الغاز الطبيعي من روسيا إلى المانيا. وعلى الفور سارعت وسائل الإعلام الأوروبية بإتهام روسيا بقصف خطوط الأنابيب، مع أن صحيفة "نيويورك تايمز"، التي عادة ما تكون مصدرًا للدعاية المعادية لروسيا، امتنعت عن إلقاء اللوم على موسكو في الحادث. وقالت: " من غير المنطقي أن الكرملين سيضر بأصوله التي تقدر بمليارات الدولارات". وأضافت: "بينما يسارع بعض المسؤولين الأوروبيين إلى التكهات حول تورط روسي، كان المسؤولون الأمريكيون أكثر حذرًا، مشيرين إلى نقص الأدلة المتاحة، وامتنعوا عن تسمية أي مشتبه بهم".
إثْرالحادث صرح رئيس الوزراء الدنماركي ميت فريدريكسن، إن الانفجارات كانت نتيجة "عمل متعمدمن قبل أطراف مجهولة"، في حين قال عالم الزلازل السويدي بيورن لوند ، "لا شك في أن هذا ليس زلزالًا".
يشير هذا التطور في الأحداث إلى التصعيد العسكري المتهور الجاري في أوروبا، الذي عبر عنه وزير الخارجية البولندي السابق راديك سيكورسكي، ب "تغريدة" تشكر الولايات المتحدة مع صورة لموقع التفجير. وأضاف: "الآن 20 مليار دولار من الخردة المعدنية تقع في قاع البحر، وهي تكلفة أخرى لروسيا ".
تفتقر الاتهامات بتورط الكرملين في التفجيرات إلى المصداقية، وتغيب المتهم أو الجاني الفعلي الأكثر احتمالاً، وهو الولايات المتحدة، بلا شك. و السؤال الأول الذي يجب أن يُطرح حول تفجير نورد ستريم هو: من المستفيد ومن لديه الدافع للقيام بذلك؟
فليس لروسيا اي دافع للقيام بإضرار مصالحها القومية، خاصة وأن شركتها الوطنية "غازبروم" تمتلك نصف خط الأنابيب، إلى جانب المساهمين الألمان والفرنسيين والهولنديين، وكان خط الأنابيب في صلب خطط موسكو لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع أوروبا، إذا انتهت الحرب مع الناتو في أوكرانيا.
بالنسبة لواشنطن ، قدم التفجير فائدتين. أولاً، في خضم التصعيد العسكري لحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا، سيساعد ذلك في تأجيج المزيد من الدعاية الحربية المناهضة لروسيا. ثانياً، من خلال جعل أوروبا أكثر اعتمادًا على واردات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي لتحل محل الغاز الروسي، فإنها تتوافق مع هدف أمريكي رئيسي في حرب أوكرانيا منذ البداية: وضع أوروبا تحت سيطرة الولايات المتحدة بقوة أكبر. ظهرت هذه الأهداف بشكل متزايد إلى العلن في السنوات الأخيرة.
في عام 2018 ، اندلعت صراعات مريرة بين إدارة ترامب وبرلين، حيث فرض ترامب عقوبات على صادرات السيارات الألمانية إلى أمريكا وطالب برلين بإغلاق خط أنبوب "نورد ستريم 2"
في شهر شباط/فبراير 202، تصاعدت التهديدات الأميركية ضد الكرملين قبل الحرب في أوكرانيا، واستدعى الرئيس الأمريكي جو بايدن المستشار الألماني أولاف شولتز إلى واشنطن، لإجراء محادثات تعهد بعدها بايدن بتدمير خط أنابيب "نورد ستريم 2"، وقال بايدن: "إذا غزت روسيا، فلن يكون هناك نورد ستريم 2، سننهي ذلك."
وحين سئل عن كيفية القيام بذلك، لأن خط أنابيب "نورد ستريم" مملوك بشكل مشترك لروسيا وحلفاء في "الناتو": مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا، رفض بايدن الإجابة ، وقال ببساطة: "أعدك ، لدينا القدرة على فعل ذلك. "
مَهَّدَ تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، الطريق أمام حلف "الناتو" لشن حروب إمبريالية دمويةن من العراق ويوغوسلافيا إلى أفغانستان وليبيا وسوريا. فقد حرم "الناتو" من عدوه التقليدي، الذي ساهم في توحيد الحلف، وغيابه أدى الى انفجار تناقض المصالح حين فتحت أوراسيا أسواقها أمام الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى، فقد ظهرت التوترات بسرعة بين القوى الرأسمالية المتنافسة على تقسيم غنائم الاقتصاد العالمي.
وطالب ترامب برلين بإنهاء العمل في خط انابيب "نورد ستريم 2 "، بعد دعوته الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز قواه العسكرية وسياسته الدفاعية بإستقلال عن حلف "الناتو". وآنذاك دعت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل،المانيا إلى "القتال من أجل مستقبلنا بأنفسنا"، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتحاد الأوروبي، إلى الاستعداد لمواجهة روسيا أو الصين أو أمريكا.
ورفض مسؤولو الاتحاد الأوروبي دعوات ترامب لإنهاء "نورد ستريم 2". وقال النائب الألماني رولف موتزينيتش إن هذه المطالب "تؤثر على الشركات الألمانية والأوروبية وتمثل تدخلاً في شؤوننا الداخلية.
تشير سياسة الولايات المتحدة تجاه أوروبا إلى تحذير ليون تروتسكي، في عشرينات القرن المنصرم من أنه في اوقات الأزمات: "ستعمل هيمنة الولايات المتحدة بشكل كامل، وأكثر اتساعا وقسوة مما كانت عليه في فترة الازدهار". و وصف تروتسكي خطط الإمبريالية الأمريكية لأوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، بأنها اتجهت نحو تقسيم الاسواق وتنظيم نشاط الرأسمال الممول للصناعات، ووضعه تحت السيطرة.
هذا يصف بإيجاز سياسة واشنطن اليوم. هذا العام ، استغلت الحرب في أوكرانيا، لتصعيد المواجهة مع روسيا وفرض التأثيرالمدمر على مركزية الأقتصاد الأوروبي .
يواجه ملايين العمال في أوروبا احتمالية التجمد هذا الشتاء، مع ارتفاع أسعار الغاز عشرة أضعاف حيث تستبدل أوروبا الغاز الروسي الرخيص المنقول عبر خطوط الأنابيب بالغاز الطبيعي الأمريكي المسال. تتضخم ارتفاعات الأسعار بشكل أكبر مع انخفاض العملات الأوروبية مقابل الدولار الأمريكي ، الذي يرتفع مع زيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة. أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن شركات الصلب والكيماويات الأوروبية وغيرها من الشركات "تحول عملياتها إلى الولايات المتحدة ، تجتذبها أسعار الطاقة الأكثر استقرارًا والدعم الحكومي القوي".
لقد وافق رأسماليو الاتحاد الأوروبي على ذلك، طالما أن الحرب هي ذريعة لمواصلة تحويل مليارات اليوروهات نحو التسلح، وفي مقدمتهم البرجوازية الألمانية، آلتي ترغب بشكل خاص، بعد خسارتها حربين عالميتين، إلى الظهور مرة أخرى كقوة عسكرية رائدة في أوروبا. وكان المستشار الألماني شولز قد دعا هذا الشهر ألمانيا إلى "أن تصبح حجر الزاوية للدفاع التقليدي في أوروبا، وهي القوة الأفضل تجهيزًا فيالقارة، وطالب بمقعد دائم لالمانيا في مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
بينما أنهت برلين رسميًا دعمها لـخط انابيب "نورد ستريم" بعد الحرب الأوكرانية، فإنها تثير مسألة تجديد علاقات الطاقة مع روسيا من جديد. وهذا الأسبوع ، قالت انجيلا ميركل إنه لا ينبغي لأحد أن يغيب عن باله"اليوم التالي". ودعت إلى التفكير فيما "لا يمكن تصوره في الوقت الحالي، في الكيفية التي يمكن ان تطورالعلاقات تجاه روسيا ومعها مرة أخرى."
الأكثر مصداقية تفسير هجوم نورد ستريم، ليس كعمل من أعمال الانتحار الاقتصادي والسياسي من قبل روسيا، ولكن كإشارة أرسلتها واشنطن إلى "حلفائها" في الاتحاد الأوروبي: نعم، يمكنكم إعادة العسكرة، ولكن سيتم وضع السياسة العسكرية وفقًا لشروطنا .
توضح هذه النزاعات الأخطار الهائلة التي تواجه شعوب العالم، بينما يؤرجح حلف "الناتو" العالم، على حافة حريق شامل.