"المونيتور": روسيا تعيد ضبط التنسيق مع "إسرائيل" بشأن سوريا
إن شحنات أنظمة الدفاع الجوية الإضافية الروسية إلى سوريا قد تعرقل إلى حد ما الغارات الجوية الإسرائيلية .
كتب الصحافي الروسي أنطون مارداسوف مقالة في موقع "المونيتور" الأميركي تناول فيها التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت.
وقال الكاتب إن نهاية قبضة بنيامين نتنياهو على السلطة في "إسرائيل" قد أثارت تكهنات وسائل الإعلام بشأن ما يعنيه ذلك بالنسبة للتنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا إذ بدأت مصادر في وسائل الإعلام الإسرائيلية واللبنانية والسعودية والروسية مناقشة احتمالات أزمة وشيكة بين البلدين. فلم تتلاشَ الذكريات منذ خريف 2018، عندما سقطت طائرة استطلاع روسية خلال غارة جوية إسرائيلية على سوريا، مما تسبب في فضيحة بين موسكو و"إسرائيل".
وأشار المحلل الإسرائيلي بن كاسبيت، كاتب العمود في "المونيتور"، إلى عدم ارتياح "إسرائيل" لإمكانية تغيير روسيا لموقفها من سوريا. فعلناً، تقتصر التعليقات التي تشير إلى التغيير إلى حد كبير على مزاعم وزارة الدفاع الروسية حول نجاحها المفترض في صد الصواريخ الإسرائيلية بمساعدة أنظمة الدفاع الجوي الروسية / السوفياتية الصنع. ونقل كاسبيت عن مصادره بين مسؤولي الأمن الإسرائيليين قولهم إن خطاب روسيا المتفائل ليس أكثر من مجرد خدعة تكتيكية، ومع ذلك يظل هدف هذا الخطاب والغرض الاستراتيجي غير واضحين. كما تتعارض مزاعم روسيا مع صور أهداف ضربتها الصواريخ الإسرائيلية في دمشق وحلب، بحسب كاسبيت.
كذلك، فإن وسائل الإعلام اللبنانية الموالية لسوريا وموقع "الربيع" الروسي المرتبط بوزارة الدفاع الروسية تزيد من تأجيج رواية تغيير موسكو لموقفها تجاه "إسرائيل". تزعم هذه المصادر أن روسيا وسوريا أجريتا تدريبات عسكرية للحماية من الغارات الجوية الإسرائيلية وأن سوريا ستتلقى قريباً أنظمة دفاع جوي إضافية يتم تسليمها من موسكو. وزعمت صحيفة "الشرق الأوسط" أن الكرملين يبحث إغلاق المجال الجوي السوري أمام الغارات الجوية الإسرائيلية.
وقال الكاتب إنه يبدو أن كل هذا يشير إلى أن الكرملين على وشك إعادة النظر في توجهه تجاه "إسرائيل" من أجل إجبار الجيش الإسرائيلي على قبول قواعد جديدة للعبة الإقليمية. وأضاف أنه من المؤكد أن مثل هذا التحوّل سيساعد روسيا على تخفيف التحدي الذي يشكّله الجيش الإسرائيلي على دعاية موسكو من خلال اختبار قوة ضمانات الكرملين الأمنية لسوريا، فضلاً عن تحدي صورة القوة العظمى للمشروعات العسكرية الروسية. كما ستساعد مراجعة قواعد اللعبة في مواجهة العمليات الإسرائيلية في سوريا موسكو على تغطية إيران، حليف روسيا الذي يجري محادثات بشأن العودة المحتملة إلى المعايير الأصلية للاتفاق النووي لعام 2015.
ورأى الكاتب أنه، مع ذلك، يجب مراعاة العديد من العوامل المتعلقة بالتفاعلات الروسية الإسرائيلية في سوريا. أولاً، تحاول روسيا كبح أنشطة الجيش الإسرائيلي منذ عام 2017. والغرض الأولي من هذا الجهد - بما في ذلك ادعاء الصحافة الروسية بأن نظام دفاع جوي روسياً قد أسقط صاروخاً إسرائيلياً كان لإظهار أن الحكومة السورية قد استعادت السيادة على البلاد.
وقال الكاتب إن حلفاء نتنياهو يقدمان سببين يفسّران الخلاف المتزايد بين "إسرائيل" وروسيا فيما يتعلق بسوريا. السبب الأول هو الافتقار إلى الخبرة في الحكومة الجديدة، التي لم تفعل ما يكفي لبناء استراتيجية اتصال فعالة مع الروس، والسبب الثاني هو قيام الإدارة الأميركية بتخفيف مشاعرها المؤيدة لـ"إسرائيل".
يسأل الكاتب إذا ما كانت هذه التفسيرات قد أصابت الهدف، ليجيب بأن هناك بعض الشك. فقد كان موضوع الأنشطة (أي الاعتداءات) الإسرائيلية في سوريا موضوعاً منتظماً وشائكاً في المفاوضات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو حتى بعد حل أزمة 2018. وظهرت نقاط ساخنة جديدة للجدل. خذ على سبيل المثال زيارة نتنياهو إلى موسكو في عام 2019. ثم لم يخفِ الكرملين استياءه من قصف الجيش الإسرائيلي لأهداف في سوريا. واكتسب الخلاف أهمية أكبر مع حملة موسكو لإشراك المستثمرين الروس وشركات النقل الأجنبية في بناء محطة جديدة في مطار دمشق. كان هبوط بوتين في المطار خلال زيارته إلى سوريا بمناسبة عيد الميلاد - على عكس استخدامه المعتاد لقاعدة حميميم الجوية - بمثابة دعم تلك الحملة.
وأضاف الكاتب أنه لا يوجد الكثير من الحداثة في مزاعم وزارة الدفاع الروسية بشأن "إسرائيل". في عام ، أصدرت الوزارة بياناً حول مخطط تركي إسرائيلي رئيسي مفترض، حيث نشرت أنقرة قافلتها العسكرية في إدلب تحت غطاء الهجمات الجوية للجيش الإسرائيلي، بحسب البيان. لكن في الواقع، لم تحدث هذه الإجراءات في وقت واحد.
وزعمت الوزارة الروسية أن غارات جوية لطائرة "أف-16" إسرائيلية هددت أمن طائرة تابعة لشركة "أجنحة الشام" السورية قادمة من إيران وعلى متنها 172 راكباً، مما اضطر الطائرة إلى القيام بهبوط اضطراري في حميميم. تم استخدام "أجنحة الشام" في السابق لنقل الشخصيات الإيرانية المهمة وأعضاء الميليشيات. ومع ذلك، في أعقاب تلك الحادثة، سمحت موسكو في مناسبات عديدة لرحلات جوية من إيران باستخدام قاعدة حميميم الجوية، ولم يمنع التهديد الإسرائيلي المفترض الطواقم الإيرانية من تفريغ حمولتها العسكرية، بحسب زعم الكاتب.
واعتبر الكاتب أن فعالية أنظمة الدفاع الجوي الروسية المنتشرة في سوريا منخفضة نسبياً، ويرجع ذلك في الغالب إلى تنظيمها العشوائي حيث يتطلب إنشاء دفاعات جوية معقدة وعميقة كمية كبيرة من شحنات الأسلحة، والتي لا تناسب المصالح الروسية من الناحية الاقتصادية. وقال إنه لا يزال لغزاً كيف تمكنت دمشق من دفع تكاليف تسليم أنظمة "بانتسير –أس1" التي تمتلكها البلاد.
وقال المدون الأمني الروسي يوري لامين لموقع "المونيتور"، إن شحنات الأنظمة الجوية الإضافية قد تعرقل إلى حد ما الأنشطة الإسرائيلية في سوريا، لكن دمشق لا تزال تواجه عدداً من المشكلات الأساسية. وقال: "لضرب أهداف في عمق الأراضي السورية، تستخدم إسرائيل المجال الجوي اللبناني أو تستخدم المجال الجوي الأردني وشرق سوريا الذي لا يزال تحت السيطرة الأميركية". ونتيجة لذلك، تعمل أنظمة الدفاع الجوي السورية من موقع دفاعي عميق لصد الصواريخ والقنابل الموجهة. فـ"إسرائيل" لديها ميزة عامة إذ أن قدرات الجيش الإسرائيلي تسمح لها بنشر تكتيكات هجومية تطغى على الدفاعات الجوية السورية.
وبحسب الكاتب، يبدو أن موسكو تواجه مشكلة عامة تتمثل في وضع استراتيجية اتصال فعالة فيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية الجديدة. فمن جهة، شعر الكرملين بالاطراء من ثناء نتنياهو على نوعية علاقاته مع الرئيس الروسي. ومع ذلك، فإن موسكو تكافح الآن لتقوية الأسس المؤسسية للعلاقة الثنائية مع "إسرائيل" لإثبات أنها تعتمد على شيء أكثر من العلاقة الشخصية بين بوتين ونتنياهو. من جهة أخرى، أدت جهود موسكو لممارسة دبلوماسية متعددة النواقل في مناسبات عدة إلى وضعها في موقف صعب. يمكن للمرء أن يتذكر شكوى السفير الروسي أناتولي فيكتوروف من سياسات "إسرائيل" المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط بما يتجاوز سياسات إيران.
نقطة أخرى تتعلق بالدفء الإسرائيلي في العلاقات مع أوكرانيا الذي تبلور في عهد نتنياهو. كان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي من بين قادة العالم الأوائل الذين دعاهم نفتالي بينيت بعد أن أصبح رئيساً للحكومة الإسرائيلية.
وزعم الكاتب أنه لا ينبغي لأحد أن يتجاهل دور السياسة الإسرائيلية إذ تفتقر "إسرائيل" إلى عمق دفاعاتها الاستراتيجية، "وبالتالي فهي بحاجة إلى اتخاذ إجراءات وقائية للحد من التهديدات المحتملة، وهذا هو سبب استمرار الجيش الإسرائيلي في شن غارات جوية على الأراضي السورية". ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كانت "إسرائيل" ستغيّر حقاً وإلى أي مدى ستحذر الروس مسبقاً من أي هجوم قادم. يمكن أن تلعب التغييرات في المشهد السياسي الإسرائيلي دوراً في مثل هذا التغيير، لا سيما بالنظر إلى شكاوى "إسرائيل" بشأن اتفاقية المصالحة لعام 2018 بين المعارضة السورية ودمشق التي كان ينبغي أن تضع قيوداً على نمو المراكز الثقافية لحزب الله والمواقع الإيرانية في جنوب غرب سوريا.
نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت