"إسرائيل" فشلت في إقناع الأوروبيين بأنّ 6 منظمات أهلية فلسطينية "إرهابية"

وسائل إعلام إسرائيلية متعددة تكشف أنّ "إسرائيل" كانت تأمل في أن تُقنع وثيقة سرية لـ"الشاباك" الحكومات الأوروبية بوقف تمويل الجماعات الحقوقية الفلسطينية.

  • مسؤولون كبار في 5 دول أوروبية: الملف الإسرائيلي لا يحتوي على أي
    مسؤولون كبار في 5 دول أوروبية: الملف الإسرائيلي لا يحتوي على أي "دليل ملموس" ضد المنظمات الفلسطينية

الكتاب الإسرائيليون يوفال أبراهام، أورِن زيف، وميرون رابوبورت، يقولون ضمن مقالٍ نشر في وسائل إعلام إسرائيلية متعددة وهي: مجلة +972 وLocal Call وThe Intercept إنّ "إسرائيل" فشلت في إقناع المسؤولين الأوروبيين بأنّ المنظمات الأهلية الفلسطينية الـ 6 مرتبطة بالفعل إما بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو بأنشطة عنيفة.

وفي ما يلي النصّ المنقول إلى العربية:         

كانت "إسرائيل" تأمل في أن تُقنع وثيقة سرية لـلشاباك الحكومات الأوروبية بوقف تمويل الجماعات الحقوقية الفلسطينية.  وحصلت مجلة +972 وLocal Call على شهادات الملف - ولم يعثرا على دليلٍ حقيقي يبرر مزاعم "إسرائيل".

في 22 تشرين أول/أكتوبر، وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، صنّف 6 جمعيات فلسطينية تعمل في مجال حقوق الإنسان بارزة بأنها "منظمات إرهابية"، مشيراً إلى أنّ صلات مزعومة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي حزب يساري فلسطيني اليسارية وحركة مقاتلة.

وعلى الرغم من الإعلان، الذي ورد أنّه استند إلى معلوماتٍ استخبارية جمعها الشاباك، فشلت "إسرائيل" في تقديم أي وثائق بشكلٍ مباشر أو غير مباشر تربط المنظمات الـ6 بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو بأيّ نشاطٍ عنيف.

إذاً، على أي دليل بُني هذا الإعلان المفترض؟ هذا السؤال تم طرحه خلال الأسبوعين الماضيين من قبل مجتمع حقوق الإنسان، بالإضافة إلى عدد صغير من أعضاء الكنيست وكبار ممثلي الدول الصديقة لـ"إسرائيل".

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية على نطاقٍ واسع عن مصدر داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية قوله إنّ الدليل ضد الفصائل الفلسطينية "دامغ للغاية". ومع ذلك، فإن المعلومات الواردة من المستندات السرية التي نكشف عنها هنا لأول مرّة تلقي بظلال من الشك على هذا الادعاء.

منذ شهر مايو/أيار من هذا العام، ناشد مبعوثو وزارة الخارجية الإسرائيلية المجتمع الدولي مراراً وتكراراً بأنّ المنظمات الفلسطينية الـ6 وهي: الحق، الضمير، مركز بيسان، الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية - ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بل وتشارك في تمويل الأنشطة الإرهابية، بهدف لإثبات المزاعم ضد المنظمات غير الحكومية، والتي يحظى بعضها باحترامٍ كبير على الساحة الدولية.

أرسل المبعوثون الإسرائيليون ملفاً سرياً من 74 صفحة أعدّه الشاباك إلى ممثلي الدول الأوروبية في أيار/مايو 2021، على أمل إقناعهم بالتوقف عن تمويل المنظمات. ومع ذلك، وفقاً للأدلة التي جمعناها، فشل الملف في إقناع هذه الحكومات الأجنبية.

قال مسؤولون كبار في 5 دول أوروبية على الأقل إنّ الملف لا يحتوي على أي "دليل ملموس"، وبالتالي قرروا مواصلة دعم المنظمات مالياً.

+972 وLocal Call وThe Intercept حصلوا على ملف "الشاباك" السري، بالإضافة إلى مئات الصفحات من الملخصات باللغة العبرية للشاباك واستجواب الشرطة الإسرائيلية للمحاسبَيْن الفلسطينَيْين: سعيد عبدات وعمرو حمودة. كلا الرجلين كانا يعملان في منظمة فلسطينية غير مدرجة في أوامر غانتس، لجان العمل الصحي، وكلاهما تم فصلهما من قبل المنظمة غير الحكومية بعد الاشتباه بارتكابهما أخطاء مالية. كِلا الرجلين لا يزالان رهن الاعتقال الإسرائيلي.

الوثيقة المُرسلة إلى الأوروبيين تستند بالكامل تقريباً إلى شهادات عبدات وحمودة. وهي تدعي أنّ هذه الشهادات تثبت أن المنظمات الـ 6 المعنية كانت جزءاً من شبكة تديرها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأنّ الأموال التي تلقتها المنظمات كانت تُستخدم في الأنشطة المسلحة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ومع ذلك، فإن فحص "أدلة" الملف، إلى جانب فحص ملخصات الاستجوابات المتكررة لعبدات وحمودة، يكشف أن المحاسبَيْن - اللذين لم يعملا في أي من المنظمات الـ6 المستهدفة - استنداً في معظم اتهاماتهما إلى فرضياتٍ عامة، أو ما زعما أنه "معلومات عامة" أو معلومات زعموا أنها "معروفة" على نطاق واسع.

والأهم من ذلك، حتى شهادات عبدات وحمودة التي لا أساس لها تشير، على الأكثر، إلى أن بعض هذه المنظمات شاركت في أنشطة مدنية وعامة مثل الأحداث الطلابية، ومساعدة المرضى، ودروس الشعر التي تشكل جزءاً من عمل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كحركة تعمل في المجتمع الفلسطيني. كما زعم محام يمثل أحد المحاسبَيْن، عبدات، أن موكله ربما يكون قد تعرض لضغوط للإدلاء بشهادته بعد أساليب استجواب يمكن أن ترقى إلى مستوى التعذيب أو سوء المعاملة.

تم حذف هذه الجوانب الحاسمة لشهادات عبدات وحمودة من ملف الشاباك. في الواقع، خلافاً لادعاءات وزارة الأمن الإسرائيلية، لم يقدم الملف دليلاً واحداً يُثبت أن المنظمات الـ6 حوّلت أموالها إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو إلى أنشطة عنيفة.

تكاد اتهامات الملف للمنظمات غير الحكومية الـ6 مطابقة للادعاءات الواردة في إعلان غانتس قبل أسبوعين. كما أشارت الوزارة إلى استجواب المحاسبَيْن، الذي جرى بين آذار/مارس وأيار/مايو من العام الجاري، كمصدرٍ لهذه المزاعم.

ومنذ شهر أيار/مايو، داهمت "إسرائيل" مكاتب 3 من مجموعات حقوق الإنسان الـ6، وربما تكون قد حصلت على أدلة إضافية لمحاولة تبين وجود صلة مباشرة بين المنظمات والجبهة الشعبية. ومع ذلك، قال مسؤولون كبار من دولتين أوروبيتين تحدثوا إلى +972 وLocal Call وThe Intercept، بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إنه منذ إعلان غانتس، تجاهلت "إسرائيل" جميع الطلبات للحصول على مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع. وأصدر مسؤولون كبار من 3 دول أوروبية بيانات لوسائل الإعلام بهذا المعنى.

بالإضافة إلى ذلك، قال مصدران أميركيان مطلعان على التفاصيل المتعلقة بالمسألة إنّ وفداً إسرائيلياً تم إرساله إلى واشنطن للسيطرة على الأضرار بعد الغضب من التصنيفات الإرهابية، والتقى بأعضاء من الكونغرس وموظفي الكونغرس لمحاولة شرح إعلان غانتس.

وقال أحد المصادر إنّ الوثائق التي قدمها الوفد للمشرعين الأميركيين كانت مشابهة جداً لتلك التي قدمها للأوروبيين في أيار/مايو، مضيفاً: "هذا كل ما رآه أعضاء الكونغرس".

وقال المصدران الأميركيان، اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما لأنهما غير مخولين بالحديث عن الدبلوماسية، إنّ هناك خططاً لتقديم نفس الوثائق إلى وزارة الخارجية الأميركية، التي طلبت، وفقاً لتقارير إخبارية سابقة، مزيداً من المعلومات من الحكومة الإسرائيلية حول التصنيفات.

دليل "الشاباك"

الملف السري الذي يحمل شعار الشاباك عنوانه: "نتائج التحقيق: التمويل الأجنبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من خلال شبكة من منظمات المجتمع المدني".

تبدأ الوثيقة بخلفية عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - التي تعتبرها "إسرائيل" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية" - وعملياتها المسلحة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتستمر في القول بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنشأت منظمات مجتمع مدني لتكون بمثابة المجموعات الأمامية. ووفقاً للوثيقة، فإنه في حين أن بعض هذه المنظمات غير الحكومية لها أهداف إنسانية، فإن جزءًا من التبرعات المقدمة لها "وصل إلى المنظمة الإرهابية نفسها".

يذكر الملف سويسرا، ألمانيا، هولندا، المملكة المتحدة، بلجيكا، السويد، إسبانيا والاتحاد الأوروبي، كدول وهيئات تدعم المنظمات غير الحكومية الـ6 مالياً، وكان هدفه على الأرجح إقناعها بقطع الأموال عن مجموعات. ومع ذلك، صرح كل من وزير الخارجية الهولندي ووزير التنمية الاقتصادية البلجيكي علناً أن الملف لا يحتوي "حتى على دليل ملموس واحد". 

بعد الملف، قالت بلجيكا والسويد إنهما أجريا عمليات تدقيق مستقلة للسلوك المالي للمنظمات الـ6 المعنية وعلاقتها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لم تجد أي من الدولتين أي دليل على مزاعم الشاباك.

في الواقع، معظم الملف لا يناقش المنظمات غير الحكومية الـ6 في إعلان غانتس، بل يركز على المنظمة الفلسطينية السابعة، لجان العمل الصحي. لم يتم تضمين المنظمة، التي تدير مراكز طبية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، في إعلان غانتس لأنها كانت محظورة بالفعل في أوائل كانون الثاني/يناير 2020 بعد أن اُتهم نائب مدير المجموعة وليد حناتشة بالتخطيط لقتل إسرائيلية تبلغ من العمر 17 عاماً، رينا شنيرب، في تفجير على جانب الطريق في آب/أغسطس 2019.

في وقت سابق من هذا العام، تم اعتقال واستجواب 5 موظفين ينتمون إلى لجان العمل الصحي - بمن فيهم مديرتها شذى عودة - للاشتباه في اختلاس أموال لصالح أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باستخدام تقارير مالية كاذبة.

علاوةً على ذلك، تم القبض على اثنين من العاملين في اتحاد لجان العمل الزراعي، وهي إحدى المنظمات غير الحكومية الـ6 التي صُنّفت إرهابية، بسبب مقتل شنيرب – ولعلها الصلة الوحيدة المعروفة بين أي عضو من المجموعات الـ6 وبين عملٍ عنفي.

بعد "الجريمة"، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية عشرات النشطاء السياسيين، وموظفين من عدة منظمات حقوق إنسان، ونشطاء وطلبة بشبهة ارتباطات بالجبهة الشعبية، بمن فيهم خالدة الجرار، وهي عضو في المجلس التشريعي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

الشاباك أصدر بياناً دراماتيكياً رابطاً إياها بأنشطة عنيفة للجبهة الشعبية، ولا زال هذا الادّعاء غير موجود في لائحة اتهامها، ولم تُدن أبداً بصلاتٍ بعنف.

الدول الأوروبية: "لا يوجد دليل ملموس" 

وفقاً لمصادر متعددة، فشل ملف "إسرائيل" في إقناع المسؤولين الأوروبيين بأن المنظمات مرتبطة بالفعل إما بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو بأنشطة عنيفة.

على سبيل المثال، خلال نقاش في البرلمان الفيدرالي البلجيكي في تموز/يوليو، قالت وزيرة التعاون الإنمائي في البلاد ميريامي كيتير إنّ حكومتها قد تلقت الملف، وبعد ذلك أصدرت تعليماتها للإدارة بـ "فحص شامل" للوثيقة.

وتابعت: "كشف تحقيقنا أنه لا يوجد دليل ملموس واحد في الوثيقة الإسرائيلية يثير الشكوك حول وجود تزوير في هذه المنظمات. أصدرت تعليماتي للإدارة بفحص المعلومات مرة أخرى.. تم الانتهاء من التحقيقات وتم تسليم النتائج إليّ في تموز/يوليو. على هذا الأساس، قررت أنه لا يوجد سبب لتجميد تمويل هذه المنظمات".

وفي أيار/مايو الماضي، بينما كانت لا تزال في منصبها، قالت وزيرة الخارجية الهولندية السابقة سيغريد كاج - التي تساعد دولتها في تمويل 3 من المنظمات الـ6 - إن حكومتها "تلقت معلومات من إسرائيل تدّعي أنّ هناك صلة بين المنظمات الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. تم فحص المعلومات المتعلقة بالمنظمات التي تمولها هولندا بشكل غير مباشر من قبل وزارة الخارجية الهولندية، ولا يوجد دليل ملموس يربط المنظمات بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

وقال دبلوماسيان أوروبيان في "إسرائيل"، شاهدا الملف، لـ +972، Local Call، وThe Intercept إنه على الرغم من الطلبات المتكررة، لم تزودهم "إسرائيل" بأدلة جديدة منذ أيار/مايو لدعم المزاعم بأن المنظمات الـ6 حوّلت الأموال الأوروبية إلى العنف.

وقال نائب السفير الأوروبي في "إسرائيل" الذي اطلع على الملف: "كان هناك الكثير من الضغط علينا لوقف التمويل، لكن في وثيقة قدمتها إسرائيل، لم يكن هناك دليل قوي ضد المنظمات. لجأنا إلى وزارة الأمن الإسرائيلية هذا الأسبوع وقلنا إنّه من أجل اتخاذ مثل هذه الخطوة الحادة، سنحتاج لرؤية المواد الفعلية التي تثبت مزاعمهم. طلبنا منهم إرسال المزيد من المواد إلينا، لكننا لم نتلق أي شيء منذ ذلك الحين. وتلقى ممثلو السفارات الأخرى ردوداً مماثلة.

وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي تحدثنا إليه هذا الأسبوع أيضاً إن "الوثيقة التي قدمتها لنا إسرائيل في أيار/مايو كانت غير مُقنعة، على أقل تقدير".