"إزفستيا": ما الهدف من قصف موانئ أوديسا؟

تستهدف القوات الروسية القطع البحرية الأوكرانية والمعدات التي تضمن تشغيل مجمعات ميناء أوديسا كل يوم.

  • "إزفستيا": ما الهدف من قصف موانئ أوديسا؟ 

يتناول المؤرخ العسكري ديمتري بولتينكوف في مقالة له بعنوان "مهارات أساسية"، نشرتها صحيفة "إزفستيا" المسكوفية، أهداف الهجمات الروسية على موانئ مدينة أوديسا في أوكرانيا.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة، كان للبحرية الأوكرانية قواعد للسفن والزوارق في أوديسا وأوتشاكيف وبيرديانسك وماريوبول. كما تقع العديد من المرافق الساحلية التابعة للبحرية الأوكرانية، من القواعد البحرية ومراكز التدريب ومراكز الرادار والقوات المساعدة الأخرى، على أراضي أوديسا ونيكولاييف وفي مناطق أخرى.

خلال ربيع وصيف العام 2022، أصبح الهيكل البحري للبحرية الأوكرانية شبه معدوم. إذا أهملت بعض القوارب، فإن إطلاقها في البحر هو بالتأكيد طريق ذو اتجاه واحد. يشار إلى أن فولوديمير زيلينسكي نُقل مؤخراً إلى جزيرة الأفعى على متن قارب بمحرك عادي. في الوقت نفسه، بدأت البحرية الأوكرانية في تطوير اتجاه الأنظمة البحرية غير المأهولة (المسيرة) بنشاط، حيث تبحر كل هذه القوارب والمركبات تحت سطح الماء. لم يتناول الحديث عن توقف صفقة الحبوب في 18 تموز/يوليو 2023، أوديسا ومقاطعتها بشكل خاص، لكن الهجوم الأوكراني على جسر القرم رفع جميع القيود، وأصبحت صفقة الحبوب نفسها شيئاً من الماضي.

نتيجة لذلك، تستهدف القوات الروسية القطع البحرية الأوكرانية والمعدات التي تضمن تشغيل مجمعات ميناء أوديسا كل يوم. على وجه الخصوص، دمرت قواتنا بالفعل الورش الملحقة التي تجمع فيها أنظمة الزوارق البحرية المسيّرة، ومنشآت عسكرية أخرى في أوديسا وتشرنومورسك ونيكولاييف ومدن أخرى. لكن لم تمس قواتنا ميناء يوجني بعد. في المناسبة، كانت القوات البحرية الأوكرانية ستنقل إلى هذا المرفأ تحديداً مركز قوارب الدفاع الساحلي من نوع "آيلاند".

يدعو بعض المعلقين إلى تحويل مجمعات الموانئ البحرية التي تسيطر عليها أوكرانيا إلى غبار. لكن هذا مستحيل. الميناء البحري عبارة عن مجمع بنى تحتية معقد يتكون من أرصفة ومرافق تخزين وإعادة شحن، ومستودعات وسكك حديدية ومستوعبات ورافعات. كما أن الأرصفة نفسها عبارة عن منشآت هندسية هيدروليكية، وعادة ما يتم بناؤها من الإسمنت المسلح القادر على تحمل آثار الأمواج البحرية التي تصل قوتها إلى 10 نقاط.

أوديسا، في الواقع، هي مركز نقل بحري يتكون من 3 موانئ: مجمع ميناء أوديسا نفسه، وموانئ تشيرنومورسك (التي كانت تسمى "إيليتشيفسك" سابقاً) وميناء يوجني. في الميناء الأخير ينتهي خط أنابيب الأمونيا الوحيد في العالم "تولياتي"، حيث يقع مجمع معالجة هذه المادة.

يبلغ طول رصيف ميناء أوديسا 10.2 كيلومتراً، وتشيرنومورسك 6 كيلومترات، وميناء يوجني 2.7 كيلومتراً، وهو كان الأكبر في أوكرانيا من حيث حجم استيراد البضائع وتصديرها في عام 2020 (ما يقرب من 62 مليون طن). لتدمير هذه الأرصفة، يلزم آلاف الأطنان من المتفجرات، ما يجعل مهمة التدمير الكامل للميناء بالوسائل التقليدية غير واقعية.

من الجدير بالذكر أنه قبيل انسحاب القوات السوفياتية من أوديسا في تشرين الأول/أكتوبر 1941 والألمانية في نيسان/أبريل 1944، بذل الجيشان جهوداً كبيرة لتخريب الميناء حيث يكون من الصعب على العدو استخدامه، لكن مهمة التدمير الكامل للأرصفة لم توضع في الحسبان آنذاك بسبب استحالة تنفيذها. بشكل عام، خلال الحرب العالمية الثانية، كانت حالات التدمير الكامل للموانئ نادرة للغاية. كان إغراق سفينة عند مدخلها أسهل بكثير من إهدار المتفجرات والوقت لتدمير مرافق رسو السفن فيها.

من أجل تدمير المراسي في ميناء مثل أوديسا، من الضروري تنظيم غارة جوية قوامها ألف قاذفة على هدف واحد. لذلك قصف البريطانيون مدن الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. حتى في هذه الحال، فإن التدمير الجزئي، ناهيك عن التدمير الكامل للأرصفة، هو سؤال مشكوك فيه للغاية.

من المنطقي أكثر أن تضرب المنشآت الرئيسة في منطقة الميناء، والتي تتألف من مجمعات المحطات الأرضية أو نقاط مراقبة حركة السفن أو رافعات الميناء. والرافعات تحديداً تعتبر أهدافاً مناسبة، فهي أجسام معدنية كبيرة نسبياً يمكن ملاحظتها عن بعد. بدونها، لا يمكن إجراء عمليات التحميل والتفريغ يدوياً إلا على أكتاف حمالين أشداء كما كانت الحال في زمن روسيا القيصرية، لكن كيف سيعثر الأوكرانيون على هؤلاء الحمالين الآن؟ وعندما نقصف رافعات الميناء تغدو مناشدات وزير الخارجية الأوكرانية بشأن "قوافل السلام" شيئاً من الماضي.

نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف.