أزمات الرأسمالية بين الديون والكوارث المصرفية

من أجل تغطية الفساد السياسي والمالي في إدارة بايدن، صدرت تعليمات لوسائل الإعلام الخاصة لتحويل تركيزها إلى "الأعداء الأشرار"، مثل الصين وروسيا وإيران وفنزويلا والهجرة "غير الشرعية".

  • أزمات الرأسمالية بين الديون والكوارث المصرفية
    أزمات الرأسمالية بين الديون والكوارث المصرفية

كتب جيف ماكلر، في موقع "counterpunch"، مقالاً يتحدث عن أزمة الدول الرأسمالية الأخيرة المتمثلة في تعثر المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا، وأزمة الديون في الولايات المتحدة.

وفيما يلي نص المقال بالعربية:

قدم الرئيس الأميركي بايدن مقترحه للموازنة العامة البالغة 6.8 تريليون دولار، في أول الشهر الجاري، ليتبعها بعدة أيام انهيار نصف دزينة من المصارف الأميركية، في تماثل مع بداية الأزمة الكبيرة بين عامي  2008 و 2009.

كما جرت العادة، ناشد الرؤساء التنفيذيون للبنوك الفاشلة للحصول على قروض توفر سيولة نقدية، قد لا تنقذها ولكنها تخفف على الأقل من حدة الارتطام بالقعر. مع ذلك، انتشرت موجات الصدمة في جميع أنحاء العالم، وتم شراء البنوك الكبرى المتعثرة من قبل أخرى عملاقة، وخلال الأسبوع الماضي أفادت قناة "بلومبيرغ نيوز"، أن حوالى 600 مليار دولار من القيمة السوقية للأسهم قد تبخرت من أكبر 70 مصرفاً أميركياً وأوروبياً.

في هذه الأثناء، طاقم بايدن وحاشيته الإعلامية سعيدون، بالترويج لأهداف ميزانيته الجديدة، لخفض الديون الأميركية غير المسبوقة بنحو 34.1 تريليون دولار، عبر فرض ضرائب على الأثرياء. وعلى الفور توقعت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "خطة بايدن من غير المرجح أن تمر".

مع ذلك، أهملت وسائل الإعلام الخاصة ملاحظة أن مبلغ 2.8 تريليون من ميزانية بايدن المقترحة، كان من المقرر تأمينها عن طريق زيادة حجم الدين بدلاً من خفضه حسب الوعود السابقة للإدارة. والأسوأ من ذلك، أن في قرار بايدن تقديم المساعدات للمصارف "الكارثية"، ليس سوى خدمة للأثرياء وبزيادة ديون الولايات المتحدة لتصل إلى أرقام فلكية.

وعود بايدن السابقة، بفرض ضرائب على الأثرياء، ليست أكثر من تعبير لفظي لم يطلق ليعمل به. وشركات النفط "الجشعة" رفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة مضاعفة أرباحها عدة مرات. وكذلك هم مستغلو الحروب يستفيدون بضراوة من حرب أوكرانيا، التي حرضت وخططت لها الولايات المتحدة، وتديرها إدارة الرئيس جو بايدن.

من أجل تغطية هذا الفساد السياسي والمالي، صدرت تعليمات لوسائل الإعلام الخاصة لتحويل تركيزها إلى "الأعداء الأشرار"، مثل الصين وروسيا وإيران وفنزويلا والهجرة "غير الشرعية". وبالتزامن، أصدر مجلس النواب الأميركي قرارا بدعم من "الحزبين" يدين "الاشتراكية"، باعتبارها الشر المطلق.

في عهد إدارة جو بايدن اليوم، وأسلافه في سدة الرئاسة، سواء كلينتون أو بوش أو أوباما أو ترامب، لم يدفع فاحشو الثراء الضرائب الواجبة، ولا حتى أقل القليل منها. وكشفت وثائق من دائرة الإيرادات الداخلية تم نشرها، أن جيف بيزوس من "أمازون"، وإيلون ماسك من "تسلا"، ومثيلهما كثر، لم يدفعوا أي أموال تقريباً لمصلحة الضرائب الفيدرالية. وفي بعض السنوات لم تدفع أي ضرائب على الإطلاق. لا شك أن أفعال المتهربين من الضرائب كانت تتوافق تماماً مع قوانين الضرائب الأميركية، التي تتيح لهؤلاء وغيرهم من مخططات جاهزة وسهلة للإعفاءات الضريبية.

لا يوجد خلاف على أن اقتراح الميزانية لإدارة بايدن، لا يمكن تمريره دون موافقة الكونغرس على رفع الحد الأقصى، المفروض على الحد الذي يمكن للحكومة أن تقترضه لدفع فواتيرها، أي لطباعة المزيد من النقود الورقية أو إصدار سندات خزانة جديدة، لتجنب إعلان إفلاس أغنى دولة في العالم. ناهيك عن المبالغ الخيالية لإنقاذ البنوك والشركات الكبرى. وما تفعله إدارة بايدن اليوم، كان هو نفسه في عهد جورج بوش الابن، وباراك أوباما، حيث أنفقت عشرات التريليونات من الدولارات لإنقاذ البنوك الأميركية المفلسة.

لم تدخر الطبقة الحاكمة اليوم شيئاً للحفاظ على نظامها المعيب بطبيعته. لقد تم تخفيض قوة النقابات الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ قرن، مما أعطى نخبة الشركات قدرة جدية في تحديد أجور العمال، وممارسة الاحتكار والفساد العميق الذي يهدد شرائح اجتماعية واسعة بالعوز الشديد.

ظهور الصين كقوة عالمية

تبرز الصين كمنافس رئيسي للإمبريالية الأميركية في الأسواق العالمية، بقيادة أكثر من 1000 ملياردير صيني، مقارنة بنحو 780 ملياردير في الولايات المتحدة، الأمر الذي يفسر بشكل كافٍ العداء الأميركي المتصاعد للصين. وبحلول عام 2028، من المتوقع أن يتجاوز الاقتصاد الصيني اقتصاد الولايات المتحدة. 

وأظهرت بيانات مقنعة أن دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية سرّع من تراجع التصنيع في أميركا. و قدّر تحليل أجراه معهد "السياسة الاقتصادية" غير الربحي، وهو مؤسسة بحثية ذات توجه عمالي،  أنه في عام 2020، أدى العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين لوحدها أدى إلى خسارة 3.7 مليون وظيفة في البلاد.

اليوم، بعد 22 عاماً من انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، لم يعد اقتصاد الصين يعتمد على الاستثمارات الأميركية. وفي الواقع، فإن البنية التحتية الصناعية والتكنولوجية في الصين، بما في ذلك "مبادرة الحزام والطريق" المتضمنة ثلث التجارة العالمية، وأكثر من 60 في المائة من سكان العالم، تنافس بشكل متزايد الولايات المتحدة، إن لم تكن تفوقها. 

لقد سعى النظام الرأسمالي العالمي المليء بالأزمات اليوم، إلى حل هذه التناقضات المتأصلة، على حساب العمال في كل مكان. بالإضافة إلى الاستمرار بتبديد ميزانيات تضخم بشكل دائم للحروب الأميركية التي لا نهاية لها.

إن التحدي الفعال للوحش الإمبريالي، يستلزم بناء وعي ثوري عميق الجذور، تحمله الجماهير في كل مكان، بهدف توحيد نضالاتهم لتشكيل بديل واقعي للنظام الرأسمالي الجشع.

 

نقلها إلى العربية: حسين قطايا