العبرة الإيرانية
لا وعد بتجريد بعيد المدى، ولا طريقة للرقابة على تفكيك المنشآت النووية، ولا تطرُّق إلى برنامج الصواريخ أو لحقوق الإنسان. يبدو مألوفاً؟ رغم أن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وقعتا على إعلان نوايا فقط، المشاكل الأساسية التي دفعت نتنياهو وترامب للخروج ضد الاتفاق النووي مع إيران يمكن أن تكدّر الحفلة في سنغافورة.
طول الوثيقة الموقعة بين الرئيس ترامب والحاكم الكوري الشمالي أمس هي صفحتان فقط. الاتفاق الموقع بين القوى الكبرى وإيران قبل ثلاث سنوات بلغ 18 صفحة، فضلاً عن الملاحق. كان هدفها مختلفاً أيضاً: ترامب وكيم جونغ أون توصلا إلى إعلان نوايا فقط حول تجريد نووي عام، بينما التزم الإيرانيون بالتفصيل في عام 2015 بتجميد البرنامج النووي. على الرغم من الفوارق، من الآن يمكن رؤية قاسم مشترك: الكثير من المشاكل الأساسية التي أفشلت الاتفاق مع إيران تكمن بين سطور الاتفاق مع كوريا الشمالية.
معضلة اليوم التالي
كانت إحدى المشاكل الرئيسية في الاتفاق النووي الإيراني هي الإطار الزمني المحدود. على الرغم من أن إيران تعهدت بتجميد تخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما، إلا أنه لم يتم وضع أي بند يمنعها من إعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي بمجرد انتهاء الاتفاق. والمعنى: أن إسرائيل وإدارة ترامب خشيا من أن تستأنف طهران برنامجها النووي بعد عدة سنوات، وبمجرد رفع العقوبات.
كذلك لا توجد أي إشارة لجدول زمني في إعلان كوريا الشمالية. وبدلاً من ذلك، إنه يتضمن فقط إعلانات عامة حول سلام مستقبلي وتجريد شبه الجزيرة الكورية من النووي من دون الالتزام بنزعٍ كامل وأبدي، ما يترك المجال للكوريين الشماليين، كما فعلوا في الماضي، بأن يعيدوا تفعيل برنامجهم النووي متى رأوا ذلك مناسباً وحالما تسمح الظروف بذلك.
الجدل حول الرقابة
في وقت قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي، أعلن الرئيس ترامب أن "الاتفاق يفتقر إلى آليات مناسبة لمنع الغش وتحديده والمعاقبة عليه". لكن الطلب الجوهري نفسه من جانب إسرائيل وترامب لزيادة الرقابة لا يوجد بعد في سياق كوريا الشمالية. على العكس من ذلك، إعلان الأمس لم يشترط بأي شكل تجريد سلاح كوريا الشمالية ضمن نظام الرقابة المفروض على إيران، ويكتفي بوعد غامض أطلقه كيم جونغ أون "بالعمل من أجل نزع السلاح النووي". وعليه، الولايات المتحدة تترك بيده تحمل مسؤولية الوفاء بوعده - وهو قرار مثير للجدل بالنظر إلى أن النظام في بيونغ يانغ قد تراجع غير مرة عن الاتفاقات السابقة. في كلا الحالتين أيضاً، لم يتم تفصيل ماذا سيُفعل في حال لم تفِ الدول التي تتجرد من النووي بنصيبها من الاتفاق.
تهديد الصواريخ الباليستية
انتقاد مركزي عبر عنه نتنياهو وترامب ضد الاتفاق مع إيران تركّز على تجاهله لبرنامج الصواريخ الإيراني الذي استمر في النمو. في سياق كوريا الشمالية، لا توجد إشارة إلى برنامج الصواريخ الباليستية، وهذا على الرغم من أنها تصدّر تكنولوجيا حيوية لأنظمة الصواريخ لبلدانٍ كثيرة، بما فيها إيران. بعبارة أخرى، في الوقت الذي يعمل فيه ترامب على تجميد برنامج الصواريخ الإيراني، يدير ظهره لبرنامج الصواريخ الكورية الشمالية، الذي يساعد في تسليح الإيرانيين. في الحالتين، اختارت الولايات المتحدة أيضًا تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في طريقها لتوقيع اتفاقيات نزع السلاح النووي.
وداعاً وليس إلى اللقاء
على عكس الإيرانيين، الذين طالبوا برفع العقوبات فور تجميد عملية التخصيب، لم يعِد ترامب برفع العقوبات عن كوريا الشمالية. ومع ذلك، وعد بالعمل على إرساء علاقات، والتطبيع، وحتى أنه ألمح إلى أنه سيفكر بدعوة كيم إلى واشنطن، بزعم ان استئناف العلاقات "سيساهم في السلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية وأن الاتفاق سيؤدي إلى إرساء سلام بين الكوريتين والولايات المتحدة وكوريا الشمالية".
ما المشكلة؟ مثلما سارع الغرب إلى احتضان الرئيس روحاني وإعادة إيران إلى حضن أسرة الشعوب حتى قبل أن تثبت التزامها بنزع السلاح النووي، نفس اجتماع ترامب التاريخي مع كيم أمس يمنح الشرعية للدكتاتور الشاب حتى قبل قيامه ولو بخطوة عملية واحدة من أجل إثبات التزامه بنزع السلاح النووي.