في حرب لبنان الثانية.. هذا هو ثمن الهروب!
في ذكرى انتصار لبنان على إسرائيل وفي اليوم الذي يحتفل فيه اللبنانيون بعيد المقاومة والتحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تعتبر أن الهروب يجر خلفه سلسلة من النتائج الكارثية وتتحدث عما وصفته بإحدى الخطوات المتهورة والواهية في تاريخ إسرائيل، وترى أنه في ذلك الوقت من العام 2000 كان لزاماً الانسحاب، ولكن باتفاق وليس هروباً.
في 24 مايو / أيار 2000 نُفّذت، بحسب إفادات صاحب المصلحة، إحدى الخطوات الاستراتيجية المهمة في تاريخ إسرائيل: فك ارتباط مفاجئ، في ليلة، ودون خسائر، عن لبنان. صاحب الفكرة والمنفّذ، إيهود باراك، شبّه وقال ان الانسحاب "سيجفف المستنقع" و"سينزع من حزب الله الشرعية لحركة المقاومة". ورداً على الانتقادات وبحسبها طريقة الانسحاب ألحقت الضرر بالردع، حكم باراك: "إذا عاد حزب الله لشن هجمات، لبنان ستعلوه النيران".
مرّت 18 سنة وحركة "أربع أمهات" لا تقيم حفلات انتصار. كذلك الإعلام، الذي بث ليل نهار الرياح في أشرعة الأمهات التائهات – رياح سيئة نتيجةً لها وقعت الكوارث الكثيرة منذ ذلك اليوم المرير والمتهور – خرِس. كان يجب الانسحاب من لبنان، كان لزاماً الانسحاب، ولكن باتفاق وليس هروباً. في ظل ذهنية المنطقة، الهروب يجر خلفه سلسلة من النتائج الكارثية. نصر الله عبّر عن هذا بوضوحٍ مثيرٍ للقشعريرة: "إسرائيل"، قال في مهرجان النصر بعد يومين فقط على الهروب، "تبدو قوية من الخارج، لكن من السهل تدميرها وهزيمتها مثل بيت العنكبوت المجتمع الإسرائيلي لن يصمد أمام مزيد من الهجمات الإرهابية والصواريخ.. لا يملك المِنعة للصمود في صراعاتٍ دموية وتلقي خسائر...". لاحقاً دعا نصر الله الفلسطينيين إلى السير في طريق حزب الله. جراء ضعف إسرائيل حيال سقوط ضحايا، وعدهم، سيأتي يوم النصر والتحرير.
الهروب من لبنان تسبب بغليان في الشارع الفلسطيني، الذي طالب عرفات بعمليات على شاكلة نصرالله. عرفات، الذي قرر أصلاً إضرام الدم والنار في "اتفاق أوسلو"، شنّ حرباً إرهابية طويلة ووحشية. يومان فقط على هجومه، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، سار خلفه الفلسطينيون الإسرائيليون. آلاف قطعوا طرقات في وادي عارة والأغوار قُطعت عن الساحل. زجاج سيارات حُطم وسائقون وركاب يهود هوجموا. مستوطنات حوصرت، وأُحرقت مراكز شرطة ومبانٍ حكومية.
الشاباك واستخبارات الشرطة – أسيرا مفهوم الولاء الأساسي من العرب للدولة – لم يتوقعا ما يحصل ولم يعززا الشرطيين القلائل الذين أراد الآلاف من المشاغبين محاكمتهم ميدانياً. واضطر الشرطيون لإطلاق ذخائر حية قُتل جراءها 12مواطناً عربياً.
باراك، الذي لم يصمد أيضاً هذه المرة أمام الضغط، اضطر لإنشاء لجنة تحقيق، لكن ليس لأجل التحقيق في الثورة والتعاون بين مثيريها وعرفات، بل من أجل التحقيق في مسلكية الشرطيين الذين كانوا عرضة لخطر الموت. في حرب عرفات – أوسلو نفسها قُتل 1056يهودياً، وهم أيضاً ضحايا الهروب من لبنان.
فور الهروب من لبنان، حزب الله سيطر على الخط الحدودي مع إسرائيل وهاجم مزارع شبعا. بعدها قتل وخطف جنوداً ومدنيين. في المقابل، الأمر الذي أثبت صحة عقيدة "بيت العنكبوت"، أطلقت إسرائيل – في ثلاث صفقات إذعان مهينة – آلاف المخربين مقابل إسرائيلي واحد موضع شكوك وخمس جثث.
في حرب لبنان الثانية، وهي الأخرى بالضرورة نتيجة لذلك الهروب، قُتل 144جندياً و44 مدنياً. صحيح أن معاقل حزب الله تضررت، لكن بغبائنا تركناه يستعيد عافيته. اليوم لديه أكثر من 100 ألف صاروخ، بعضها موجّه نحو أهدافٍ حساسة جداً. حتى معهد أبحاث الأمن القومي، الذي مواقفه بعيدة عن مواقفي، يزعم أن حزب الله يشكل اليوم أكبر تهديدٍ تقليدي لإسرائيل.
هذا بعض تاريخ الهروب، إحدى الخطوات المتهورة والواهية في تاريخ إسرائيل.