ثمن المساعدات الأمنية

في ذروة لحظات شعوره بالنشوة، التي تشبث بها رئيس الحكومة أمس على مسامع رؤساء "آيباك" عن التعاون الأمني غير المسبوق بين إسرائيل والولايات المتحدة، كان هناك تحديداً من تمالكوا أنفسهم كي لا ينفجروا بالبكاء.

وزارة الأمن ليس لديها حل لأن رئيس الحكومة وقّع على المذكرة الجديدة قبل سنتين ونصف من نفاذ السابقة

وهذا لم يكن بكاء انفعال وسكرة مشاعر أمام الخطاب اللامع لنتنياهو، بل بكاء 22 ألف موظف في الصناعات الأمنية الإسرائيلية الذي سيخسرون عملهم بالتدريج بدءاً من السنة القادمة. السبب: نفس مذكرة التفاهم التي سارع نتنياهو للتوقيع عليها مع إدارة أوباما قبل سنة ونصف. لكن العناق في واشنطن قوي إلى حد، من يتذكر صغائر الأمور؟! بين إيران، وسوريا والفلسطينيين، من المشكوك فيه أنه كانت هناك لحظة واحدة لرئيس الحكومة كي يبحث المذكرة المختلة وإفساد العلاقات مع الصديق في البيت الأبيض.
عند توقيع المذكرة في سبتمبر / أيلول 2016 كان من الواضح لقادة المؤسسة الأمنية أنه سيكون لها تأثير سلبي على الصناعات الأمنية الإسرائيلية، لكن أحداً لم يقدّر كم هي سيئة. كلهم كانوا مبهورين بالمبلغ غير المسبوق – 38 مليار دولار على مدى عقد بدءاً من سنة 2019 – الذي سنحصل عليه من الولايات المتحدة. وهذا على الرغم من أنه تبين بتحليلٍ اقتصادي ان الأموال التي تدفقت لأمن إسرائيل في المذكرة السابقة، التي تنتهي في السنة القادمة، لم تنزل واقعياً عن هذا المبلغ وساهمت في اقتصاد إسرائيل والصناعات الأمنية أكثر بكثير من مبلغ أوباما.
في الأسابيع الأخيرة وُضعت على طاولة رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمن القومي ووزراء الأمن والمالية والرفاه ورقة عمل أُعدّت في وزارة الأمن وتفصّل تداعيات المذكرة على الصناعات الإسرائيلية. الخلاصة: التنازل الإسرائيلي عن حوالي 26% من ميزانيات المساعدة الأمريكية التي تُحوّل إلى شواكل وأمكنت من إنتاجٍ في إسرائيل، سيؤدي إلى انهيار الصناعات الأمنية الصغيرة والمتوسطة، وغالبيتها في الضواحي والأرياف. المعنى هو أن 22 ألف عامل هناك، غالبيتهم من سكان الضواحي والأرياف، سيفقدون عملهم بالتدريج بدءاً من سنة 2019. والسبب؟ مع عدم التحويل إلى شواكل، ستنتقل الوظائف إلى الولايات المتحدة وإسرائيل ستخسر ما بين 7 إلى 8 مليار شيكل من الناتج القومي حيث ان ميزانية الأمن للشراء من الصناعات الأمنية الإسرائيلية وشراء قطع غيار من أوروبا ستخسر حوالي مليار شيكل في السنة. بالإضافة إلى أن الشراء من الولايات المتحدة أكثر كلفة من الناتج المحلي، ومدفوعات التوسط للبنتاغون لا تُلغى. وهكذا عملياً، مقابل كل دولار ستحصل إسرائيل على منتجات لأمنية أقل مقارنةً بالمشتريات في إسرائيل.
كما أن هناك أيضاً خطر أن يؤدي انتقال إنتاج وسائل قتالية من إسرائيل إلى الولايات المتحدة إلى نقل معرفة وخبرة مهنية ومن الممكن هروب أدمغة لأنه في صناعة الوسائل القتالية هناك ارتباط مباشر بين مطوّر المنتج والصانع.
وزارة الأمن ليس لديها حالياً حل للأزمة الماثلة أمام الباب لأن رئيس الحكومة استعجل التوقيع على المذكرة الجديدة قبل سنتين ونصف من نفاذ السابقة. والآن ليس لديه القدرة أيضاً، أو الشجاعة، لمحاولة تصحيح هذا الأمر مع إدارة ترامب الصديقة. عملياً، وزارة الأمن تضع المعطيات أمام رئيس الحكومة والمالية كي يقررا: إما أن تعطيا أموالاً أو تتبنيا حلاً آخراً يحول دون إغلاق المصانع في إسرائيل ورمي عشرات آلاف العمال في الشارع.