ضربة على الوجه

ما العمل مع عهد التميمي؟ لو كان عليّ أن أكتب مؤلفاً في موضوع "كيف نجعل إسرائيل تخسر بصورة غبية في حربٍ إعلامية مقابل كل العالم من أجل كسب بعض الأصوات في الانتخابات القادمة" لكنتُ كتبت عن هذا. كنتُ لأصف ما الذي فعله سياسيونا بصفعة وركلة فتاة شقراء إبنة 16 سنة لضابط في الجيش الإسرائيلي دخل إلى باحة منزلها، في قرية النبي صالح قبل شهر ونصف. 

وقّع مليون و700 ألف شخص من كل أنحاء العالم، على عريضة تطالب إسرائيل بإطلاق سراح عهد التميمي

أعزائي السياسيون، لا ينبغي على الضابط أن يكون ضابطاً فقط بل و"جنتلمان". وينبغي على "الجنتلمان" أن يكون قادراً على تلقّي صفعة، بل وحتى ركلة، من فتاة دون أن يرد. كم من المؤسف أن ما يعرفه النقيب والرقيب أول في الجيش لا يعرفه وزير أمنهما الانفعالي (ليبرمان)، الذي تسرّح من الجيش الإسرائيلي برتبة جندي أول.

بدل أن نقوم بكل الهراء الذي فعلناه وسنفعله بعهد التميمي، من فضلكم إقرأوا ما يلي ثم فكروا مرة أخرى.
إن دولة تصاب بالهلع وتستشيط غضباً وتهوج وتموج من صفعة وركلة، هي دولة قدرة تحملها صفر. إسرائيل هي قوة عظمى نووية (بحسب منشورات أجنبية)، لكن ليس لديها قدرة على تحمل حتى صفعة وركلة؟ إذا كنا ندخل في حالة ضغط من فيلمٍ كهذا، ماذا سنفعل عندما تطير علينا الصواريخ، الأمر الذي قد يحصل قريباً، وكذلك تصيب هنا وهناك؟
إلى اليوم وقّع مليون و700 ألف شخص من كل أنحاء العالم، والأغلبية نسوة، على عريضة Avaaz التي تطالب إسرائيل بإطلاق سراح عهد التميمي فوراً. كل توقيع كهذا هو إنجاز إضافي يقوّض ليس فقط الاحتلال بل نفس حق إسرائيل بالوجود كدولة مستقلة في الشرق الأوسط. ونحن نخدمهم مثل الحمقى.
لا فرصة لنا – وأنا أقول هذا كعالم نفس عيادي يفهم شيئاً في الإعلام – بالفوز في معركة إعلامية أمام فتاة شقراء جميلة. هناك معارك ممنوع خوضها، هذه إحداها. المثل الإنكليزي ينصحنا: "اختر معاركك بحكمة". يجب معرفة أين ومتى تقاتل وأين ومتى لا. هكذا تصرّف ولا زال يتصرّف الجيش الإسرائيلي، على الجبهة الشمالية. كم من المؤسف أن رئيس حكومتنا ووزير أمننا ينظران في مسألة عهد التميمي إلى الانتخابات المقتربة فقط وليس إلى الجبهة الإعلامية.
في الحقيقة، ما الذي أردتم من عهد التميمي أن تفعله؟ أن ترش الأرّز على جنودنا؟ أن تقدّم لهم قهوة مع هال، سويةً مع أمها؟ لقد دخلوا إلى منزلهما ووقفوا في باحته دون دعوة.
إصابتنا بالذعر حيال عهد التميمي يميّع الفارق بين القتل والاحتجاج، وهذا ليس غبياً فقط بل وخطير. منذ صفعة عهد التميمي قُتل حاخامان. لكن إذا حكمنا وفق حركة التواصل على الانترنت والشبكات الاجتماعية، فعلة عهد التميمي كانت أخطر وأفظع. وليس فقط على الشبكة. كتابة "الإعدام لعهد التميمي" في عتمة الليل في قريتها يدل ليس فقط على بربرية بل وأيضاً على غباء حقيقي في معسكر اليمين المتطرف. وهذه لم تعد مشكلة أخلاقية فقط بل ومشكلة إدراكية أيضاً.
من الصعب أن أقول هذا بلطافة أكثر: طلعنا مسخرة في قضية التميمي. مثيرين للشفقة. دولة كاملة دون حس فكاهة. حقيقة إننا دهمنا قريتها في عتمة الليل، من أجل اعتقال هذه المخربة الخطيرة في عملية مغطاة إعلامياً جيداً، لا تدل على قامة وطنية بل على جبن وانهزامية.
أنا شبه واثق من أن فكرة اعتقالها لم تكن من رئيس الأركان، ولا حتى رئيس الشاباك، بل من السياسيين المصابين بالذعر والهستيريا الذين يديرون هذه الدولة.