المعركة ضد البرنامج النووي الكوري الشمالي هي أيضاً معركة ضد البرنامج النووي الإيراني
هناك عدة بدائل للرئيس الأميركي دونالد ترامب في مواجهة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون كلها إشكالية وبعضها خطير، وهي تتراوح بين احتواء كوريا الشمالية كدولة عظمى نووية ومروراً بالدبلوماسية والعقوبات وانتهاءً باستخدام السايبر والقوة العسكرية. المعركة الجارية الآن حول برنامجها النووي يمكن أن تقدم عبراً هامة لمواجهة إسرائيلية محتملة في المستقبل مع حالة مشابهة في إيران.
المشادات الكلامية التي تبادلها ترامب مع كيم جونغ أون خلال الأيام الأخيرة هي من أشد وأخطر ما سُمع منذ الاستخدام الأول والأخير للسلاح النووي ضد اليابان أواخر الحرب العالمية الثانية. فجونغ اون يقوم بإجراء التجارب على القنابل والصواريخ، ويهدد بضرب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في آسيا. فيما يريد ترامب وقف هذا السباق ويوجه تهديداته لجونغ اون. ويقوم كل منهما بوصف الآخر بأنه مريض نفسي، ويهدد كل طرف بتدمير خصمه. وقد أعلن جونغ اون بأنه سيجري تجربة على قنبلة هيدروجينية في المحيط الهادي، ورد ترامب بإرسال القاذفات الإستراتيجية إلى حدود كوريا الشمالية. فيما يراقب العالم هذا الصراع بقلق متزايد.
هناك عدة بدائل لترامب في مواجهة جونغ اون، كلها إشكالية وبعضها خطير. وهي تتراوح بين احتواء كوريا الشمالية كدولة عظمى نووية ومروراً بالدبلوماسية والعقوبات وانتهاء باستخدام السايبر والقوة العسكرية:
القبول بكوريا الشمالية كدولة عظمى نووية: كوريا الشمالية لم تصبح بعد دولة نووية عظمى. وهي ستصبح كذلك بعد أن تثبت أنها قادرة على إنتاج وتصغير الرؤوس النووية وتركيبها على صواريخ باليستية بعيدة المدى، والتي يكون بوسعها الوصول إلى أي مكان في الولايات المتحدة الأمريكية. ويوجد في واشنطن، وبخاصة أشخاص من إدارة أوباما سابقاً المسؤولون سواء عن سياسة رئيسهم الضعيفة تجاه كوريا الشمالية وسواء تجاه الاتفاق النووي مع إيران، يقولون إن القطار النووي الكوري الشمالي قد انطلق وإنه ليس بالإمكان وقفه. وهم يضيفون أن التحول إلى قوة نووية سيجعل نظام جونغ اون أكثر هدوءاً وأكثر اعتدالاً، وسيفضي إلى ردع متبادل من النوع الذي ميّز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة. إلا أن هذا النهج يتجاهل الطبيعة الرهيبة للنظام في بيونغ يانغ ويفترض أنه عقلاني، ومن شأن تبنيه (النهج) أن يسرِّع في تحول إيران ودول أخرى، مثل اليابان وكوريا الجنوبية في آسيا، ودول مثل السعودية ومصر وتركيا في الشرق الأوسط، إلى قوى نووية.
اتفاق على غرار إيران: هناك من يدعي أنه يجب حل الأزمة عن طريق إجراء مفاوضات تقترح على جونغ اون اتفاقاً نووياً على غرار إيران، محسناً قليلاً، لمدة عقد وما فوق. وهو سيلتزم، في اتفاق كهذا، بوقف برنامجه النووي وإرجاعه إلى الوراء، إلى جانب القبول برقابة دولية صارمة من قبل الوكالات المعنية التابعة للأمم المتحدة، وذلك في مقابل إلغاء العقوبات التي فُرضت مؤخراً ومنحه محفزات اقتصادية. إلا أن جونغ اون مصمم على تحويل بلاده إلى قوة نووية عظمى، بسرعة وبأي ثمن. وكوريا الشمالية كانت قد انتهكت اتفاقات نووية وقعت عليها سابقاً، وهناك في الاتفاق النووي الإيراني الكثير من العيوب ومن غير المرجح أن يوافق ترامب، الذي انتقده بشدة، على طرح مخطط مشابه مع جونغ اون.
حل على غرار حل أزمة الصواريخ في كوبا: في شهر تشرين الأول / أكتوبر 1962 اندلعت أزمة خطيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفييتي وذلك عندما قام الأخير بنصب صواريخ تحمل رؤوساً نووية في كوبا، والتي غطت كل الأجزاء الشرقية من الولايات المتحدة. ووقفت الدولتان العظميان على شفا مواجهة نووية مباشرة. وبرر الاتحاد السوفييتي هذه الخطوة الاستفزازية والخطيرة بوصفها وسيلة مشروعة للدفاع عن حليفه فيدل كاسترو، الذي حاولت الولايات المتحدة إسقاطه. وانتهت الأزمة باتفاق فكك بموجبه الاتحاد السوفييتي الصواريخ وأعادها إلى أراضيه في مقابل التزام الولايات المتحدة بالكف عن القيام بمحاولات أخرى لإسقاط نظام كاسترو. وإذا ما كان جونغ اون يقوم بتطوير قدرة نووية بهدف ضمان بقاء حكمه فإنه من المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق مشابه للاتفاق مع كوبا، والذي يلتزم فيه بوقف وربما تفكيك جزء من البنى التحتية النووية التي بناها في مقابل التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالامتناع عن إسقاطه. إلا أن مستوى عدم الثقة المرتفع الذي تطور بين الزعيمين، وإصرار جونغ اون على الوصول إلى مكانة الدولة العظمى النووية، سيجعلان من الصعب جداً تطبيق هذا الحل.
فرض العقوبات: قامت الأمم المتحدة مؤخراً بفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية في قطاعي التجارة والطاقة، وهذه المرة بمشاركة الصين وروسيا. والصين هي العنصر الأهم وذلك لأن 90% من تجارة كوريا الشمالية هي مع الصين. وقد أعلنت الصين أنها ستطبق العقوبات، إلا أنه ليس من الواضح مدى استعدادها لتنفيذها حتى النهاية. وعلى مدى سنوات لم تنجح العقوبات في دفع زعماء كوريا الشمالية للتراجع عن برنامجهم النووي. وهم محصنون جيداً إلى درجة لا يمكن معها أخذ زيادة الضغط على السكان بالاعتبار. ومن المؤكد أن إيران ستكون مسرورة للتعويض عن خسارة (كوريا) جزء من النفط والغاز الذي تحصل عليه من الصين.
استخدام القوة العسكرية: إن لدى الولايات المتحدة الأمريكية عدداً من البدائل العسكرية والتي تشتمل على تصفية جونغ اون وكبار المسؤولين في نظامه وذلك بهدف تحييد قدرتهم على اتخاذ القرارات، وتوجيه ضربة جراحية للمنشآت النووية الكورية الشمالية وللمنظومة الصاروخية والمدفعية الموجهة إلى العاصمة الكورية الجنوبية سول. وأي استخدام، من هذا القبيل للقوة، هو خطير جداً وذلك لأنه يتطلب تحقيق المفاجأة والمعلومات الاستخبارية الدقيقة، وهو الأمر الذي من غير الواضح إذا ما كان يتوفر للولايات المتحدة الأمريكية. وبعد هجوم كهذا قد يبقى لدى كوريا الشمالية ما يكفي من القوة لتوجيه ضربة قاسية لسول التي يعيش فيها حوالي عشرة ملايين نسمة وتبعد حوالي 50 كيلومتر فقط عن حدود الجارة الشمالية. وبالإضافة إلى ذلك فإنه من المرجح الافتراض أنه لن يكون بوسع الولايات المتحدة الأمريكية استخدام القوة العسكرية بدون التنسيق مع كل من كوريا الشمالية واليابان. وأية خطوة شبه عسكرية – مثل نصب قوة نووية تكتيكية على أراضي كوريا الجنوبية هو كابوس بالنسبة للصين. كما يمكن لاستخدام هذا الأمر أن يؤدي إلى ضغط دبلوماسي شديد من جانب الصين على جونغ اون.
هجوم السايبر: تقوم الفكرة على شل منظومات القيادة والسيطرة وشل الأسلحة النووية والتقليدية لكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن الكثير من الدول تقوم بتطوير وسائل هجومية من هذا النوع إلا أنه لم يتم إلى الآن استخدامها في الواقع في زمن حقيقي، وليس من الواضح إذا ما كانت ستكون مفيدة بالشكل الكافي. ويوجد لكوريا الشمالية قدرات دفاعية وهجومية في مجال السايبر إلا أن حجمها وعمقها غير واضحين.
إن كل هذه البدائل إشكالية، وبعضها خطير. ومن المرجح أن الولايات المتحدة ستقوم باستخدام عدد منها في آن معاً أو بشكل منفصل. والمواجهة الأمريكية مع كوريا الشمالية حاسمة بالنسبة لإسرائيل وذلك بسبب العلاقة الوثيقة القائمة في المجال النووي وفي مجال تطوير الصواريخ بين كوريا الشمالية وبين إيران والجهود لوقف كل منهما. والفشل في وقف تحول كوريا الشمالية إلى قوة عظمى نووية مُثبَتة سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى فشل الولايات المتحدة الأمريكية في وقف تحول إيران إلى قوة نووية. وقد قررت إيران، بعد أن رأت إفلاس الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي أمام الاستفزازات المتزايدة من جونغ اون، قررت المضي قدماً في استفزاز من جانبها وأجرت تجربة على صاروخ جديد متوسط المدى، يستطيع الوصول الى مسافة حدها الأدنى 2.000 كيلومتر. وهذا المدى يمكِّن من استهداف أي نقطة في إسرائيل. وهذه التجربة، كما هي التجارب السابقة، تشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الذي صادق على الاتفاق النووي مع إيران عام 2014.
لقد قامت كوريا الشمالية بنقل التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ إلى إيران. والقدرة العلمية والصناعية الإيرانية متطورة أكثر بكثير من القدرة لدى كوريا الشمالية، ولذلك هي قد قامت بتحسين المنظومات التي حصلت عليها، كما ستقوم بتطوير تلك التي ستحصل عليها. وعلاوة على ذلك فإن إيران تستطيع الالتزام بكل القيود التي يفرضها الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه إدارة قطاع التطوير والتجارب الخاص بها للقنابل والصواريخ في كوريا الشمالية. وقد مرت سياسة الرئيس ترامب في موضوع الاتفاق النووي مع إيران في عدة تحولات وقرارات إستراتيجية. فهو قد قال وكرر ذلك عدة مرات بأن هذا اتفاق سيء ويجب إلغاؤه. وتم بعد ذلك الحديث عن إدخال تعديلات, وأخيراً، في الأيام الأخيرة، انتقل التركيز إلى فرض تطبيق الاتفاق إلى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة المسؤولة عن الرقابة على الاتفاق. وإذا ما تم استخدام كوريا الشمالية لإجراء التطويرات الإيرانية، فإن فرض الاتفاق النووي لم تعد عملية مناسبة بالمرة. وعلى أية حال فإن المعركة الجارية الآن حول البرنامج النووي الكوري الشمالي يمكن أن تقدم عبراً هامة لمواجهة إسرائيلية محتملة، في المستقبل، مع حالة مشابهة في إيران.
ترجمة: مرعي حطيني