20 عاماً على محاولة تصفية مشعل: الفشل والعبر

من المرجَّح أن خالد مشعل سيجد الفرصة اليوم للاحتفال. فالتقاليد الإسلامية، والتي هو بطبيعة الحال لا يحرص عليها كثيراً، لن تمنعه من الاحتفال بعيد ميلاده العشرين. أو بشكل أدق بمرور عشرين عاماً على اليوم الذي ولد فيه من جديد.

خالد مشعل بعد محاولة اغتياله عام 1997

إن مشعل مدين بحياته لثلاثة أشياء: لآلهة الحظ وللإهمال في عملية الموافقات (اتخاذ القرارات) ولانعدام المهنية لدى عناصر الموساد، وليس بالضرورة أن تكون الأمور بهذا الترتيب. ويتعلق الشق الأول بمجموعة غير قليلة من الأمور التي حدثت بالصدفة وتضافرت مع بعضها البعض في لحظة الحقيقة – حقيقة أن أولاده استقلوا السيارة معه في صباح ذلك اليوم، وأن ابنته قد خرجت خلفه وفاجأت منفذي العملية، ووجود أحد نشطاء حماس في المكان، وهو من خريجي المجاهدين في أفغانستان، والذي قاوم المنفِذَيْن وأخَّرَهُما وشوش خطة فرارهما، وكذلك القدرات العالية التي أبداها أحد عناصر الشرطة الأردنية الذي كان متواجداً في المكان والذي أخذ المنفِذَيْن، من أجل إنقاذهما، إلى مركز الشرطة حيث تم هناك التحقيق معهما، واكتشاف أمرهما واعتقالهما.  

 

أما الشق الثاني فهو يرتبط بالمستوى القيادي. فالمصادقة على العملية تمت تحت الضغط، وهي قد أتت في أعقاب سلسلة من العمليات التي خلَّفت عدداً كبيراً من الإصابات في القدس ودفعت المستوى السياسي برئاسة رئيس الحكومة نتنياهو للبحث عن "رد" فوري. وتم في المداولات التي جرت طرح اسم مشعل، كما تمت المصادقة على العملية، على الرغم من أن المعلومات عنه كانت شحيحة، وعلى الرغم، بشكل خاص، من تحديد مكان تنفيذ العملية في الأردن رغم الحساسية المفرطة لذلك على خلفية العلاقات الخاصة بين الدولتين. وقد اتضح أيضاً من التحقيقات التي اُجريت بعد وقوع الحادث أن الكثير من الجهات (بما في ذلك وزراء في الطاقم الوزاري المصغر) لم يتم أبداً إشراكهم في عملية اتخاذ القرارات، وأن غيرهم مثل وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان ورئيس "الشباك" (جهاز الأمن الداخلي)، والذين عرفوا أنه قد تم تحديد مشعل كـ "هدف"، لم يتم إخبارهم بأن العملية قد بدأت، وتم إشراكهم في ذلك بعد أن تعقَّدت محاولة التصفية.   

  

ويتعلق الشق الثالث بالعمل المهني لشعبة العمليات (كيساريا) في الموساد – كيف يتم جمع المعلومات، وما هي الوثائق والتغطية المستخدمة، وكيف يتم الإعداد لعملية كهذه، وما هي ظروف تنفيذها أو إلغائها. وقد تركزت الكثير من الشهادات الداخلية الموسعة حول الموضوع وأظهرت وجود سلسلة طويلة من الاخفاقات، التي شكَّلت أرضية لتبادل الاتهامات القذرة داخل الموساد، وأدت كذلك إلى إنهاء مهام كل الذين كانوا على علاقة بالحادثة، على مدى أشهر معدودة. 

 

لقد كان من المفترض أن تتحول العبر من فشل عملية التصفية إلى قواعد صلبة في أية عملية مشابهة لاتخاذ القرارات – على المستوى السياسي وعلى المستوى العملياتي. والسبب في ذلك يكمن ليس فقط في النتائج المباشرة لعملية التصفية الفاشلة، بل لأنه كانت للعملية تداعيات بعيدة المدى، بعضها سيبقى خَفِيّاً إلى الأبد، والتي كان من الممكن تفاديها بالعمل الصحيح – قبل العملية وأثنائها وبعدها.

 

ومباشرة دفعت إسرائيل في مقابل إطلاق سراح الطاقم المنفذ ثمناً تمثل بإطلاق سراح الزعيم المؤسس لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين من السجن (والذي تمت تصفيته بعد سبع سنوات في غزة)، وكذلك إطلاق سراح العشرات الآخرين من السجناء، والتسبب بأزمة دبلوماسية مع كندا التي استخدم المنفذان جوازات سفر خاصة بها. بالإضافة إلى الثمن الرئيسي وهو الضرر الذي لحق بالعلاقات مع الأردن، والذي تم منعه فقط بسبب القرار السريع بإرسال العقار (المصل) الذي أنقذ حياة مشعل للأردنيين، وأكثر من ذلك – بفضل العلاقات الممتازة بين افرايم هاليفي وبين الملك حسين. ومن المشكوك فيه أن تكون مثل هذه العلاقات متوفرة لإسرائيل اليوم في إطار جهودها لترميم العلاقات مع الأردن في أعقاب مقتل المواطنَيْن الأردنيَيْن على يد حارس السفارة.

 

إلا أن الضرر على المدى البعيد كان أكبر بكثير. فالموساد، الذي عُيِّن هاليفي لترؤسه، دخل كنتيجة مباشرة وغير مباشرة لذلك في جمود عملياتي استمر لسنوات، وقد زال هذا الجمود فقط في فترة ميئير داغان. وحماس، في مقابل ذلك، حصلت على فترة من الدلال، وأصبح مشعل نفسه أحد المشاهير في عالم الإرهاب، وإلى شخصية رئيسية في الحركة. وانتهاء مهمته هذا العام كرئيس للمكتب السياسي ستكون بمثابة راحة مؤقتة فقط في مسيرة حياته وذلك في ضوء طموحه المعلن لوراثة أبو مازن كرئيس للسلطة الفلسطينية.     

 

وبعد مرور 20 عاماً فإنه من الواجب التساؤل إذا ما قد تم فعلاً تعلم هذه العبر. على المستوى التنفيذي (العملياتي) الرد على هذا السؤال هو إيجابي إلى درجة كبيرة، وذلك على الرغم من أنه في هذا النوع من العمل لا توجد بوليصات تأمين (مثلما هو الحال في قضية المبحوح، المنسوبة للموساد). أما في ما يتعلق بالجانب السياسي فإن علامات الاستفهام لا تزال على حالها – وبخاصة لجهة كل ما يتعلق بالرقابة على المؤسسات (الموساد و "الشاباك" وسواها – المترجم) وترتيب العلاقات داخلها. وفي إطار المنطق بأن عمليات مشابهة ستجري في المستقبل – ومن خلال الافتراض أنه لن يتم فيها الاعتماد على الحظ فقط – فإن درجة نجاحها ستعتمد على عمليات اتخاذ القرارات المنظمة والحرص على السلوك العملياتي – المخابراتي السليم.

 

ترجمة: مرعي حطيني