لحظة قبل رمضان ... الهدوء الوهمي
في الاسبوع القادم يبدأ شهر رمضان، مع كل الحماسة الدينية والوطنية التي تشعل إوارها محطات البث العربية. وتنتقل الحياة من النهار إلى الليل، حيث يتجول الشباب في الشارع بحثاً عن مجال لتنفيس إحباطهم. ومعقول الافتراض أنه في تقييم الوضع الذي سيسمعه ليبرمان يوم الخميس، سيتلقى تقريراً عن الاستعدادات لرمضان. وسيتعين عليه أن يتخذ قرارات تبدو عادية: تقييد الحركة، تعزيز القوات، نعم أم لا للسماح للشباب بالمجيء للصلاة في الحرم وما شابه. وكل قرار كهذا من شأنه أن يشعل الارض.
-
الكاتب: اليكس فيشمان
- 31 أيار 2016 13:35
في جهاز الامن يعطون الفترة الحالية في المناطق العنوان غير الرسمي "الحرب الوهمية"
في الاستعراضات الاولى التي سيتلقاها وزير الدفاع
الوافد، أفيغدور ليبرمان، سيسمع عن عملية انتحارية لفلسطيني نجحت مؤخراً، بعد عقد
من الزمان لم نشهد فيه عمليات انتحارية. ومع أن جهاز المخابرات اعتقل على مدى السنين،
وفي موجة السكاكين الاخيرة أيضاً، شبكات تنظيمية لتنفيذ عمليات انتحارية (هذه
السنة فقط أحبط أكثر من عشر عمليات كهذه)، إلا أنه في 18 نيسان تلقينا تذكيراً أليماً
في شكل عملية على نمط الانتفاضة الثانية في باص في القدس. ووقع للمخرب الانتحاري
خلل في جهاز تفعيل العبوة، وهكذا مُنع قتل جماعي – ولكن من ناحية محافل الامن فإن
هذه عملية ناجحة.
ما يقلق أذرع الامن هو حقيقة أن هذه العملية خططتها
ونفذتها شبكة تنظيم محلية. فالمخربون الستة، بعضهم قاصرون، ممن وقفوا خلفها
واعتقلوا في بيت لحم، لم يكونوا ينتمون إلى منظمات الارهاب المؤطرة. ومع أنه كان
بينهم سجينان سابقان، ولكن الاربعة الآخرين كانوا غير معروفين على الاطلاق لقوات
الامن. يحتمل أن يكون هذا حدثاً لمرة واحدة، ولكن بنفس القدر قد يكون هذا حدثاً
تأسيسياً، فهذه العصبة تأتي إلى هذا الحد أو ذاك من ذات الخلفية التي جاء منها
الكثير من ضاربي السكاكين. فهل هم الطليعة التي تنذر بتغيير في شكل المواجهة في
الضفة؟
كشف جهاز المخابرات هذا الاسبوع النقاب عن حل لغز
العملية، ولكن الحدث مرّ من تحت الرادار العام بسبب الدراما السياسية التي احتلت
العناوين الرئيسة. فالهدوء النسبي في المناطق يخدر الاحاسيس، ليس فقط لدى الجمهور،
بل وأساساً لدى القيادة السياسية التي تتباهى بهالة النصر كمن قمعت زعماً موجة
الارهاب الحالية. ولكن المعطيات التي تشير إلى انخفاض في حجم العمليات، لا تروي كل
القصة. هذه فترة انتقالية، بين موجة إرهابية واحدة واخرى. إذ أنه لم تحل أي مشكلة
من المشاكل التي أدت إلى اندلاع الموجة الاخيرة.
في جهاز الامن يعطون الفترة الحالية في المناطق
العنوان غير الرسمي "الحرب الوهمية" – وهو تعبير مأخوذ من الايام الاولى
من الحرب العالمية الثانية والتي تتناول الفترة التي بين احتلال بولندا في أيلول
1939 والغزو الالمانية لبلدان الساحل في ايار 1940. ومع أن الدول أعلنت الحرب
الواحدة على الاخرى، إلا أن الجيوش بقيت بلا حراك وانتظرت التطورات. ودعا تشرتشل
هذه الفترة باسم "الحرب الصامتة"، وهو عنوان مناسب أكثر لما يجري عندنا،
إذ أنه يعبر عن الفترة التي بين انفجار وآخر.
لا شك أن حرب الاستنزاف في الاشهر الاخيرة بين أذرع
الامن في إسرائيل والشارع الفلسطيني خلق في الجانب الفلسطيني إحساساً من الاحباط،
انعدام الجدوى والتعب. كما كان للسلطة الفلسطينية، بأجهزتها الامنية، مصلحة في لجم
الاشتعال. فعلى أي حال شارعهم هائج: المظاهرات الجماهيرية في موضوع الضمان
الاجتماعي، أزمة المعلمين تتراوح بين اضراب واضراب وخوف هائل من الفوضى التي قد
تستغلها محافل المعارضة مثل حماس وغيرها. ولكن ما غذى الانفجارات الاخيرة كان ولا
يزال الشاب الفلسطيني الذي ليس له أي التزام للمؤسسة الرسمية. كل مواد الاشتعال
لاستئناف موجة الارهاب توجد في الميدان.
في الاسبوع القادم يبدأ شهر رمضان، مع كل الحماسة
الدينية والوطنية التي تشعل إوارها محطات البث العربية. وتنتقل الحياة من النهار إلى
الليل، حيث يتجول الشباب في الشارع بحثاً عن مجال لتنفيس إحباطهم. ومعقول الافتراض
أنه في تقييم الوضع الذي سيسمعه ليبرمان يوم الخميس، سيتلقى تقريراً عن الاستعدادات
لرمضان. وسيتعين عليه أن يتخذ قرارات تبدو عادية: تقييد الحركة، تعزيز القوات، نعم
أم لا للسماح للشباب بالمجيء للصلاة في الحرم وما شابه. وكل قرار كهذا من شأنه أن
يشعل الارض. وهنا لن تكفي الايديولوجيا أو الفهم السياسي: هنا توجد حاجة للاستماع إلى
رجال المهنة. هذا سيكون اختبار ليبرمان الاول: فهل سيعرف كيف ينصت حتى لو كان تدهور
في الميدان أم سيصدر تعليمات أساسها "أنا هنا".