القصف الروسي من إيران: خطوة استراتيجية مقلقة

حتى لو كانت مصر، السعودية وحتى إسرائيل تفهم اللعبة الروسية ودوافعها الحقيقية ،ومع ذلك فإن التسكع مع روسيا هو لعبة خطيرة من ناحيتها، وهي تجذب بغير إرادتها لتكون أداة لعب على لوحة الشطرنج الروسية.

لتحقيق أهدافها تزيد روسيا بحسب الكاتب تعاونها مع مصر والسعودية، وتعرض عليهما بيع السلاح.
     مع أن أسرة الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية كانت تعرف مسبقا عن نية روسيا مرابطة طائرات قتال وقصف في قاعدة عسكرية في ايران، فان لهذه الخطوة معان استراتيجية بعيدة الاثر عالميا وينبغي لها أن تقلق اسرائيل ايضا.           نشر سلاح الجو الروسي قبل بضعة ايام في قاعدة همدان في غرب ايران طائرات القصف الاستراتيجي من طراز تو 22 (التي يسميها الناتو باكفاير) وطائرات قتالية من طراز سوخوي 34.           وأكد أمس ناطقون رسميون بإسم ايران وروسيا هذه المعلومة بل ونشروا صور الطائرات الروسية، التي انطلقت أمس للإغارة على أهداف في مناطق مختلفة من سوريا بما في ذلك لداعش وجبهة النصرة. وتعد هذه الخطوة المفاجئة نتيجة لاتصالات سرية بين ضباط كبار من الدولتين استمرت أشهر طويلة.           هذه هي المرة الاولى التي تعمل فيها طائرات سلاح الروسي في سوريا من قاعدة في دولة ثالثة. الاسباب التكتيكية لهذه الخطوة هي أن قاعدة حميميم – المجاورة للاذقية، في قلب الاقليم العلوي، والتي انتشرت فيها حتى الان الطائرات القتالية الروسية التي تساعد نظام بشار الاسد ومنها تقلع في طلعات القصف – ليست كبيرة بما يكفي كي تستوعب طائرات تو 22.           كما ان هذه اشارة الى ان موسكو وطهران تسخنان العلاقات بينهما، ولا سيما التعاون العسكري. لم يكن هذا قرارا بسيطا لطهران، التي تخشى جدا على كرامتها والحفاظ على سيادتها. وبالفعل، نشأ في الشبكات الاجتماعية في ايران نقاش حامي الوطيس بين المؤيدين والمعارضين لاستعداد الجمهورية الاسلامية لان تستضيف على أرضها طائرات قوة عظمى مجاورة. ولكن يبدو أن رغبة ايران في مساعدة نظام الاسد تغلبت على كل اعتبار آخر.

روسيا تزيد نفوذها في المنطقة

          أما الاعتبارات الروسية من جهة ثانية فهي أوسع بكثير. فمن ناحية موسكو ليست هذه مجرد خطوة تكتيكية لتعزيز الاسد والمس بمنظمات الثوار. هذه الخطوة في انتشار استراتيجي اوسع. هدفها زيادة النفوذ الروسي في الشرق الاوسط.           من هذه الناحية يستغل الرئيس فلاديمير بوتين الفرصة عقب سياسة خارجية وأمن مترددة، غير مركزة وغير ثابتة لدى الولايات  المتحدة بقيادة الرئيس براك اوباما. فالسياسة الاميركية تحاول قطع نفسها عن التدخل في نزاعات بعيدة من الوطن، حتى بثمن الانزلاق الى سياسة الانعزال.           لتحقيق أهدافها تزيد روسيا ايضا تعاونها مع مصر والسعودية، وتعرض عليهما بيع السلاح. وذلك اضافة الى المصالحة بين بوتين والرئيس التركي اردوغان.           وبالمناسبة، ففي الصين ايضا يلتقطون الضعف الاميركي. فقد أعلن هذا الاسبوع ناطقون رسميون في بيجين ان الصينيين سيزودون السلاح لجيش الاسد وسيساعدونه في التدريبات. وقد جاء هذا البيان في اعقاب زيارة لوفد عسكري رفيع المستوى من الصين الى دمشق.

أدوات لعب على لوحة الشطرنج الروسية

          من زاوية النظر هذه ينبغي أيضا أن نرى علاقات اسرائيل مع روسيا. فمصادر اسرائيلية تدعي بان انتشار الطائرات الروسية في ايران لا تشكل في هذه اللحظة تحديا، وبالتأكيد لا تعرض للخطر المصالح القومية الاسرائيلية. ولكن التشديد هو على كلمة في هذه اللحظة. واضح ان الخطوة الروسية المفاجئة يمكنها، اذا كان سيكون لها استمرار، ان تؤدي الى نتائج سلبية وتؤثر على الاستراتيجية الاسرائيلية.             واضح لاصحاب القرار في اسرائيل وللقيادة العسكرية بان موسكو تحاول دق اسفين بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في المنطقة. لا شيئا اكثر نجاحا من النجاح. هكذا ايضا القدس، الرياض، أنقرة والقاهرة تريد أن تكون مع النجم الروسي اللامع في سماء الشرق الاوسط وان تبتعد عن النجم الاميركي المنطفئ والساقط.           ولكن حتى لو كانت مصر، السعودية وحتى اسرائيل تفهم اللعبة الروسية ودوافعها الحقيقية ومع ذلك، فان التسكع مع روسيا هو لعبة خطيرة من ناحيتها، وهي تجذب بغير ارادتها لتكون اداة لعب على لوحة الشطرنج الروسية.