مكانة إسرائيل في العالم إلى تحسن

بيريس والكثيرين ممن هم على شاكلته لم يستطيعوا فعلاً التنبؤ مسبقاً بـ "الربيع العربي" وثماره المرة، القاعدة وداعش والفوضى الشاملة والميؤوس منها التي تسيطر على هذا "الشرق الأوسط الجديد" ـ وهي التطورات التي لا علاقة لها بالموضوع الفلسطيني ـ إلا أن الواقع قد صفعهم على وجههم وعلى وجه آمالهم بصورة ليس بوسع أحد أن يتجاهلها.

آمن شمعون بيريس المتوفى إيماناً راسخاً بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو أصل غالبية المصائب في الشرق الأوسط
لقد كان أحد أبرز التعبيرات إثارة للسخرية هو تعبير "الشرق الأوسط الجديد". فقد آمن شمعون بيريس المتوفى إيماناً راسخاً بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو أصل غالبية المصائب في الشرق الأوسط، والعامل الرئيس لعدم الاستقرار فيه ـ وبخاصة العداء المتواصل من جانب الدول العربية تجاه إسرائيل ـ وأن اتفاق أوسلو سيؤدي خلال زمن قصير إلى (حدوث) التغيير، وسيولد بشكل سحري التعاون بين كافة الشعوب والدول.

 

إلا أن بيريس لم يدرك، على ما يبدو، أن العالم العربي في غالبيته، مع كل التعاطف العلني الذي يبديه حيال مصير الفلسطينيين، لم ينظر إلى علاقته مع إسرائيل فقط من خلال منظور الموضوع الفلسطيني، وأن المصالح الوطنية (القُطرية) الخاصة والاعتبارات الجيو ـ سياسية المختلفة قد لعبت دوراً لا يقل أهمية، من وجهة نظره، في هذا السياق.

 

وأكثر من ذلك فإن قسماً كبيراً في العالم العربي، ناهيك عن غالبية الفلسطينيين، لم يروا، وهم لا يرون الآن أيضاً، في إقامة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين هدفهم النهائي، بل إزالة دولة اليهود. صحيح أن بيريس والكثيرين ممن هم على شاكلته لم يستطيعوا فعلاً التنبؤ مسبقاً بـ "الربيع العربي" وثماره المرة، القاعدة وداعش والفوضى الشاملة والميؤوس منها التي تسيطر على هذا "الشرق الأوسط الجديد" ـ وهي التطورات التي لا علاقة لها بالموضوع الفلسطيني ـ إلا أن الواقع قد صفعهم على وجههم وعلى وجه آمالهم بصورة ليس بوسع أحد أن يتجاهلها.

 

لقد قال الرئيس باراك أوباما في خطابه خلال مراسم تشييع شمعون بيريس إن الزعيم المتوفى قد أدرك أن "الأمن الحقيقي هو السلام". ومن المشكوك فيه هنا إذا ما كان بيريس نفسه يوافق على هذا القول وذلك لأنه أدرك في قرارة نفسه، كما أدرك بن غوريون صاحب الرؤية الأمنية، وزئيف جابوتينسكي مع "الجدار الحديدي" الخاص به، أنه بالنسبة لإسرائيل الأمن وقدرتها على الدفاع عن نفسها بشكل دائم هما شرطان أساسيان ليس فقط لتحقيق السلام والحفاظ عليه لفترة طويلة من الزمن بل أيضاً لجوهر وجودها.

 

ومع ذلك فقد كان بوسع بيريس الدخول في جدال يجسد سخرية التاريخ على حقيقتها حول الشرق الأوسط الجديد الآخذ بالتشكل أمام أعيننا، إلا ان ذلك حدث على النقيض، وبما يخالف تماماً، الأسباب التي توقعها. وفي هذه الأيام بالضبط نُشر مقال لأحد أهم المتخصصين في العالم في الشؤون الدولية، البروفيسور وولتر راسل ميد، المدرس في جامعة ييل آند بارد المرموقة. وبعد أن يقول (في مقاله) إن الدبلوماسية الإسرائيلية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تصبح أقوى فأقوى، يشير الكاتب إلى أن "هيبة إسرائيل تتقوى في عيون كل زعماء العرب والشرق الأوسط، بما في ذلك أولئك الذين يكرهوها". وبحسب رأي البروفيسور ميد فإن نجاح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في هذا الموضوع ينبع من كونه يفهم ("أفضل من أوباما") كيف يعمل العالم، وأن العالم العربي ـ السني يشعر بأنه مهدد من إيران ومما يحدث في سوريا. ولذلك، حسب قوله، يعترف العالم بأهمية إسرائيل.

 

ويخلص ميد إلى القول بأنه "حدث شيء ما أشبه بالثورة في مكانة إسرائيل في المنطقة". واستخلاصه هو أن هذه التطورات قد قلصت في نظر العالم، وبخاصة العالم العربي، أهمية الموضوع الفليطيني ـ وعززت وضع إسرائيل الإقليمي والدولي. ومقالات، بروح مشابهة، لمؤرخين ولمتخصصين في الشأن السياسي قد نُشرت، بالمناسبة، أيضاً في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، وحتى في الصحافة الإسرائيلية (إلا أن من يربط نفسه بغالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤكدٌ أنه لم يسمع بذلك). حقاً إنه شرق أوسط جديد، بدون علامتي اقتباس.

 

ترجمة: مرعي حطيني