شمعون بيريس: أبو الوضوح النووي
منذ وفاة رئيس الدولة تم ذكر اسمه كثيراً في سياق المشروع النووي. وكان الادعاء الشائع هو أن بيريس أبو وجَدْ سياسة الغموض النووي (التي تقول إن إسرائيل لا تقر ولا تنفي أي شيء يرتبط بقدراتها النووية). وقد ساد هذا الادعاء على مدى عشرات السنين. وكان بيريس هو الذي جعل هذا الادعاء يتجذر في أوساط الكتاب والباحثين. إلا أن التاريخ النووي الإسرائيلي يثبت أمراً مختلفاً.
وفي إحدى المداولات الرسمية التي جرت في عام 1962 طالب بيريس ودايان بتخصيص حصة الأسد من ميزانية الأمن لتسريع بناء "ديمونا" وتحقيق "المنتج النهائي". بينما طالب يغآل آلون وإسرائيل غاليلي، في مقابل ذلك، بتخصيص الموارد للحصول على السلاح التقليدي وتعزيز قوات المدرعات. وقد أخذ (دافيد) بن غوريون بموقف آلون وغاليلي. وبرر بيريس موقفه بالقول إن "ظهور الصواريخ والقنابل النووية والهيدروجينية في العالم قد ألغت تماماً الإستراتيجية التاريخية […] ما هي القيمة من ناحية عسكرية، تساءل بيريس، لشعب يوجد له مليون كيلومتر مربع ومئات الملايين من المواطنين عندما لا يتملك سلاحاً نووياً، وهو يقف في مواجهة شعب يمتلك فعلاً بضع آلاف من الكيلومترات المربعة فقط وعشرات ملايين المواطنين، إلا أنه يوجد في يده سلاح نووي؟". وقال بأن السلاح النووي هو الرد. لقد لعب بيريس دوراً فريداً في المشروع النووي: فقد كان يشبه "وزير الخارجية للشؤون النووية" الذي أرسى العلاقات الضرورية للمشروع النووي. وكانت فرنسا شريكاً هاماً في المشروع. لكن ألمانيا ووزير دفاعها، فرانز جوزيف ستراوس، قامت بتمويل "ديمونا" بمبالغ هائلة. ويتضح أن فرانز سعى إلى وضع ألمانيا على رأس فيدرالية أوروبية كبيرة تمتلك السلاح النووي ضد الاتحاد السوفييتي. وقد أُسند لإسرائيل دورٌ في الحرب الباردة على الساحة شرق الأوسطية.
لقد اندمجت رؤية ستراوس النووية مع رؤية شمعون بيريس. وعملياً فقد لعب بيريس دوراً في إقامة حلف دولي لإنتاج القنابل النووية. وقد "خُصصت القنبلة الإسرائيلية" لتكون "قنبلة دولية". وكان لكل من فرنسا وألمانيا الغربية وبريطانيا والنرويج وجنوب إفريقيا والأرجنتين، ودول أخرى، مصلحة هائلة في تحويل إسرائيل إلى دولة نووية. وحتى أن الجنرال بيير جالوا، من واضعي السياسة النووية الفرنسية، قال في عام 1961إن "الحلف لإنتاج القنابل هو أهم بكثير اليوم من حلف استخدامها". بيريس لم يتحدث في تلك الأيام عن بناء قنبلة نووية والاحتفاظ بها في الملجأ. وبعد الانشقاق عن 'مباي' وإقامة 'رافي' (1965) قال إنه يجب ألا نتوقع من 'مباي' "أن يفهموا ضرورة بناء المرحلة الثانية" – صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تحمل رؤوساً نووية. وكان بيريس يعتقد أنه يجب أن تستند الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية على جيش تقليدي صغير وعلى ردع نووي واضح. لقد أرجع بيريس ولادة سياسية الغموض إلى لقائه "المصادفة" مع الرئيس جون كيندي في البيت الأبيض في نيسان / ابريل 1963. ومع عودته من الزيارة أبلغ الحكومة أنه رد على كيندي بقوله إنه حسب معرفته "إسرائيل لا تسير باتجاه إنتاج سلاح نووي، وبالتأكيد لن تكون أول من يُدخل السلاح النووي إلى المنطقة ". وقبل عامين قال بيريس، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت احرونوت"، إنه بعد أسابيع معدودة من ذلك تحول "قوله المرتجل" إلى السياسة الرسمية لإسرائيل، وختم بالقول إنه "في الحديث مع كيندي أرسيت سياسة الغموض". إلا أن القرار السياسي في إسرائيل في عدم تبني الردع النووي الصريح كان قد تم تبنيه قبل أكثر من عام على ذلك. وكان هذا هو السبب، من بين أسباب عديدة أخرى، في أن أقواله التي أطلع من خلالها الحكومة على ذلك، في الجلسة المشار إليها أعلاه، لم تُستقبل بالامتعاض. وعملياً فإن سياسة الغموض كانت حلاً وسطاً سياسياً بين جماعتين تمتلكان مواقف متناقضة في موضوع المشروع النووي. لقد كان بيريس يعتقد أنه "خلال عشر سنوات سيكون لدى الطرفين صواريخ تحمل في رؤوسها قدرة تدميرية كبيرة. وهذه الصواريخ ستخلق منطقاً جديداً في الشرق الأوسط". لذلك أيد "المنتج النهائي" في ديمونا والردع الصريح. ومع مرور الأيام انتقد خصمه، يغآل آلون، هذا الأسلوب بشدة وقال: "أريد دائماً أن أكون (مع سلاح نووي) قبل أية دولة عربية. ولكنني بكل تأكيد لا أريد أن أعرض أمامهم علناً (السلاح النووي). إلا أنه حسب رأي، حتى وإن وصلنا إلى وضع خطير جداً ولضائقة عظيمة، إلى درجة نرغب فيها القيام باستعراض عضلات نووي بهدف الردع، فإنه يجب التعامل مع المصيبة في وقتها! ويمكن أن تمر سنوات طويلة، ربما تصل إلى عشرات السنين، قبل أن نحتاج إلى ذلك. وأنا لا أرى أي سبب في العالم للقيام بهذه الخطوة (الردع النووي) […] لماذا نعطي الذريعة للعرب للتقدم بسرعة أكبر […] وأنا اعتقد أن هذا رأي سياسي إستراتيجي صبياني إلى درجة تدعو لاستبعاد هؤلاء الأشخاص (بيريس ودايان) من الوقوف على رأس هرم اتخاذ القرارات السياسية والإستراتيجية". ليس فقط أن بيريس لم يكن 'أبو' "صيغة الغموض"، بل أنه قد انتقدها بشدة أيضاً في عام 1966 من على منبر الكنيست. وقد قال بيريس إن رئيس الحكومة اشكول "أخطأ، حسب رأيي، عندما وجد من الصواب أن يعلن أن 'إسرائيل لا تمتلك السلاح النووي وهي لن تكون أول من يدخله إلى المنطقة' […] لماذا قيل هذا الأمر؟ يبدو أن عبد الناصر يخشى من أن تكون لدى إسرائيل القدرة على التطوير النووي […] إن قلق عبد الناصر هو حقيقة سياسية". وبعد عام من ذلك، في أيام الانتظار التي سبقت حرب الأيام الستة، اقترح بيريس إجراء تجربة نووية علنية يتم فيها الكشف، أمام العالم، عن القدرات النووية لدولة إسرائيل. ترجمة: مرعي حطيني