الهجوم الكيماوي في سوريا: دليل على الفشل المتواصل لإدارتين أميركيتين

يمكن لاستمرارية نجاحات الاسد، بدعم روسي، أن تقود إلى خطوات سلبية أخرى من وجهة نظر إسرائيل، وفي مقدمتها وجود رجال حزب الله والحرس الثوري الايراني على امتداد الحدود السورية في هضبة الجولان.

صورة متداولة من خان شيخون

لم تمرّ سوى أيام عدة بين البيان الأميركي الذي يشتم منه تغيير السياسة بشأن مصير النظام السوري – "إقصاء الأسد لم يعد في مقدمة جدول أولوياتنا"، كما قالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي – وبين الاشتباه باستخدام النظام للسلاح الكيماوي (صباح أمس) في هجوم فتاك. 
الهجوم الذي استهدف محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، والذي قتل خلاله عشرات الأشخاص، ربما يكون استثنائياً في طابعه - ولكن ليس في نتائجه. فالنظام يذبح كل أسبوع تقريباً، المئات من أبناء شعبه، وغالبيتهم من المدنيين، بوسائل "مشروعة" ظاهراً؛ من القصف المدفعي وحتى إلقاء البراميل المفخخة من الطائرات والمروحيات.

من المؤكد أن تصريح هايلي، الذي يندمج في تلميحات سابقة لإدارة ترامب، أسهم في تعزيز الثقة الشخصية لدى نظام الأسد، الذي يتواجد، في كل الأحوال، في مرحلة ارتقاء معنوي منذ استكمال احتلال حلب في أواخر كانون الاول/ديسمبر. لكن مذبحة إدلب لا تزال تشير إلى فشل الإدارة الأميركية السابقة، إدارة أوباما. في تموز/يوليو 2013، بعد ذبح الأسد لأكثر من الف مواطن في هجمات الغاز على أطراف دمشق، التي خضعت لسيطرة المتمردين، أعلن أوباما بأن الاسد اجتاز الخط الأحمر ووعد بهجمات عقابية ضد النظام.

وبعد ذلك قام الرئيس بالانعطاف الشهير وتوصل لاتفاق مع روسيا على تفكيك مستودعات الأسلحة الكيماوية في سوريا، والذي تم في إطاره تدمير حوالى ألف طنّ من السلاح الكيماوي. موقف أوباما لم يكن مجرد انعطاف، وإنما شكل تراجعاً ملموساً، لأنه خلال ذلك ألمحت الولايات المتحدة بأنها لا تنوي المخاطرة في سوريا، وفي الواقع شقت الطريق نحو تدخل أكبر من قبل قوات أخرى، في مقدمتها روسيا.

الهجوم الذي تم تنفيذه صباح أمس، والذي استخدم خلاله غاز الاعصاب سارين، يدل على أن تطبيق اتفاق تفكيك السلاح الكيماوي لم يكن كاملاً. لقد قدرت أجهزة استخبارات غربية، من بينها أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، في السابق، بأنه تم إخراج ما يتراوح بين 95 و99% من مستودعات السلاح الكيماوي في سوريا وتدميرها. لكن استخدام السلاح الكيماوي لا يزال شائعاً، وبين الحين والآخر يستخدم النظام أسلحة كيميائية معيارية ومحظورة، كما يستخدم على فترات متلاحقة مواد غير محظورة في جوهرها، وفقاً للمعاهدات الدولية (كمادة الكلور). وفي المقابل، تنشر تقارير، أيضاً، حول هجمات مشابهة من قبل المتمردين.

في صيف 2014، وعلى خلفية انخفاض التهديد الكيماوي لإسرائيل، قررت الحكومة وقف توزيع الاقنعة الواقية للمواطنين. وكان ذلك يعني تحمل مخاطرة مدروسة، نبعت من مصاعب مالية ومن الرغبة بتحويل الموارد المطلوبة للاحتياجات الأخرى. لكن الهجوم الأخير في ادلب يمكن أن يعيد طرح علامات الاستفهام حول سياسة الحماية الاسرائيلية.

ويتعلق السؤال المهم الآخر بدور روسيا في اتخاذ القرارات المتعلقة بشن الهجمات. لقد قدمت موسكو الدعم الكامل للرئيس السوري في كل أفعاله، وقادت الغارات الجوية القاتلة التي قلبت الموازين لصالح النظام في سوريا وقادت إلى استسلام المسلحين في حلب وغيرها من المدن. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو هل تم اشراك الروس في قرار الأسد العودة إلى شن الهجوم بالأسلحة الكيميائية.

في 2013، اقترحت موسكو اتفاق تفكيك الأسلحة الكيميائية من أجل إنقاذ الأسد من غضب واشنطن – والتسوية التي تم التوصل إليها أزالت فعلاً عن الجدول الهجوم العقابي الأميركي. لكن الروس يواصلون منذ ذلك الوقت التعامل بشكل متسامح مع الخطوات القاتلة التي يلجأ اليها الخاضع لحمايتهم، بما في ذلك هجمات كيميائية. في عام 2002، عندما سيطر "إرهابيون مسلمون" على مسرح في موسكو واختطفوا مئات الرهائن، استخدمت قوات الكوماندوس الروسية بنفسها نوعاً من الغاز غير المعروف خلال عملية تحرير المخطوفين، ما أدى إلى قتل عشرات الرهائن – غالبيتهم كما يبدو، قتلوا بسبب الغاز.

في الشهر الأخيرة، تقلص اهتمام المجتمع الدولي بما يحدث في سوريا، على خلفية الدراما السياسية في الولايات المتحدة والاستقرار المعين الذي طرأ على مكانة نظام الأسد. ولكن القتال وأعمال الذبح تتواصل عملياً، حتى وإن كانت بحجم أصغر من السابق. بالنسبة لإسرائيل، يكمن هنا درسان. الأول، هو أنه حتى عندما تعد الترتيبات الدولية بتفكيك أسلحة الدمار، يجب التعامل بشكل متحفظ مع ذلك وعدم الثقة بشكل كامل. والثاني، أن العلاقات المتحسنة مع الرئيس الروسي بوتين، وقنال التنسيق اليومي مع موسكو، لا يمنحان إسرائيل الحصانة أمام أبعاد الاحداث في سوريا.

على المدى الطويل، تكمن في الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه موسكو لنظام الأسد، محفزات اسرائيلية، لأنه يستتر وراء ظهر الرئيس السوري وإيران وحزب الله. ويمكن لاستمرارية نجاحات الاسد، بدعم روسي، أن تقود إلى خطوات سلبية أخرى من وجهة نظر إسرائيل، وفي مقدمتها وجود رجال حزب الله والحرس الثوري الايراني على امتداد الحدود السورية في هضبة الجولان.