السياسة الخارجية الأميركية تجعل من إيران قوة عظمى

المعركة التي بدأت هذا الأسبوع في الموصل تؤشر إلى بداية نهاية داعش كدولة فاعلة. وهذا الأمر قد يستغرق شهوراً أو سنوات، إلا أن داعش سيخسر المنطقة الواسعة التي يديرها اليوم بين ما كان العراق وبين سوريا سابقاً. وهو قد يتمكن من البقاء كفكرة، وقد تكون له جيوب من السيادة، لكن الدولة الإسلامية الكبيرة ستتوقف عن الوجود. وإلى اليوم، في كل مرة وقفت أمامهم قوة برية صلبة ومصممة، خسروا وتراجعوا، وهذا ما سيحصل في الموصل أيضاً.

المعركة التي بدأت هذا الأسبوع في الموصل تؤشر إلى بداية نهاية داعش كدولة فاعلة
العالم كله ركز اهتمامه هذا الأسبوع على معركة الموصل، ولكن بهدوء، في نهاية الأسبوع الماضي، خسر داعش أحد الرموز الأكثر أهمية بالنسبة له. إذ تمكن متمردون سوريون مدعومون من قبل تركيا، وبدون قتال تقريباً، من احتلال بلدة صغيرة إلى الشرق من حلب، تسمى دابق. ويظهر الاسم دابق في التراث الإسلامي منذ القرن الثامن بوصفه المكان الذي ستجري فيه معركة آخر الزمان بين الإسلام وبين الكفار. وكان المؤسسان الأولان لداعش، أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي، كانا يحبان النبوءة المنسوبة إلى (النبي) محمد والتي تقول إن المسلمين سيهزمون "روما" في دابق، ومن هناك سينطلقون لاحتلال الغرب.

 

في صيف 2014 بذل عناصر داعش كل ما في وسعهم من أجل احتلال دابق. ومنذ اللحظة التي رفعوا فيها علمهم الأسود عليها، تحولت إلى رمز للصراع ضد الكفار، وإلى مركز استقطاب للمسلمين من كل أنحاء العالم الراغبين في المشاركة في معركة آخر الزمان التي ستجري فيها. "نلتقي في دابق"، كان واحداً من الشعارات التي استخدمها داعش للتجنيد، وأساساً جوهرياً في الرؤية المرعبة لتنظيم.

 

معركة الموصل، التي تتقدم بسرعة تفوق المتوقع، ستصبح أصعب فأصعب. فهذه هي أكبر مدينة سنية في العراق، والمدنية التي تم إعلان دولة خلافة داعش منها. إلا أن نهاية هذه المعركة معروفة مسبقاً - إذ سيتم احتلال الموصل من قبل التحالف الضخم الذي يقف في مواجهتها اليوم. وليس من الواضح، إلى الآن، إذا ما كان التحالف سيترك للآلاف من عناصر داعش، الذين يسيطرون على المدينة، ممراً للفرار باتجاه الغرب إلى سوريا، أو أنه سيفرض حصاراً شاملاً على الموصل ويقضي عليهم في داخلها.

 

ولكن، مثلما هو الحال في كل المعارك التي رأيناها في المنطقة خلال العقد الأخير، لا أحد يستطيع أن يقول ماذا سيكون مصير الموصل في اليوم التالي. هل سيتم نقل مليون ونصف مليون سني في المدينة إلى سيطرة الحكومة الشيعية العراقية المدعومة من قبل إيران؟ أم هل أن منظمة سنية أخرى ستقوم بملء الفراغ الذي سيبقى بعد خروج تنظيم داعش؟ فالعراق، مثل سوريا، لن يعود ليكون وحدة متجانسة، ومن سيتجاهل الانقسام الديني الموجود فيه سيحصل على حمام دم آخر.

   

الكلمة الأخيرة

بالحماقة التي وجهت سياستهم الخارجية خلال السنوات الأخيرة، وافق الأمريكيون على السماح للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران المشاركة في معركة الموصل. وعلاوة على الخشية من أن تقوم هذه الميليشيات بتنفيذ مذبحة بالسنة، فإن ما يجب أن يُقلق إسرائيل هو احتمال اتمام نبوءة الهلال الشيعي، الذي يمتد من إيران، مروراً بما كان العراق وسوريا، حتى لبنان وشاطئ البحر الأبيض المتوسط.

 

إن الرئيس الأمريكي القادم سيكون هو من سيحدد إذا ما كانت إيران ستتحول إلى دولة عظمى ومهيمنة في الشرق الأوسط، وإذا ما كانت ستكون دولة عظمى نووية. ومعظم عملية تغطية حملة الانتخابات للرئاسة الأمريكية في وسائل الإعلام الإسرائيلية تعتمد على ترجمات لوسائل الإعلام الأمريكية، المنحازة بشكل كامل، والتي تركز على الأمور التافهة بالنسبة لإسرائيل. ولو أنني كنت مواطناً أمريكياً، ربما كنت سأشعر بالقلق من موقف دونالد ترامب حيال النساء، إلا أنني كإسرائيلي أسأل نفسي من هو الرئيس الأمريكي الذي كنت أرغب أن يقف أمام إيران؟ فالفائز بجائزة نوبل للسلام، باراك أوباما، عبّد لإيران طريقاً آمناً للوصول إلى القنبلة النووية، وعلم الإيرانيين والعالم أنه في مواجهة دولة عظمى نووية، مثل كوريا الشمالية التي لا تأبه لأحد، جُلّ ما يستطيع العالم فعله هو إلقاء الخطابات المنمقة والقوية. وربما يكون ترامب شوفيني وعنصري، وهو بكل تأكيد ليس لطيفاً ومحبباً، إلا أن ميزته الكبيرة هو أنه لا يمكن توقع ما الذي يمكن أن يفعله.

 

ويمكن لنا أن نتخيل كيف ستقوم الرئيسة هيلاري كلينتون بإدانة التجربة النووية الإيرانية الأولى بأشد العبارات والكلمات. ويمكن لنا أن نتخيل أيضاً كيف سيقوم الرئيس ترامب بإبلاغ إيران أنه إذا ما تجرأت على إنتاج قنبلة نووية فإنها ستكون في مواجهة مخزون السلاح الأمريكي. والإيرانيون يؤمنون أيضاً أنه مجنون بما يكفي ليقوم بتنفيذ تهديده. ومساهمته للتاريخ العالمي يمكن أن تكون أكبر بكثير من شهادات النساء المتحرَّش بهن جنسياً، اللواتي تغص بهنّ اليوم وسائل الإعلام الأمريكية.

 

وزوج المرشحة للرئاسة، الرئيس المحبب علينا بيل كلينتون، هو من حدد النموذج في كوريا الشمالية. اتفاق يقدم، للوهلة الأولى، الهدوء لعدة سنوات، إلا أنه أتاح في الواقع لهذا النظام المجنون إنتاج سلاح نووي. وأوباما سار في أعقابه، واستنسخ هذا الاتفاق أيضاً مع إيران. وإذا ما فازت في الانتخابات، فإن كلينتون ستكون مضطرة لمواجهة الثمار المرة التي أبقاها لها أوباما، وكذلك السيجار الكوري الشمالي الذي أشعله زوجها عندما كان رئيساً.

 

لقد انجرّت وسائل الإعلام الأمريكية إلى الاهتمام بالأسلوب. وهي تشبه في ذلك، إلى درجة معينة، وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال المواجهة بين شمعون بيريس وبين بنيامين نتنياهو عام 1996. فهي قد تجنّدت بشكل كامل إلى جانب كلينتون، وهي تُظهر عدم ثقة مطلقة في احتمال أن يتم انتخاب ترامب. ومن الممكن أن يكون هذا ما سيحدث فعلاً، ولكن بعد الفشل الذريع المتكرر لعدد من أصحاب استطلاعات الرأي في مختلف أنحاء العالم، خلال السنوات الأخيرة، فإنه من المناسب أن نلتزم درجة أكبر من الشك تجاه ما نراه. فإذا ما حصلت هناك مفاجأة وفاز ترامب - فإن هذا سيكون فوزاً لأصحاب استطلاعات الرأي في "لوس انجلس تايمز" الذين قدموا منذ نهاية السباق أسلوباً مختلفاً، والذي يرى أن هناك فرصة في أن يصل المقترعون إلى صندوق الاقتراع ولديهم صورة ترامب الذي كان متقدماً بشكل متواصل لعدة أشهر.

 

وعندنا أيضاً، فإن التغطية للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية هي عاطفية في غالبيتها. فغالبية المراسلين الإسرائيليين الذين يقومون بتغطية الانتخابات، وهم مفعمون بالكراهية والاشمئزاز لترامب، يجدون صعوبة في تقديم صورة حقيقية لأمريكا. وقد نُشر خلال الأيام الأخيرة عدد من المقالات الرصينة، التي حللت الأقوال المعادية للسامية لقسم من مؤيدي ترامب على شبكات التواصل الاجتماعي، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه سيكون العدو القادم لليهود. وأنا أوصي هؤلاء أن يلقوا نظرة على صفحات مستخدمي الإنترنت الإسرائيليين. فالقاذورات التي تلفظها الشبكة (الإنترنت) إلى السطح عندنا لا تبعث بروائح أفضل من تلك، ولكنها في الوقت نفسه لا تمثل الأغلبية.

 

إنني غير واثق من أن الكلمة الأخيرة في هذه الانتخابات قد قيلت. فالمعركة الدائرة الآن بالذات بعيداً عن واشنطن، في الموصل الواقعة في شمال العراق، من شأنها أن تحرك مؤيدي داعش في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا للعمل خلال الأيام القريبة، ويمكن لعملية تخريبية كبيرة أن تكون لها آثار كبيرة على نتائج الانتخابات.

 

وماذا عنّا؟ كل ألوان الطيف السياسي تنضم بحماس إلى عملية المطاردة القومية الجارية وراء "الخونة" و "كارهي إسرائيل". لقد تبنيّنا جدول أعمال يومي وأسئلة وجودية مثل فتاة مراهقة من نمط "من لا يحبنا في العالم" و "لماذا حتى لا يحبنا". إن هذا يريحنا من الانشغال بالقضية الأعمق المتعلقة بكيف نجعل حياتنا هنا أفضل، وما لم يكن من المناسب أن نعود إلى مبدأ  الديمقراطية القديم لتبادل السلطة بين فترة وأخرى؟ وفي هذه المناسبة: التهنئة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده السابع والستين، والذي هو، كما نذكر جميعاً، سن التقاعد الرسمي للرجال في دولة إسرائيل. 

 

ترجمة: مرعي حطيني