الموصل: جزء من المعركة على الشرق الأوسط

إن من شأن القضاء على معقل داعش في العراق أن يعزز الاستقرار الإقليمي، إلا أنه لا يزال من المبكر الاحتفال بذلك. فهناك مخاوف من أن العراق، حتى وإن تم إنجاز هذه المهمة بنجاح، سينجرف إلى دوامة النزاع المتجدد بين الشيعة والسنة والأكراد، والتي ستنجرّ إليها أيضاً إيران وتركيا.

النتيجة الأولى المحتملة لمعركة الموصل ترتبط بمستقبل داعش
الهجوم على مدينة الموصل، في الأسبوع الماضي، ليس مجرد عملية عسكرية أخرى (مثل سابقاتها) ضد داعش. فمن شأنه أن تكون له تداعيات غاية في الأهمية بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط.

النتيجة الأولى المحتملة ترتبط بمستقبل داعش. ففي ذروته، كان داعش يسيطر على 20% من مساحة العراق، وعلى 40% من مساحة سوريا. وحتى قبل أن يبدأ هذا الهجوم كان تنظيم داعش قد خسر نصف الأراضي التي احتلها في العراق، وكذلك أجزاء لا يستهان بها من مناطقه في سوريا. وستؤدي خسارة الموصل، والمناطق المحيطة بها، إلى القضاء على داعش في العراق. وسيكون لنتيجةٍ مثل هذه تداعيات هامة جداً على المعنويات وعلى العقيدة وعلى قدرة التنظيم على تجنيد المال والمتطوعين. ومن شأن خسارة المعقل العراقي أن تؤدي إلى خسارة المعقل السوري وعاصمة التنظيم في الرقة. وداعش، كفكرة وكإيديولوجيا، لن يختفي إلا أنه سيضطر إلى تغيير أسلوب عمله، الذي سيميل أكثر إلى العمليات الإرهابية 

اللامركزية.

النتيجة المحتملة الثانية تتعلق بمستقبل العراق. فالكثير كانوا قد توقعوا من قبل تفككه، ووضعوا علامات استفهام حول وجود شعب عراقي. واليوم، توحد المواجهة مع داعش جهات ذات مصالح مختلفة: الأكراد والجيش العراقي، المكون في غالبيته من جنود شيعة، والميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران. إلا أنه في نهاية المعركة - إذا نجحت - قد تحاول إيران استغلال الفرصة لتعزيز نفوذها، ويقوم الشيعة بالانتقام من السنة، وحتى أن الأكراد سيحاولون توسيع حدود إقليمهم. وعليه، قد يؤدي إنجاز تحرير المدينة السنية الكبيرة في العراق إلى حرب "الجميع ضد الجميع"، وإلى مأساة إنسانية أخرى. والتوصل إلى تسوية، يكون بوسعها إرضاء تطلعات كل الأطراف وضمان استمرار وجود العراق بصيغته الإقليمية الراهنة، هو التحدي الأكبر.

أما النتيجة الثالثة فتتعلق بمستقبل العديد من الأقاليم الأخرى في العالم العربي مثل سوريا وليبيا واليمن. فتلك الدول تعاني من انقسام اجتماعي إثني وديني، علاوة على أنها أقاليم قد أقيمت بشكل مصطنع. وتفكك العراق سيمنح الشرعية لعملية التفكك في أماكن أخرى من العالم العربي، فيما سيؤدي الحفاظ على وحدته إلى تعزيز الجهات الساعية إلى الحفاظ على الدولة بصيغتها القائمة.

النتيجة الرابعة مرتبطة بمكانة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وبالإرث الذي سيتركه الرئيس أوباما وراءه. فليس سراً أن جنوداً ومستشارين أميركيين يشاركون في المعارك (حوالى 5 آلاف جندي حسب التقديرات)، إلا أن مهمتهم تنحصر في تقديم العون للقوات العراقية والكردية (حوالى 30 ألف مقاتل وفق التقديرات). والانتصار في ميدان المعركة يعني أن الإستراتيجية الحالية التي يتبعها أوباما كانت صحيحة. ونتيجة كهذه ستعزز المكانة المتدهورة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وبخاصة في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد في سوريا، وستقوي كذلك حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في العالم العربي. وهكذا، بالضبط قبل نهاية ولايته في كانون الثاني/ يناير 2017، يستطيع أوباما أن يفاخر بإنجازه العسكري في الشرق الأوسط.

إن من شأن القضاء على معقل داعش في العراق أن يعزز الاستقرار الإقليمي، إلا أنه لا يزال من المبكر الاحتفال بذلك. فهناك مخاوف من أن العراق، حتى وإن تم إنجاز هذه المهمة بنجاح، سينجرف إلى دوامة النزاع المتجدد بين الشيعة والسنة والأكراد، والتي ستنجرّ إليها أيضاً إيران وتركيا.