داعش ضد الأكراد في كركوك: نقطة تحول
"الهجوم على مدينتنا انتهى والحياة عادت إلى طبيعتها"، بهذه العبارة اختتم محافظ كركوك الكردي نجم الدين كريم حديثه مع الصحفيين مساء أول أمس. إلا أن الأمر لم ينته بالفعل، لا في مدينة كركوك ولا في بقية جبهات قتال القوات العراقية والكردية ضد داعش. فكركوك قد أضحت، رغماً عنها، الهدف الأول الذي عمل داعش فيه، كما توقع كثيرون: نقل الجبهة إلى العمق المدني.
إن توجيه الضربة لكركوك هي ضربة موجهة إلى "درة التاج" بالنسبة للأكراد في العراق. وهذه المدنية التي تسمى في بعض الأحيان "قدس الأكراد"، يُنظر إليها من قبلهم على أنها عاصمة الإقليم الكردي في العراق. ففي شهر حزيران / يونيو2014، بعد يوم واحد من سيطرة داعش على مدينة الموصل، وعلى خلفية انسحاب الجيش العراقي من المنطقة بأكملها، سيطرت قوات البشمرغة على كركوك قبل ساعات معدودة من وصول عناصر داعش إليها. ومنذ ذلك الوقت والمدينة، وآبار النفط الغنية الموجودة فيها، خاضعة لسيادة الأكراد بالأمر الواقع وذلك رغم استياء السلطات في بغداد. وفي لقائه مع الصحفيين أول أمس قال محافظ كركوك إن غالبية مناطقها قد أُعيدت لسيطرة قوات الأمن. وحسب أقواله فإن عناصر داعش قد فشلوا في محاولة حرف الانتباه عن فشلهم على جبهة القتال في الموصل، على الرغم من أنهم يمتلكون خلايا نائمة أخرى في المدينة والتي سيستخدمونها في المستقبل . إلا أن الأمر الرمزي هو أنه بعد ساعات قليلة من ذلك تجددت المعارك في المدينة، وكان عدد المصابين كبيراً وساوى، على الأقل، عدد المصابين في اليوم الأول للمعارك. إذ قتل حوالي 100 كردي، غالبيتهم من عناصر البشمرغة والشرطة، وحوالي 75 عنصراً من المسلحين المائة التابعيين لداعش الذين تسللوا إلى المدينة. لقد كانت الأحداث في كركوك بمثابة "تقصير يوم الغفران" الخاص بالبشمرغة. فتوجيه الضربة إلى المكان الذي أقسموا بالدفاع عنه كان أمراً خطيراً ليس فقط من حيث عدد القتلى الذين سقطوا فيها، بل أيضاً من الناحية المعنوية. فخلال اليومين الأولين من المعارك انسحبت قوات البشمرغة من عدة أحياء في المدينة (وكانت هناك بعض التقارير التي ذكّرت بأحداث سنجار في آب / أغسطس 2014)، ومن جاؤوا لتخليصهم من الحصار كانوا مقاتلي ومقاتلات حزب العمال الكردستاني (PKK) من كردستان تركيا، وهو التنظيم الذي أعلن المسؤولون في الإقليم الكردي، مراراً وتكراراً، أنه يشكل الخطر الأكبر على الأمن القومي للأكراد في العراق. إن استدعاء قوات الـ PKK يشكل إذلالاً ذاتياً كبيراً للسطات الكردية في العراق. فمن الواضح أن هذه السلطات لم تكن لتُقْدِم على خطوة كهذه لولا لم تكن قوات البشمرغة، في كركوك، في ضائقة كبيرة. ومحافظ المدينة، والرئيس بارزاني، اللذان أشادا بالبطولة (الحقيقية) لقوات البشمرغة والشرطة في المدينة ينسيان الإشارة إلى المقاتلين الذين سارعوا لمساعدتهم من كردستان التركية. وتجربة الماضي القريب تدل على أن المسؤولين من البشمرغة المسؤولين عن التقصير لم يدفعوا الحساب على تقصيرهم، إلا أنه يجب الافتراض أنه سيتم الحديث كثيراً في إقليم كردستان العراق عن التقصير الكردي في كركوك. إن الأحداث في كركوك هي ذات مغزى كبير أيضاً بالنسبة لداعش. فكلما تناقصت مناطق سيطرة التنظيم، وكذلك موارده الاقتصادية والبشرية، فإنه يتراجع عن فكرة "الدولة الإسلامية" ويعود إلى صورته الأصلية - التنظيم الإرهابي، الناجح والمنظَم فعلاً، إلا أنه بدون السطوة والقوة الدافعة و"الجاذبية" التي منحها له احتلال مناطق واسعة وإقامة الخلافة الإسلامية. ترجمة: مرعي حطيني