الموصل.. البوابة إلى الجحيم
على أعتاب استمرار الصراع الدموي الإقليمي فإن على إسرائيل أن تواصل السياسة التي تبنتها إلى الآن: البقاء خارج لعبة القوى الهائلة، ذات الأبعاد التاريخية، وتحديد مصالحها الحيوية بدقة، والتعامل فقط مع الأحداث التي يتم فيها تجاوز الخطوط الحمراء.
-
الكاتب: يعقوب عميدرور
- 25 تشرين ثاني 2016 21:45
تحارب في المنطقة خمسة جيوش كبيرة، بالإضافة إلى ملحقات صغيرة.
تحدثت هذا الأسبوع مع صحافية تقيم في إقليم كردستان. وبوصفها كردية فهي
تمتلك أُذناً حساسة حيال ما يجري في الموصل، لأن المعارك هناك هامة لشعبها. وما
يثير القلق لديهم، بشكل رئيسي، هو اليوم التالي. فمن الواضح أن المدينة ستتحرر في
نهاية المطاف من ظلم داعش، والسؤال هو ما الذي سيحصل بعد ذلك. فكل مشاكل الشرق
الأوسط تقريباً تجتمع في معارك تحرير مدينة الموصل العراقية. ومن الصعب بشكل عام
أن نجد مكاناً واحداً، وحدثاً واحداً، يضم كل هذا التشابك في العلاقات والقوى الذي
يميز منطقة واسعة ومتنوعة، إلا أن هذا الوضع قائم في المدينة المدمرة التي لا تزال
تحت حكم الدولة الإسلامية.
وفي بعض الأحيان يحدث في التاريخ أن تكون هناك بعض التحديات التي تجتمع
حولها وتتوحد جهات مختلفة من أجل تحقيق أمر معين توجد لها جميعها مصلحة فيه. ويبدو
في مثل هذه الحالات أن الجمع بين مختلف الطاقات يخلق شيئاً جديداً. إلا أنه قد سبق
وحدث أكثر من مرة، بعد زوال التحدي، أن تحولت تلك القوى والطاقات إلى نار مضطرمة
تأتي ليس فقط على التعاون المؤقت، بل على كل ما هو موجود في المنطقة المحيطة. فقد
كان هذا هو المصير الذي آل إليه التعاون بين الدولة العظمى الشيوعية (الاتحاد
السوفييتي) وبين دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضد ألمانيا
النازية, والذي بقي صامداً حتى احتلال ألمانيا. ويمكن لمثل هذا الأمر أن يحدث في
الموصل، التي يحتشد فيها الكثير من القوى المختلفة. ومن الممكن أن يتضح في
المستقبل أن هذه المعركة هي لحظة حاسمة بالنسبة للشرق الأوسط.
تحارب في المنطقة خمسة جيوش كبيرة، بالإضافة إلى ملحقات صغيرة. والقوى
الكبرى هي:
1- الجيش العراقي: الخاضع لحكومة شيعية مع نفوذ إيراني، وهو قد تم تدريبه
بدعم أمريكي كبير، ومن المتوقع أن يكون، للوهلة الأولى، محايداً في الصراع بين
الطوائف.
2- الميليشيات الشيعية: التي تخضع لسلطة إيران، وهي تعمل على تحقيق المصالح
الضيقة جداً للشيعة على حساب السنة، بما في ذلك تطلعها إلى تنظيف المنطقة من أي
عنصر سني.
3- البيشمركة: وهي القوة العسكرية الخاصة بالأكراد، والتي تحدّ مناطق الحكم
الذاتي الخاصة بهم مدينة الموصل، وهم يتطلعون إلى توسيعها، أو إلى أن تكون الموصل
تحت نفوذهم على الأقل.
4- الميليشيات السنية: التي تعتمد على القبائل في الغرب (العراق) وفي
المنطقة، والتي تقاتل لغايات عديدة منها ضمان عدم تحول المدينة إلى المنطقة التي
يقوم فيها الشيعة بالقضاء على التواجد السني في منطقة لم يكن فيها للشيعة أي وجود.
5- الأتراك: الذين لا يعترفون بـ "معاهدة لوزان" (1923)، وهي
المعاهدة التي رسمت بعد الحرب العالمية الأولى حدود تركيا في هذه المنطقة، ويريد
الأتراك الآن منع الأكراد من تحقيق أي إنجاز. ومن وجهة نظرهم، هم يريدون، إذا كان
ذلك ممكناً، أن يضموا إلى سيطرتهم مناطق كانت حتى الآن تحت السيادة العراقية.
كل هذه القوى تحتشد حول الموصل ويجمعها هدف القضاء على داعش. والسؤال، كما
سبق القول، هو: ما الذي سيحدث في اليوم التالي بعد أن يتم القضاء على العدو
المشترك؟ حيث من المتوقع أن تقوم كل جماعة بفعل أقصى ما تستطيع من أجل تحقيق
أهدافها، حتى وإن كان ذلك على حساب الجماعات الأخرى، خاصة وأن جزءاً من التنافس
بينها هو ثمرة لخلافات تعود لسنوات طويلة لم تكن هناك إمكانية لحلها.
وسينشأ تحدٍ كبير إذا ما سيطر الشيعة على المدينة، والأمل في حدوث ذلك هو
غير قليل. وفي حالة كهذه فإنه من المحتمل أن تحدث مذبحة كبيرة، وربما يتم ترحيل
معظم المواطنين السنة الموجودين في المدينة. فالموصل بالنسبة لإيران هي مدينة غاية
في الأهمية. وإذا ما استطاعوا "تنظيفها" هي والمنطقة المحيطة بها من
السنة فإنه سيكون بالإمكان تحقيق الحلم الشيعي – الإيراني بعيد المدى. وستكون هناك
إمكانية للتخطيط بعد ذلك لمواصلة المسير باتجاه الغرب، إلى الجنوب من تركيا باتجاه
شمال سوريا، وبعد احتلال مدينة حلب باتجاه البحر الأبيض المتوسط، مع ربط العلويين
في سوريا مع الشيعة وحزب الله في لبنان.
وبذلك يكتمل ما أسماه الملك الأردني الخشية من "الهلال الشيعي"، الكوريدور
(المدخل) الإيراني الذي يقسم العالم العربي من طهران إلى بغداد، ومنها إلى دمشق
فبيروت. وتستطيع إيران أخيراً أن تحقق، وأن تسرّع، ما بدأ فوراً بعد ثورة الخميني
عام 1979 وأُطلق عليه في حينه اسم "تصدير الثورة"، وهو الجهد الذي حصل
على دفعة حقيقية بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران وبين الدول العظمى
بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وسيكون هذا الأمر التعبير الجغرافي الواضح عن
قوة إيران المتصاعدة في المنطقة.
ومن شأن انضمام إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى القتال ضد تنظيم سني
متطرف والنتيجة القاسية بالنسبة للسنة بعد المعارك، وبخاصة إذا ما انتهت المعركة
بمذبحة أو بطرد السكان السنة، من شأن ذلك أن يُفضي إلى شعور لدى السنة بفقدان
الطريق (الأمل). فكيف سترد على ذلك السعودية، التي تحاول قيادة الأغلبية السنية
بين العرب؟ وكيف سترد تركيا، التي توجد لها خصومات تاريخية مع الإمبراطورية
الفارسية الآخذة بالتقوّي؟ فهل ستتصرف بوصفها قائدة السنة وتُنصِّب نفسها في موقع
آخر يختلف عما هو قائم اليوم، أي الدولة القوية التي تنقل موقعها من هامش المسرح
شرق الأوسطي إلى مركزه؟
وإذا ما دخل الجيش التركي إلى العراق فإن بغداد ستكون أمام قرار صعب حول
كيفية ممارسة سيادتها، وليس بوسع الولايات المتحدة أن تبقى تنظر من الجانب بدون أن
تُقْدِم على أي عمل. لذلك فإن تركيا لن تُقْدِم على هذه الخطوة بسهولة، ولكن يجب
أن تؤخذ بعين الاعتبار. أو ربما تكون النتيجة هي، بالذات، تقوية روح داعش إذ أنه
لن يكون أمام السنة أي بديل، أو أن يكونوا مجرد مواطنين سنة لا يريدون التدخل (في
ما يجري) ويتدفقون جماعات جماعات كلاجئيين باتجاه أوروبا، وربما ما بعدها. وعلى
هامش هذه الأقوال، ما الذي سيؤول إليه مصير كردستان التي تخاف من تركيا؟
قنبلة موقوتة
في هذا العالم الموحد في رغبته في القضاء على التنظيم البربري الموجود في
الموصل تتزايد المخاوف من عودة المدنيين الأصليين إلى الأماكن التي خرجوا منها
للقتال في سوريا والعراق. فهم سيعودون إلى بيوتهم مع خبرات عسكرية، بالإضافة إلى
الرغبة بالانتقام والشعور بأنه لا يوجد لديهم ما يخسروه. وفي المقابل، سيكون من
الصعب التعامل معهم على أنهم السكان الأصليين. وسيكون هناك عدد غير قليل من الدول
التي سيكون عليها تغيير خصائص الجهود التي تبذلها، بما في ذلك أسلوب عمل
المنظومتين القضائية والاستخباراتية، وذلك بهدف مواجهة التهديد الآخذ بالازدياد.
وبذلك نجد أن المكان الذي من المفترض أن يحتفل فيه العالم بالنصر على أكثر
الحركات وحشية، قد يتحول في صبيحة هذه الاحتفالات إلى جحيم تتجمع فيه كل أوبئة
الشرق الأوسط: النزاع الشيعي – السني، التهديد الإسلامي السني المتطرف على وجود
الدول، الحرب بين إيران والسعودية (عبر الوكلاء)، والتوتر بين الأكراد والأتراك،
والهيمنة الإيرانية في مقابل تراجع قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا التي
تعمل من أجل الحفاظ على الأسد في السلطة. وعندما تشعر كل هذه القوى المتعارضة أنه
قد حانت لحظة اقتسام الغنائم فإن الأمر سيبدو سيئاً جداً.
وعلى أعتاب استمرار هذا الصراع الدموي الإقليمي فإن على إسرائيل أن تواصل
السياسة التي تبنتها إلى الآن: البقاء خارج لعبة القوى الهائلة، ذات الأبعاد
التاريخية، وتحديد مصالحها الحيوية بدقة، والتعامل فقط مع الأحداث التي يتم فيها
تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها بيدها على رمال الشرق الأوسط المتّقلبة والمتخمة
بالدماء.