"مرونة" القرضاوي

تشتهر الفتاوى الشرعية للقرضاوي بأنها ترتبط بالسياق الاجتماعي والسياسي. وهو مشهور بصفته مؤسس نظرية شرعية جديدة بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في الغرب. ورؤيته السياسية تقوم على أن الإسلام سيقود العالم، ولذلك هناك واجب على المسلمين أن يستوطنوا في الغرب وذلك بهدف العمل هناك في نشر الإسلام.

يرى القرضاوي في المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية نزاعاً لاهوتياً بين الإسلام واليهودية
انتشر في وسائل الإعلام هذا الأسبوع أن الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يعتبر من كبار رجال الدين في العالم الإسلامي السني، قد تراجع عن الفتوى التي كان قد أصدرها وتجيز للفلسطينيين تنفيذ العمليات الانتحارية. 
واشتهر القرضاوي لكونه "الأب الروحي للمخربين الانتحاريين" أو "شيخ الموت" بسبب فتواه التي أصدرها في عام 2001 والتي أجاز فيها العمليات الانتحارية بين جموع السكان المدنيين في فلسطين. وهو كان قد ادعى أن العمليات الانتحارية هي عملياً تضحية بالنفس، وبطولة وإقدام، وأن من يقوم بها أبعد ما يكون عن الانتحار، بل هو يضحي بنفسه من أجل دينه وأمته لغاية محاربة أعداء الله.

لقد جاء السماح للفلسطينيين بالقيام بعمليات استشهادية من حقيقة أنه لم تكن لديهم أية وسيلة أخرى لمحاربة العدو الصهيوني. وتوصف فلسطين بأنها أرض إسلامية محتلة ("دار الإسلام") ولذلك ينطبق عليها واجب الجهاد. وبينما ينطبق واجب الجهاد بشكل عام فقط على الرجال المؤهلين لذلك فإننا نجد أنه أصبح في حالة فلسطين "فرض عين" وواجب على كل مسلم ومسلمة. وبذلك مهدت فتوى القرضاوي هذه الطريق أمام تحويل النساء إلى انتحاريات.

وعليه، هل القرضاوي، المعروف بوصفه الزعيم الروحي لحركة حماس، قد أصبح معتدلاً؟ إن السبب الذي دفعه للتراجع عن جواز القيام بالعمليات الانتحارية لا يرتبط باعتقاده أنها عمل كريه. فالجواز الذي أصدره جاء من قاعدة شرعية تسمى "الضرورة". وهي تطبق في الحالة التي لا يكون فيها هناك حل آخر، فيمكن السماح بأمور أخرى تمنعها الشريعة. فلم يكن أمام الفلسطينيين من خيار سوى تحويل أنفسهم إلى قنابل بشرية، وبذلك زرع الخوف والرعب بين الأعداء. إلا أنه عندما يتغير الواقع ويصبح لدى الفلسطينيين الصواريخ والأنفاق التي يمكن بواسطتها، على الأقل، ردع العدو فإن الفتوى الشرعية تتغير بما ينسجم مع ذلك. وبالمناسبة هذه الفتوى مكتوبة في كتابه "فقه الجهاد" الصادر عام 2010.

وتشتهر الفتاوى الشرعية للقرضاوي بأنها ترتبط بالسياق الاجتماعي والسياسي. وهو مشهور بصفته مؤسس نظرية شرعية جديدة بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في الغرب. ورؤيته السياسية تقوم على أن الإسلام سيقود العالم، ولذلك هناك واجب على المسلمين أن يستوطنوا في الغرب وذلك بهدف العمل هناك في نشر الإسلام. 
ويثير السكن في الدول غير الإسلامية في أوساط المسلمين في الغرب مشاكل على صعيد المحافظة على الهوية الإسلامية وعلى الشريعة. ومن أجل التخفيف على الحياة والمساعدة في أسلمة الغرب، فقد غير القرضاوي الشريعة الإسلامية بشكل لم يُعرف من قبل: فقد أجاز للمسلمين أخذ القروض بالفائدة، التي يحرمها القرآن، من أجل شراء المنازل، وأرسى تسهيلات كبيرة في قوانين الذبح والحلال وحتى في قوانين الزواج.

ويرى القرضاوي في المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية نزاعاً لاهوتياً بين الإسلام واليهودية. فـ "أسلمة" الغرب وتدمير إسرائيل هما حلمه العظيم. ومع ذلك فإنه يمكن الاستفادة من براغماتيته. وبذلك نجده يقول في كتابه "القدس: مشكلة كل مسلم": "إذا كان المسلمون يواجهون صعوبة كبيرة بسبب الحرب مع إسرائيل فإنه يسمح لهم بشكل مؤقت التخلي عن تحريم التوقيع على سلام معها من أجل منفعتهم ولإعادة تنظيم صفوفهم. إلا أنه يحرم عليهم هجر واجب الجهاد بشكل كامل". إذا كانت "الضرورة القصوى" تبيح لهم القيام بعمليات انتحارية فإنه يمكن للضرورة عينها أن تدفعهم لوقف الحرب.


ترجمة: مرعي حطيني