المصلحة المشتركة لروسيا وتركيا تتطلب منهما تجاوز اغتيال السفير

لقد أصبح موضوع هوية منفذ عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا، أندريه كارلوف، أصبح الآن موضوعاً ثانوياً في مقابل الخوف من تدهور العلاقات بين روسيا وتركيا وذلك بعد أشهر قليلة من رأب الصدع بينهما في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

نجحت روسيا وتركيا على الرغم من العلاقات الفاترة بينهما في بناء أرضية مقبولة للتعاون
أعلنت روسيا الرسمية أنها ترى في الاغتيال عملية إرهابية، ولكن يبدو أنه ليس لديها رغبة في تحميل المسؤولية المباشرة للنظام التركي، أو التراجع عن اتفاق المصالحة بين الدولتين.   ومع ذلك هي تنتظر الرد على بعض الأسئلة الصعبة. ومن ذلك على سبيل المثال، كيف حدث أن رجل أمن تركي، حقيقي أم مزيف، يحمل أيديولوجية شخصية أو تنظيمية معادية لروسيا، كيف استطاع ذلك الرجل الدخول بين أعضاء الوفد المرافق للسفير؟ أو لماذا لم يتم تفتيشه عند دخوله إلى الصالة الفنية الحديثة؟ وكيف استطاع المرور عبر مصافي الاستخبارات التركية التي تدقق على مدى شهور طويلة في المعلومات حول كل ناشط إرهابي، وحول الخصوم السياسيين ومنفذي الاغتيالات المحتملين؟   لقد تم في عام 2016 تنفيذ سبع عمليات خطيرة في تركيا كان آخرها في الأسبوع الماضي، حيث يمكن بالنسبة لها جميعاً طرح أسئلة حول الهوية. ولكن إذا كان هناك في كل العمليات جهة قد تبنت مسؤوليتها عنها، أو كان هناك عنوان محدد يمكن تحميله المسؤولية، مثل حزب العمال الكردستاني (PKK) أو داعش، فإنه لا يوجد هذه المرة عنوان واضح – إذ أن هناك مئات المواطنين أو اللاجئيين في تركيا الذين يتوقون إلى توجيه ضربة لروسيا.   وقد نجحت روسيا وتركيا، على الرغم من العلاقات الفاترة بينهما (لم تقم روسيا، إلى الآن، بإلغاء قسم من العقوبات التي فرضتها على تركيا في أعقاب قضية الطائرة)، نجحتا في بناء أرضية مقبولة للتعاون لجهة كل ما يتعلق بالأزمة في سوريا بشكل عام، وحلب بشكل خاص. وهذا التعاون هو الذي أثمر اتفاق وقف إطلاق النار في حلب الأسبوع الماضي، الذي بدأ بالفعل بمقتل عدد آخر من المدنيين الهاربين إلا أنه استمر بشكل مقبول نسبياً.   ومن المقرر أن يلتقي في موسكو وزراء الخارجية والأمن (الدفاع) لكل من روسيا وتركيا وإيران من أجل البحث في الطرق لتطبيق أفضل لاتفاق وقف إطلاق النار، وبشكل خاص لتوسيع احتمالات خروج المدنيين المحاصرين والسماح بدخول قوافل المساعدة الإنسانية. ومن المتوقع أن يتم في الاجتماع نفسه بحث مستقبل المفاوضات السياسية لحل الأزمة في سوريا. 
ولم يعلن أي من الأطراف عن إلغاء اللقاء بسبب حادثة اغتيال السفير، ومن المرجّح أن يتم عقده كما هو مخطط له بسبب أهميته الإستراتيجية. ومن المحتمل أن تساعد عملية الاغتيال بالذات روسيا على ممارسة الضغط على تركيا لدفعها إلى تليين موقفها في موضوع مستقبل الأسد. وقد أوضحت تركيا يوم أمس أنها تعارض استمرار بقاء الأسد، في مقابل المواقف الثابتة لكل من روسيا وإيران اللتين تريان في الأسد مرساة حيوية لوحدة سوريا ولترسيخ نفوذهما في المنطقة. إلا أن هذه الأقوال قد جاءت قبل عملية الاغتيال.       وعلى الرغم من تناقض هذه المواقف، وربما بسببها، يبدو أن روسيا قد قررّت منح تركيا احتضاناً إستراتيجياً عندما قررت اختيارها هي بالذات للمفاوضات حول وقف إطلاق النار في حلب، وهي المفاوضات التي لم تشارك فيها لا إيران ولا سوريا، وذلك عندما منعت الميليشيات الإيرانية خروج المدنيين عبر الحواجز التي تسيطر عليها. والشراكة مع روسيا حيوية بالنسبة لتركيا من أجل وقف تمدد القوات الكردية على الحدود التركية مع سوريا، وكذلك أيضاً من أجل الحصول على الصمت الروسي حيال تعميق الغزو التركي للأراضي السورية. كما تعوّل تركيا على أن تحصل من روسيا على موافقة لإقامة مناطق آمنة، وبالذات بسب معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لها، والتي تخشى من أن تلزمها خطوة كهذه بتدخل جوي أوسع بكثير. ولكن بعد أن انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية، كأمر واقع، من التدخل على الساحة السورية (باستثناء المعركة ضد داعش)، يستطيع التحالف مع روسيا أن يحقق الرغبة التركية.   وروسيا من جانبها بحاجة إلى التأييد التركي للأسد، أو على الأقل موافقتها على أن يكون الأسد رئيساً في الفترة الانتقالية إلى حين الانتخابات. واتفاق كهذا، إذا ما تم تحقيقه، يعني أن قسماً من الميليشيات المموَلة من قبل تركيا، بما في ذلك ميليشيات الجيش السوري الحر، الذي بدأ رحلة الثورة ضد الأسد، سيكون عليها إلقاء سلاحها أو توجيهه ضد داعش فقط. وإذا ما تم تحقيق هذا الهدف فإنه سيكون على الكثير منها الموافقة على وقف شامل لإطلاق النار من أجل البدء بالعملية السياسية التي ستقودها، منذ الآن، روسيا.   هذه هي لعبة الدومينو التي سعت إليها روسيا منذ أن حددت حلب كهدف إستراتيجي هو الأول من حيث الأهمية، وبعد أن كانت قد أوضحت في الصيف أن المعركة على المدينة ليست في المرتبة الأولى.

 وتتطلع روسيا للذهاب إلى المفاوضات ومعها ليس فقط واقعاً عسكرياً جديداً بل واقعاً يظهر النظام السوري كقوة مهيمنة في البلد، وكذلك عدداً من الحقائق السياسية المسلم بها. والأهم من بينها جميعاً أن يكون هناك محوراً تركياً – إيرانياً – روسياً يتحدث بلغة واحدة ويتبنى شعاراً واحداً يقول "الشعب السوري هو من يحدد مستقبله"، وهو ما يعني أن الأسد هو أحد الخيارات، بالإضافة موافقة واسعة إلى أقصى درجة ممكنة من قبل المتمردين الذين تعرضوا لهزيمة قاسية.   إن الارتباط المتبادل بين روسيا وتركيا يتطلب منهما تجاوز عملية الاغتيال. وألاّ يحوّلانها إلى فوضى سياسية، بل استخدامها كرافعة لتحقيق الهدف السياسي. وعلى الورق، من شأن الخطة الروسية – التركية أن تزيل الانسداد في المسار السياسي، ولكن، وحتى إذا سار كل شيء حسب الخطة، فإن تركيا ستبقى مع بؤر الإرهاب الخارجة عن السيطرة التي تنشط في أراضيها، والتي تُظهر قدرات تنفيذية خطيرة.
ترجمة: مرعي حطيني