"جيروزاليم بوست": الجيش يقوّض الثقة مع وسائل الإعلام وسيُلحق الضرر بإسرائيل
تتساءل صحيفة "جيروزاليم بوست" عما سيفعله الجيش الإسرائيلي عندما يحتاج إلى وسائل الإعلام لتصديق ما يقوله عندما يقوم بمناورة أخرى، أو عندما يكون هناك حادث عملاني يحتاج إلى توضيح؟ "وسائل الإعلام لن تصدق كلمة واحدة".
تناولت صحيفة "جيروزاليم بوست" العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة الأخيرة، منتقدة وسيلة الخداع التي يستخدمها الجيش لتضليل الإعلام حول عملياته ومبرراتها. وترى أن "إسرائيل" تواجه في لاهاي تحقيقاً محتملاً في جرائم حرب، مما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية.
وفيما يلي نص المقال المترجم:
اسمحوا لي أن أقول هذا مقدماً: نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات مثيرة للإعجاب في السنوات الأخيرة، مستخدماً الحيلة والخداع لإنقاذ أرواح الإسرائيليين، وكسب المعارك التكتيكية، وتجنب تصعيد أكبر.
يستحق الجيش الثناء على إبداعه وارتجاله، لكن في بعض الأحيان يحتاج إلى النظر إلى ما يفعله من منظور أوسع - أن هناك أيضاً ثمن يجب دفعه، وهذا الثمن هو ثقة وسائل الإعلام بالجيش.
تحت رئيس الأركان أفيف كوخافي والمتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي اللذين عمل معهما - رونين مانيليس وهداي زيلبرمان - قوّض الجيش بشكل أساسي ثقة وسائل الإعلام به من خلال تسليح وحدة المتحدث الرسمي.
إذاً، بينما يبدو النجاح التكتيكي اليوم مثيراً للإعجاب في الوقت الحالي، ماذا عن الغد؟ ماذا يحدث عندما يحتاج الجيش إلى وسائل الإعلام لتصديق ما يقوله عندما يقوم بمناورة أخرى، أو عندما يكون هناك حادث عملاني يحتاج إلى توضيح؟ وسائل الإعلام لن تصدق كلمة واحدة.
الخلفية: في أيلول/سبتمبر 2019، كان حزب الله يهدد بضرب إسرائيل رداً على هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية مزعومة في لبنان قبل ذلك بأسبوع. ما فعله الجيش الإسرائيلي كان لافتاً ومثيراً للإعجاب: بعد تنفيذ عملية من حزب الله، تم تحميل الجنود على نقالات، وهبطت طائرة هليكوبتر طبية في مركز رامبام الطبي في حيفا حيث أفرغت حمولة الجرحى، الذين تمّ تغليف جروحهم الدموية بضمادات.
فقط لم يصب أحد. كان الجنود مزيفين وكذلك الدم والضمادات. بحلول الوقت الذي أصبح فيه ذلك معروفاً، شعر نصر الله بالفعل أن عمله الانتقامي كان ناجحاً وأنه لا توجد حاجة لمزيد من الهجمات.
لقد كانت خطوة رائعة جنبت تصعيداً أوسع. لكنها قوضت أيضاً ثقة وسائل الإعلام بالجيش الإسرائيلي، ولا سيما وحدة المتحدث الرسمي. في غضون ساعة أو ساعتين بين الهجوم على الجيب وعندما أصبح الحدث المنظم علنياً، لم يرد الضباط في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على هواتفهم، أو رفضوا التعليق على ما كان يحدث بالفعل.
هل كان الخداع بارعاً؟ نعم. هل جاء بثمن؟ نعم.
الآن قم بربط النقاط بما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع: في ليلة الخميس بعد منتصف الليل بقليل، غرد الجيش الإسرائيلي باللغة الإنكليزية قائلاً إن "القوات الجوية والبرية للجيش الإسرائيلي تهاجم قطاع غزة حاليًا".
في مكالمات هاتفية لاحقة، قال أحد المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي على ما يبدو للصحفيين الأجانب إن القوات عبرت الحدود إلى غزة. تمّ الإبلاغ عن هذا على الفور على نطاق واسع في منافذ (إعلامية) مثل "وول ستريت جورنال" و"واشنطن بوست".
كانت المشكلة أن القوات لم تعبر الحدود. بقت في إسرائيل. ثم بعد لحظات من صدور هذه التقارير، قصفت عشرات الطائرات الإسرائيلية "مترو" حماس، وهي شبكة أنفاق تحت الأرض شيدتها حماس بكد منذ حرب غزة في عام 2014.
شعرت وسائل الإعلام الأجنبية في إسرائيل أنها تعرضت للخداع، وأن الجيش الإسرائيلي ضللها عمداً لخداع حماس للاعتقاد بأن غزواً برياً قد بدأ، حتى تدخل قواتها الأنفاق.
الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي العميد هداي زيلبرمان أرسل خطاباً إلى جمعية الصحافة الأجنبية يوم السبت يرفض المزاعم، لكن في المحادثات مع الصحفيين الأجانب، لم يصدقوه. إنهم يشعرون وكأن الجيش الإسرائيلي يتلاعب بهم عن عمد لتحقيق مكاسب عسكرية تكتيكية.. "وقد يكونون على حق".
وبعد ساعات، قصف سلاح الجو يوم السبت برجاً في غزة يضم مكاتب وكالة "أسوشيتيد برس" و"قناة الجزيرة".
زعم الجيش الإسرائيلي أن استخبارات "حماس" كانت تستخدم المبنى، لكن بحلول مساء الأحد رفض الكشف عن أي دليل.
سرعان ما أتى الهجوم في أعقاب التلاعب المزعوم، وكان الهجوم كافياً للرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن للتدخل. أصدر كلاهما بيانات دعت إسرائيل إلى حماية الصحفيين وليس مهاجمتهم. في حين أن القصة لم تتصدر عناوين الصحف في إسرائيل، فقد أصبحت محور الصراع في جميع أنحاء العالم.
هل فكر أحد في الجيش الإسرائيلي في تداعيات مهاجمة المكاتب الإعلامية بعد وقت قصير من اتهامه بخداع وسائل الإعلام؟ هل يهتم أي شخص هناك بالتفكير في كيف سيبدو هذا في عيون العالم؟
أشك في هذا. أشك في أن زيلبرمان أو أي شخص آخر في الجيش قد فكر مرة أخرى فيما سيفعله هدم مبنى الجلاء المكون من 12 طابقًا في مدينة غزة، وكيف سيُنظر إليه. هل كان الهدف حرجاً للغاية، قنبلة موقوتة، بحيث كان يجب قصفه يوم السبت؟ ألا يمكن أن تنتظر يوماً أو يومين؟ شخص ما يحتاج لشرح ما يحدث هنا.
لسوء الحظ، لا أحد - وهذه ليست المرة الأولى التي يفشل فيها الجيش الإسرائيلي في توقع الشكل الذي ستبدو عليه أفعاله دولياً.
في كثير من الأحيان، في العديد من الحروب، فشل الجيش الإسرائيلي في نشر مقاطع فيديو تدعم الادعاءات، أو يتجاهل طلبات وسائل الإعلام للتوضيح على الرغم من الانتقادات الدولية. وهذا على الرغم من أن مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي هو أكبر وكالة علاقات عامة في إسرائيل، بميزانية تبلغ عشرات الملايين من الشواكل وأكثر من 500 جندي وضابط يعملون فيها. يمكنهم فعل ما هو أفضل. إلا أنهم نادرا ما يفعلون. وهذا هو المكان الذي نصل فيه إلى مسألة الثقة.
هناك ثلاثة أسباب لأهمية الثقة. الأول لإسرائيل نفسها. هذه ديمقراطية، ووحدة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي هي مؤسسة تديرها الدولة. لا يمكن أن تكذب أو تخدع الصحفيين. إذا كانت مصداقيتها بأكملها مبنية على الحقيقة، فإن مصداقيتها تتقوض عندما يُعتقد أنها تتلاعب بوسائل الإعلام.
والثاني هو أنه سيأتي وقت قريب سيطلب فيه الجيش الإسرائيلي من الصحفيين تصديقه في قضية معينة. سيحدث شيء كبير في مكان ما، وسيحقق الجيش الإسرائيلي ويشرح ما حدث. إذا لم تصدقهم وسائل الإعلام الآن، فلن يصدقوه حينها.
ثالثاً، تواجه إسرائيل في لاهاي تحقيقاً محتملاً في جرائم حرب، مما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية. إحدى الطرق التي ترد بها إسرائيل هي توضيح أن الجيش الإسرائيلي يحقق بنفسه، وأن القضاء في إسرائيل مستقل أيضًا.
ولكن إذا تمّ ضبط الجيش وهو يخدع وسائل الإعلام، فلماذا تعتقد المحكمة الجنائية الدولية أنه لا يتم خداعها أيضاً؟
نحن لسنا أذكياء!