"القناة 7": إسحاق بريك يكشف مشاكل بالجيش الإسرائيلي لا يعرفها كثيرون

القناة السابعة تنشر مقابلة مع اللواء في الإحتياط إسحاق بريك الذي لم يفاجأ بمحاولات التكتّم التي راكمتها قيادة الجيش الإسرائيلي حول التقرير الخطير الذي كتب قبل عامين ونصف، والذي كشف فيه سلسلة شوائب تنظيمية مثيرة للقلق في كافّة صفوف الاحتلال الإسرائيلي.

  • القناة7 تنقل مقابلة لاسحاق بريك تظهر مشاكل في
    "القناة 7": إسحاق بريك يتحدث عن مشاكل إسرائيلية داخلية لا يعرفها كثيرون

مقابلة مع اللواء الإسرائيلي السابق اسحاق بريك على "القناة السابعة"، تظهر مشاكل في الجيش الإسرائيلي لا يعرفها كثيرون.
 
 فيما يلي الترجمة الحرفية للمقابلة، التي نقلها إلى العربية قسم الشؤون الإسرائيلية في الميادين:
 
اللواء في الإحتياط إسحاق بريك لم يفاجأ بمحاولات التكتّم التي راكمتها قيادة الجيش الإسرائيلي حول التقرير الخطير الذي كتب قبل عامين ونصف، والذي كشف فيه سلسلة شوائب تنظيمية مثيرة للقلق في كافّة صفوف الجيش.
 
فترة خدمة رئيس هيئة الأركان العامة الحادي والعشرين للجيش الإسرائيلي، الفريق (في الإحتياط) غدي أيزنكوت، كانت حافلة بالعواصف التي توالت واحدة تلو الأخرى. الأكثر بروزاً، وحتى الأخطر بينها، كان التقرير الأخير الذي قدّمه في حزيران/يونيو 2018 اللواء (في الإحتياط) إسحاق بريك في وظيفته بصفته مندوب شكاوى الجنود.

وصف التقرير بالتفصيل مختلف المشاكل التنظيمية والإستراتيجية التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي، مشاكل حرص الجيش طوال الأعوام على تجاهلها. الجيش الإسرائيلي فعل كلّ ما يقدر عليه لدفن هذا التقرير، وبالأخصّ التأكّد بأن الجمهور لن يسمع عنه على الإطلاق، لكنه أخفق في المهمّة.

أمام كل قيادة الجيش وقف بريك نفسه، الذي وضع كلّ ثقله على نتائج التقرير وحرص على أن يخرج للجمهور عيّنة منه.

بالنسبة لقيادة الجيش كان الأمر يتعلّق بفتح صندوق بندورا (صندوق يحتوي على الويلات والشرور) محفوف بالمخاطر، وبعد النشر حاولوا بأية طريقة ممكنة زعزعة مصداقية التقرير ومصداقيّة بريك ذاته.

في تسريبات إلى وسائل الإعلام قيل بأن التقرير يتخطى الحدود، لأن بريك لم يكن يملك أدوات لكتابة ما كتبه، ولأن اللواء في الإحتياط الذي نال وسام الشجاعة على أداء عمله بعبور القناة في حرب يوم الغفران يعاني من ما بعد الصّدمة النفسية من نفس النشاط، ولذلك كتب أموراً لا يوجد بينها وبين الواقع كثير من الصلة.

بعد عامين ونصف على نشر التقرير يجري بريك مقابلة خاصة يوضح فيها لماذا لم يفاجأ بالهجوم المضاد للجيش الإسرائيلي على نتائجه، يشارك بارتياح لأنّه من الواضح اليوم لكل قيادة الجيش بأن التقرير دقيق تماماً، كما أنه يقدّم نظرة إضافية، أكثر إزعاجاً، عن وضع الجيش الإسرائيلي.

 "ضبّاط اعتادوا عدم تنفيذ الأوامر"

هل فوجئت من قوّة المعارضة التي بذلها الجيش الإسرائيلي في تقريرك؟

ولا لحظة. عرفت بالضبط بأن هذا ما سيحصل. هؤلاء هم نفس الجنرالات الذين قادوا طوال الأعوام كلّ المشاكل التي أشرت إليها. لو قالوا علناً بأنني صادق، لكان هذا مفاجئاً. ما حصل- كان أمراً مريعاً متوقّعاً. إستعدّيت لذلك.

هل خشيت بأن ينجح كلام هيئة الأركان العامة بزعزعة ثقتك؟  

كلا. كلّ ما كتبته مدعوم بالوثائق. ما كتبته هو في الواقع هو إعادة تنظيم لثلاثة تقارير مراقب الدولة وثلاثة تقارير لمراقب وزارة الأمن، اللذين كتبا نفس الأمر. إنّها أمور شاهدتها بأمّ عيني ووثّقتها على مرّ السّنين. مذكّرات فوق مذكّرات لشهادات لجنود في الميدان. عرفت بأنّ كلّ كلمة في هذا التقرير صحيحة، وعرفت بأنه لا يمكن السماح لذلك بأن يدفن.

نحن موجودون في أصعب حالة لناحية قدرات الجيش منذ قيام الدولة. وصلنا إلى هذا الوضع لأنّنا دفنّا المسألة مجدّدًا. حتى أنا أخرجت ذلك إلى العلن فقط بعد أن شاهدت أن لا أحد فعل شيئًا إزاء ذلك. فقط حينها أدركت أنه بدون هزّ المؤسسة وإخراج هذه التقصيرات إلى العلن، لن يتطوّع الجيش الإسرائيلي لإصلاح هذه الشوائب، بحيث إذا لم يقم بذلك نحن لا نملك أية فرصة لمواجهة تحدّياتنا الأمنية.

التقصيرات أخطر من ما يمكن وصفه. إنها تضعف مجالين أساسيّين في كلّ مؤسّسة: الثقافة التنظيميّة والمفهوم الاستراتيجيّ. إنّهما محوران معقّدان تطوّرا بالتوازي، لكن دمجهما يبقينا دون أمل.

من يسمع من الحياد قد يعتقد أن بريك يضخّم الوضع. لكن كلّ ما سيقال في الأسطر التالية يستند إلى عشرات ساعات المحادثات، التوثيقات والزيارات التي قام بها شخصيّا في كلّ قاعدة ممكنة في الجيش الإسرائيلي.

بريك يحدّد بأن "ذراع البرّ التابع لنا ببساطة لا تتمّ إدارته.... لا يوجد أيّ تزامن بين مختلف الأقسام للذراع البريّةّ. في الذراع الجوّيّة وفي الذراع البحريّة يوجد ضابط برتبة لواء يترأس الذراع ومنه تصدر التوجيهات بصورة منظّمة إلى الأسفل. يملك الصلاحيات على كلّ الذراع. لديه طاقم، توجد مباحثات، توجد توجيهات وكل شيء ينزل إلى الأسفل كما يجب. كلّ ذلك لا يحصل في ذراع البرّ، الذي هو الهيئة الأساسيّة التي يتألف منها الجيش الإسرائيلي".

من كان يفترض أن تكون الجهة التي ستشغل هذه الوظيفة؟

يعتبر قائد الذراع البرية عن طريق الخطأ كمن يترأس الذراع، لكن هذا غير صحيح. في الواقع إنه ليس قائد ضباط الميدان. إنه غير مسؤول عن تشغيل القوة، كما في سلاحي الجو والبحر، بل فقط عن مبنى القوّة، الذي يشمل مخطّطات التدريبات، التأهيلات والمناورات.

من يفترض أن يفعل ذلك هو رئيس هيئة الأركان العامة نفسه، وهو لا يمكنه فعل ذلك ببساطة لأنه ليس لديه وقت. إنه أيضاً قائد كل الجنرالات، القائد المباشر للذراع البرية وحتى القائد الذي يرأس جنرالات الجو والبحر. لا يوجد أمر كهذا في أي جيش آخر في العالم. لأنه لا يملك الوقت لذلك، من يفترض أن يفعل ذلك بالفعل هو نائب رئيس هيئة الأركان العامة.

لكن أيضًا توجد في ذلك مشكلة، لأنه يأتي لعامين فقط، يفترض أن يجتاز خلالهما تأهلاً على المستوى الاستراتيجي بسبب كونه رئيس هيئة الأركان العامة المقبل. في المحصّلة، لا يوجد لدى جيش البرّ من يديره فعليّا".

هذا يُفهم كأمر ما بيروقراطيّ وليس مصيريّاً إلى هذا الحدّ. هل توجد لذلك انعكاسات عمليّة تضرّ بالجيش؟

بالتأكيد. هذا أساس المشكلة التي منها تولّدت كل تقصيرات الثقافة التنظيمية الفاسدة في الجيش الإسرائيلي. سأقدّم لك النموذج الأكثر جوهرياً. من هو مسؤول عن التدريبات في الجيش هو قائد الذراع البريّة، لكنه لا يتواصل مع القيادات، لأنه لا يبني خطة تدريبات ملائمة لحاجاتهم. في جزء من الحالات لا يتحدّث الجنرالات مع بعضهم البعض عمومًا. الغالبية الحاسمة من التدريبات التي تشغّلها قيادة الذراع البريّة بنيت من أجل مواجهة ميدان معركة غزة، لكن هذا ليس ما تحتاجه قيادة الشمال. يجب عليها أن تتدرب على ميدان معركة لبنان وسوريا، يعني مخططًا جبليّاً، وهذا تقريباً غير موجود. في المحصلة الجنود غير مدرّبين على ساحات المعركة الصحيحة.

تقصير حصد ضحايا

غياب إدارة ذراع البرّ ولّدت سلسلة مشاكل إضافيّة، ليست أقلّ خطورة. الأبرز بينها هو مجال المراقبة والمتابعة في الجيش الإسرائيلي. للوهلة الأولى، يدور الحديث عن مسألة رماديّة بما يكفي. في الواقع، إنها منقذة.

يقول بريك إن "أحداً في الجيش الإسرائيلي لا يصدّق بأن الأوامر التي تصدر قد تمّ استيعابها وطبّقت. قبل ثماني سنوات وصل مراقب للجيش. وظيفة جديدة أوجدت من العدم، إضافة إلى مراقب الدولة ومراقب وزارة الأمن. لم يكن لدى مراقب الجيش طاقم، آنذاك أخذوا كل من كان في مجال المراقبة والمتابعة، أولئك الذين يفترض أن يراقبوا إذا كانت التوجيهات والأوامر تنزل إلى الأرض وكيف تنفّذ، ونقلوها إليه. النتيجة هي أنّ أحداً لم يصدّق ما يحلّ بالأوامر التي تعطيها القيادة الرفيعة".

في مقابل ذلك، يضيف "بدأت ظاهرة تعويم الأوامر. قرّر كل قائد بأنه سيكون حكيمًا جدّا إرسال توجيهاته وأوامره لتوزيعها على انتشار واسع، بدل إصدارها في سلسلة القيادة بصورة منظّمة. الفكرة كانت أنّهم بهذا الشكل سيوفّرون الوسيط، وأوامر الضباط الرفيعين سيتمّ استيعابها بنحو أفضل. في الواقع حصل العكس".

ويؤكد أن "كل ضابط في الجيش الإسرائيلي يتلقى في يوم واحد عشرات الرسائل الإلكترونية التي لا يعرف كيف يتعامل معها ورغم ذلك يجب عليه التعامل معها. في أعقاب هذه الإدارة، ببساطة توقّف القادة عن تنفيذ الأوامر التي تقدّم لهم. إنهم يعرفون أن لا أحد مسؤول عنهم ولا أحد يدقّق في ما فعلوه حقيقة وما لم يفعلوه، وهم أيضاً بهذا الشكل يرزحون تحت الضغط ولا يمكنهم معالجة أي أمر يلقى على عاتقهم. نشأت إدارة، القادة فيها بشكل عام لا يقرأون الأوامر التي تنقل إليهم، ونتيجة لذلك فهم لا ينفّذونها. ضبّاط اعتادوا عدم تنفيذ الأوامر".

بريك يشير إلى أن "نتيجة هذا الإخفاق إكتشفها الجمهور في إطلاق نيران صاروخ الكورنيت على باص بالقرب من قطاع غزة في تشرين الثاني 2018. حين حقّقوا كيف يمكن لحادث كهذا أن يحصل اكتشفوا بأن قائد المنطقة أعطى أوامر واضحة جدّا كي لا يحصل ذلك. لكنه أصدر هذا التوجيه في نفس الرسائل الإلكترونية التي اعتاد القادة عدم قراءتها، وهكذا تبيّن أن عددًا من القادة تلقوا التوجيه ولم يطبّقوه، وجزء منهم خلال ذلك لم يتلقّوه. إنه واثق بأنهم جميعاً قد تلقّوه. اللواء أصدر الأمر، إنه واثق بأنهم جميعاً يتلقّونه وجميعهم ينفّذونه، وفي الواقع لم يطبّق شيء. ذلك ثمنه حياة جنود".
 
هذان التقصيران كان بالإمكان إصلاحهما، يظن بريك، لكن الأمر أصبح غير ممكنا في أعقاب ما يعرّفه كثقافة كذب لإخفاء وتجاهل المشاكل، وكنس تقصيرات تحت السجادة. هذه الثقافة، هو يشرح، موجودة في كل مراتب القيادة في الجيش الإسرائيلي.

"عُرض أمام المجتمع جزءًا صغيرًا جدًا من الظاهرة في محاولات لزعزعة مصداقية التقرير الذي أعددته، لكن ليس لديه فكرة كم أن الأمر عميق. كل ما أخبرتك به يظهر في تقارير مراقب الدولة، مراقب وزارة الأمن ومراقب الجيش. لكن الضباط الكبار فضّلوا ببساطة تجاهل كل ما كُتب هناك. هم بشكل عام لم يقرأوا التقارير. خلال خدمتي، قال لي أحد الضباط برتبة لواء انه لو كان لديه بضع دقائق في اليوم، ربما كان يلقي نظرة على التقارير. ليكن بعلمك، لا تتعلق المسألة بتقارير عن أخطاء صغيرة. تتعلق المسألة بوثائق تصف بالتفصيل انهيار تشكيلات هجومية كاملة. تشكيل المدرعات غير المستعد للحرب، كما نُشر قبل عدة أشهر، هو فقط احدها".

أين مَن يُفترض أن يراقب الجيش؟ أين لجنة الخارجية والأمن؟

لجنة الخارجية والأمن تحوّلت في السنوات الأخيرة لتصبح ما يشبه جماعة ضغط تابعة للجيش الإسرائيلي. هذا بالمناسبة ليس مفاجئا جدا، فجزء كبير من أعضائها هم ضباط كبار سابقون، أوجدوا تلك المشاكل. هل تظنّ أنهم سيظهرون مشكلة بحيث سيأتون إليهم بعد ذلك بادعاءات ويقولون لهم "لماذا لم تعالجوا الأمر عندما كنتم في الجيش؟"- من الواضح أنه كلا.

في الحالات حيث تحصل اللجنة على الصورة المقلقة، هي تناقش بشكل خاص كيف تحول دون معرفة الجمهور درجة خطورة الوضع. خذ قضية سرقة الأسلحة. سنة 2018 حصلت في إحدى قواعد الجنوب أكثر من 50 حادثة سرقة سلاح. وصل هذا الموضوع إلى مناقشة في اللجنة، لكن لم يسمع عنه أحد تقريباً في الخارج. بهذا الشكل تُدار المسألة. المشكلة هي انه في معظم الحالات تحصل اللجنة على صورة بأنه لا توجد أي مشكلة وكل شيء رائع في الجيش الإسرائيلي.

أنت في الواقع تقول إن الجيش الإسرائيلي يقدّم للجنة عرضاً كاذباً

تقريباً في كل موضوع. هي تحصل على صورة وضع غير موجودة، عروضاً من يقوم بعرضها يعلم أنها كذب محض. هي تحصل على ألعاب مع المعطيات، تضليل موجّه، ويخفون عنها معلومات بصورة ثابتة. عندما عرضت التقصير على اللجنة، تلقيت مكالمة هاتفية من مساعد وزير الأمن في تلك الأيام، الذي غضب مني لأني عرضت أمام اللجنة غسيل الجيش الإسرائيلي المتّسخ. قال إن المسألة تتعلق بمجموعة سياسيين فقط سيأخذون قصصاً كتلك ويصنعون منها عناوين وحملات إعلامية ولن تؤدي إلى مساعدة الجيش. هذا هو الموقف السائد في الجيش الإسرائيلي، كما في وزارة الأمن في معظم الحالات.

اللواء يكذب أمام اللجنة

سياسة الكذب لدى الجيش الإسرائيلي أمام الهيئات المفترض أن تراقبه كُشفت جزئياً في قضية تجنيد الحريديم. كما ذُكر، صورة الوضع التي عرضها الجيش على لجان الخارجية والأمن والكابينت كانت أن مشروع تجنيد الحريديم ينجح، أو على الأقل لم يفشل كما يحصل فعلياً. لكن كشف كارميلا مناشيه (مراسلة الشؤون العسكرية في اذاعة الجيش الإسرائيلي) أظهر أن المعطيات التي عُرضت أمام النواب، وعُرضت أمام الجمهور نفسه من قبل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، قد زُيّفت بصورة ملحوظة. قبل قرابة سنة كشفنا في "في السابعة" كيف يتم إجراء تزييف المعطيات فعلياَ.

ويلفت بريك إلى أنه "في الجيش الإسرائيلي ثمة سياسة لعدم غسل الملابس المتّسخة في الخارج. الفكرة هي أنه في حال علم المجتمع بالعقبات فسوف يفقد الثقة بالجيش، وفي حال علم العدو بها سوف يفقد الردع. تلك بالتأكيد أخطاء. لا يوجد اليوم ردع مقابل العدو، وهذا رغم أن الغسيل المتّسخ لم يخرج إلى الخارج. وثقة المجتمع بالجيش الإسرائيلي تنخفض رغم التغطية".

هل شاهدت بعينيك، في جلسات اللجنة، تزييف المعطيات؟

أجل. طيلة عشر سنوات، مراراً وتكراراً. سأعطيك مثالاً واحداً من عدد لا يحصى. في إحدى الجلسات، عندما وصلت لأعرض المشكلة في وحدة مخازن الطوارئ، أرسل الجيش لواء كي يقدّم موقفه، بعد أن طلبت اللجنة إجابات. وصل اللواء إلى اللجنة وقال إن كل ما قيل في التقرير غير صحيح. لقد جلب عروضاً تظهر صور وضع مختلفة تماماً. بأنه لا يوجد نقص في القوة البشرية، والمخازن جاهزة للحرب. المسألة هي أن ذلك اللواء، قبل أسبوعين على ذلك، جلس عندي وأسِف على وضع وحدات مخازن الطوارئ. بدأت أخبر اللجنة ما قاله لي من داخل الدفتر. بدأ لونه يشحب ورأيت على وجهه أنه يصلي كي لا أقول انه الذي قال تلك الأمور.

سألته كيف بالتحديد يعلم أن هذا هو الوضع، وكانت إجابته انه أجرى مع ضباط صف محادثات تفصيلية وهناك هو شاهد الوضع. المشكلة هي أن ضباط الصف قالوا لي إنهم لم يقابلوا ذلك اللواء، المسؤول عن الموضوع، وبالتأكيد لم يتكلموا معه. جلس أعضاء اللجنة مرتبكون. هم لم يفهموا كيف نعرض صورة وضع معكوسة تمامًا. اقترحت عليهم القيام بما فعلته، الخروج إلى الميدان ومشاهدة الوضع بأعينهم. وافقوا على الاقتراح وذهبوا إلى وحدات مخازن الطوارئ في هضبة الجولان.

رفع أعضاء اللجنة الفرعية ما شاهدوه من جاهزية وأمن جار إلى كاتب تقرير تلخيص الجولة. لقد افتتحوه بالكلمات التالية:

"خلال الجولة صُدمنا برؤية الظروف القاسية التي يخدم فيها الجنود المتواجدون في وحدات مخازن الطوارئ". في وثيقة أعضاء اللجنة ينقل كلام عدد من ضباط الصف الـ20 الذين التقوا بهم في وحدات مخازن الطوارئ في هضبة الجولان. "جُمل مثل "ابني على وشك التجند وأنا أبذل ما بوسعي كي لا يرغب بالمجيء إلى وحدات مخازن الطوارئ" تثبت كألف شاهد إحباطهم من الوضع"، كتب أعضاء اللجنة. من بين المشاكل الصعبة التي يقومون بوصفها هناك نقص حاد في القوة البشرية، التي سنتطرق إليها فيما بعد، توفير المال الذي يؤدي إلى نقص في موارد عمل أساسية، راتب منخفض جدا بحيث أن جزء من الموظفين يضطر لاستكمال دخل، وبالطبع- صعوبات في الانتساب إلى الخدمة الثابتة على حافة التسرح. في الوثيقة يمرر الأعضاء انتقادا ملمّحا إلى الجيش الإسرائيلي، بأنه يعرض أمامهم صور وضع غير قائمة.

جيش الخيلاء للسلام

ثقافة الكذب التي يتحدث عنها بريك اخترقت أعماق سلسلة القيادة العسكرية. بحسب كلامه نجمت علاقة للصمت حيث يخاف ضباط من التذمر خشية من اعتبارهم متذمّرين وصرفهم خارجا. هو يرفع هذا التقصير، من جملة أمور، للخطة المتعددة السنوات غدعون، التي يعرّفها ككارثة شهدها الجيش.

"في الخطة المتعددة السنوات يتم الاقتطاع من القوة البشرية للجيش الإسرائيلي بصورة متطرفة وغير حكيمة. تم تسريح 5000 ضابط صف وضابط، وفي الموازاة أيضا تم تقصير الخدمة أربعة أشهر. والجزء الأخطر هو أن الاقتطاع لم يُنفذ بصورة مدروسة إنما بصورة عرضية. النتيجة كانت مدمرة. لم يبق للقادة الباقين قوة بشرية لتنفيذ المهام. اليوم ليس لدى القادة في الميدان ما يكفي من الجنود كي ينفذوا النشاط العملاني الملقى على عاتقهم".

ويضيف "أخبرني ضباط شبان والدموع في أعينهم أنهم عندما اشتكوا من ذلك لقائد سريتهم، حصلوا على إجابة انه ما من حلّ وعليهم مواجهة الوضع. في المرة الثانية التي اشتكوا فيها من أن قواتهم تنهار، وصفهم قادة السرايا بأنهم متذمّرون ولا يستطيعون مواجهة الواقع وأن عليهم مغادرة الجيش. الآن، قادة السرايا لا يفعلون هذا الأمر عن سوء نية، هم ينقلون الأمر من القادة الذين يرأسوهم، وأولئك ينقلون بدورهم الأمر ذاته من القادة من فوقهم إلى القيادة. في وحدات مخازن الطوارئ وجدوا حلا آخر. هم يعلمون أن لا احد يراقب ما يقومون به، عندئذ هم يسجلون في تقارير أنهم نفذوا أمورا لم يقوموا بها في الواقع. هناك مناطق كاملة في المخازن لم يقتربوا إليها منذ سنوات، وهي ضرورية جدا أثناء الحرب".

وعندما يأتي القادة الكبار إلى جولات في الوحدات المختلفة ألا يرون عدم وجود علاقة كبيرة بين ما هو مكتوب في التقارير وبين الواقع؟

أنت تنطلق من فرضية خاطئة. القيادة الرفيعة لم تزر وحدات مخازن الطوارئ منذ سنوات. ليس لديها أي فكرة عن ما يجري هناك. بشكل عام، القيادة ليست موجودة تقريباً في الميدان. هم لا يشاركون في مناورات. لا يشاهدون أي فصيلة تقوم بما هو مطلوب، وفي أي منها توجد ثغرات. كما أنهم لا يكافئون من يعمل كما ينبغي. الضباط الشبان لا يتلقون بشكل عام تدريباً من الضباط من فوقهم. هم لا يعرفون ما يجب القيام به، وعندما يطلبون من الضباط الأعلى منهم تعليمهم القيام بالعمل، يقومون بتجاهلهم في أحسن الأحوال ويضحكون عليهم في الأحوال الجيدة.

إلى جانب تقصير الثقافة التنظيمية، الذي وفق بريك يعمل رئيس هيئة الأركان كوخافي على تغييره، يوجد تقصير مفاهيم الأمن والاستراتيجيات العسكرية. ذلك التقصير، كما يزعم، جعل "إسرائيل" تبني جيشاً لا يتناسب مع التهديدات التي تواجهه.

"قبل عدة سنوات جلس رئيس الحكومة مع عدة مستشارين وحدد مفهوم أمن خاص به بموجبه التهديد الوحيد على "إسرائيل" تقريباً هو التهديد الإيراني. هذا الطاقم تجاهل تماماً التهديد الوجودي القائم على "إسرائيل" على شاكلة عشرات آلاف الصواريخ الموجودة لدى حزب الله وعناصر إرهاب آخرين يحيطون بها.هذه الخطة بشكل عام لم تصل إلى المناقشة في الكابينت، لم يسألوا الجيش عن رأيه بها وتجاهلوا تماما توصياته".

مفهوم أمن خاطئ، يشرح بريك، يرافق "إسرائيل" منذ سنوات طويلة. "هو نفسه يتحدث فقط عن الفترة التي كان خلالها في المنصب، بدءًا من غابي أشكينازي كرئيس هيئة أركان حتى أيزنكوت. "أشكينازي تولى منصب رئيس هيئة أركان بعد حرب لبنان الثانية".

ويضيف "عندما تولى المنصب، كان المفهوم الأمني السائد في القيادة أن الحروب الكبرى قد انتهت. الجيش المصري والجيش الأردني في حالة سلام، الجيش السوري بشكل عام ليس ذي صلة، وفعليا بقي مع ميليشيتَين إشكاليتَين على شاكلة حزب الله في لبنان وحماس والجهاد في غزة".

بريك يرى أنه "لأجل تلك الميليشيات هو ليس بحاجة لن يكون لديه جيشًا كبيرًا جدًا. في تلك اللحظة بدأت سياسة تقليص القوة إلى إطار يكفي لمهاجمة تلك الميليشيات في الموازاة إلى جانب إسناد جوي. هذا كان بالمناسبة تحديث نسبي، لأنه بعد حرب لبنان الثانية تكرس أخيراً مفهوم أنه لا يمكن إزالة تهديد الصواريخ عن "إسرائيل" عن طريق الجو فقط. في حرب لبنان الثانية أطلقوا علينا النار حتى اليوم الأخير من الحرب، رغم كل الهجمات الجوية. لكن برزت مشكلة صعبة في هذه الخطة. هي التطرّق إلى حزب الله وحماس وفقاً لحجمهما سنة 2007، وعدم الأخذ بالحسبان أنهما قد يتحولان من ميليشيات إلى جيوش بكل ما للكلمة من معنى. بدلا من بناء جيش لعشرات السنين، بنوا جيشًا للحظة الحالية".

وقد حصلت تلك التغييرات في وقت مبكر جداً. في عملية الجرف الصلب تبيّن أن لدى الجيش الإسرائيلي مشكلة في مواجهة القوة العسكرية التي تم بناؤها في غزة، وهذه فقط كانت الإشارات الأولى. الحرب الأهلية في سوريا حوّلت حزب الله إلى جيش مع قوات كومندوس متدربة جيداً. مخازن صواريخ المنظمة لا يمكن استيعابها. لدى حزب الله الآن 150 ألف صاروخ، على الأقل المئات منها دقيقة. حماس اجتازت عمليات مشابهة.

ويلفت إلى أن "كل السيناريوهات الخطيرة جداً قد حصلت. فجأة عاد السوريون أيضاً، وهم يبنون جيشهم من جديد بمساعدة روسيا. إضافة إلى ذلك، لم يأخذوا بالحسبان ماذا سوف يحصل في الانتفاضة الثالثة التي ستضم مئات جنود التنظيم مع بنادق وعبوات. من اجل إيقاف العمليات الإرهابية في الانتفاضة الثانية كان علينا حشد معظم القوة النظامية للجيش في يهودا والسامرة. كيف ستقوم بذلك مجدداً بينما اقتطعت جيش البر إلى ما لا نهاية؟ سيناريو التهديد المنطقي اليوم هو مواجهات في أربع ساحات. الجيش الإسرائيلي، بسبب نموذج أشكينازي، لا يستطيع مواجهة هجمة حتى في ساحتين".

بني غانتس، الذي جاء بعد أشكينازي، قرر مواصلة اقتطاع المدرعات، وخفض مئات الدبابات من عديد قوات السلاح. كل هذا في الوقت الذي حذر فيه مراقب الدولة خلال جلسة في هيئة الأركان أنه في حال تنفيذ هذه الخطة لن يتمكن الجيش الإسرائيلي من حماية حدود الدولة عندما يتطلب الأمر. الضباط برتبة لواء في تلك الجلسة عارضوا الخطوة وسمّوها خطوة انتحارية. لكن غانتس تجاهلهم وتابع السياسة التي قاده سلفه. لدى أيزنكوت كل العمليات تقدمت، بفضل الخطة المتعددة السنوات غدعون.

"قرر غادي أيزنكوت الذهاب إلى خطة متعددة السنوات بعد عدم وجود خطة كهذه طوال سنوات. لقد عقد جلسة مع وزير المالية ونجح في إبرام صفقة تعطي ميزانية ثابتة للجيش الإسرائيلي لأجل الخطة المتعددة السنوات، لكن الجيش الإسرائيلي سيدفع ثمنها على شاكلة اقتطاع آلاف عناصر الخدمة الثابتة وتقصير الخدمة الإلزامية على دفعتين، الأولى لأربعة أشهر والثانية لشهرين إضافيين، الأمر الذي دخل حيز التنفيذ قبل أسبوعين، رغم معارضة صارمة من قبل الجيش"، يقول بريك.

15 مليار شيكل رُميت في سلة المهملات

الخطة المتعددة السنوات غدعون ارتكزت على أربعة أهداف: جيش تكنولوجي، قوّة بشرية نوعية، جيش مُدرّب ومهني وجيش صغير. إلاّ أنّ الأهداف الثلاثة الأولى لم يكن ممكناً تحقّقها، بعد المصاعب التي أوجدها الهدف الرابع. المجال الأبرز في عدم القدرة على التقدّم هو تحديداً روح الجيش في السنوات الأخيرة_ المجال التكنولوجي.

"استثمرنا في السنوات الأخيرة مليارات في منظومات تكنولوجية جديدة مختلفة. النموذج الأبرز هي منظومة "تسياد" (جيش بري رقمي). هي منظومة لامعة بكل المعايير. هي تُزامن بين الأهداف التي يرونها في الدبابة وبين ما يراه قائد السرية وما يراه قائد الكتيبة وهكذا حتى رئيس هيئة الأركان. هي قفزة حقيقية في الرقابة وإدارة ميدان معركة. استثمروا في هذه المنظومة 15 مليار شيكل. إلاّ أنّ تقليص القوّة البشرية تسبّب في غياب من يُعلّم القوّات في التدريبات كيف يستخدمونها. أخذوا 15 مليار شيكل، ورموها في سلة المهملات بمساعدة تقليص القوّة البشرية. عناصر دبابة الذين يأتون للتدريبات لا يتدرّبون عموما على هذه المنظومة. إنّها منظومة موجودة في كلّ دبابة، وأحدا لا يعرف كيف يُشغّلها وماذا يفعلون بها"، يصف بريك.
 
الحماقات التي يصفها بريك لا تتلخّص في منظومة "تسياد"، إنّما بعدّة وسائل تكنولوجية اشتراها الجيش في السنوات الأخيرة. إحداها جهاز مهاديف متقدّم مخصّص للتثبيت على كلّ بنادق ساعر. استثمر الجيش حوالي 400 مليون شيكل في هذه المهاديف، لكنّه لم يهتم لشراء رابط بواسطته يكون ممكناً إلباس المهاديف على البنادق. من كان يُفترض بهم أن يحرصوا على هذا الأمر أقيلوا في إطار الخطة المتعددة السنوات غدعون، لكن لم يُعيّن بديلا عنهم وأحدا لا يهتمّ بأن يُنفّذ أحد ما هذه الإضافات.
 
مشاكل بناء القوّة تتقلّص عندما نكتشف بأنّ "إسرائيل" تجاهلت قصداً أحد التهديدات الكبيرة في تاريخها: تهديد صواريخ حزب الله. "إسرائيل" ماثلة أمام تهديد وجودي. 150 ألف صاروخ من حزب الله، المئات منها دقيقة. غير الدقيق منها يمكن أن يحمل عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، وبحسب ما نعرفه عن المدى، تصل إلى كلّ نقطة في البلاد.  ما شاهدناه في حرب لبنان الثانية لا شيء مقابل ما سنختبره في المعركة القادمة"، يقول بريك.

ما معنى مخازن الصواريخ هذه؟

مروّع ببساطة. حتى ولو أن كل ما لدى حزب الله  هو بعض مئات من الصواريخ الدقيقة، هذا كافيا من أجل تعتيم الدولة لسنوات كثيرة. يكفيك ثلاثة أو أربعة صواريخ دقيقة على كل محطة طاقة، و"إسرائيل" لا يمكنها إنتاج كهرباء. لا تتعلّق المسألة هنا بخط احترق ويمكن تبديله، المسألة هنا تتعلّق بمحطات طاقة يجب إعادة إنشاءها. نفس الأمر بالنسبة للمياه. وإذا قرّرت "إسرائيل" بأن وسائل الحماية لديها، مثل القبة الحديدية، العصا السحرية والمنظومات الأخرى، ستركّز على النقاط الإستراتيجية مثل محطات الطاقة ومخزون الغاز، فهي ستبقى مكشوفة في الجبهة الداخلية. "إسرائيل" موجودة اليوم في وضع هي بحاجة لاتخاذ قرار فيه حول ما الذي تحميه، مواطنيها أو النقاط الاستراتيجية. وأيضا حينها، هي ستتمكن من الدفاع فقط لوقت محدد. ناهيك عن السيناريو الذي يتحدثون عنه في المؤسسة الأمنية وهو 3000 صاروخ باليوم.

كيف سمحت "إسرائيل" لنفسها بالوصول إلى وضع كهذا؟

المفهوم كان أن التهديد النووي الإيراني مهم فقط، وأُهمل كل الباقي. أيضاً عندما انشغلوا بمحاولات لتقديم ردّ على مشروع دقة الصواريخ، قاموا بذلك بطريقة وضع ضمادة تكتيكية وليس خطة استراتيجية لتغيير الوضع. كل المعركة بين الحروب، بيت القصيد لـ أيزنكوت، لم تحلّ الأمر. يبدو أنه في الجيش الإسرائيلي يتفاخرون بأنهم يضربون مصانع الدقة للصواريخ في سوريا، من دون الإستثمار في التفكير بسؤال ماذا سيحصل إذا عملوا على دقة الصواريخ في لبنان بدلاً من سوريا.

هذا بالضبط ما حصل، و"إسرائيل" لم تكن مستعدة له. في لبنان "إسرائيل" لا تتجرّأ على المهاجمة، بسبب مخزن الصواريخ الضخم لحزب الله. إذن الردّ التكتيكي الذي تفاخرنا به إلى هذا الحدّ لم يحلّ شيئاً. وهكذا وصلنا إلى وضع أدركنا أنه في اللحظة التي فهمنا فيها أن الأمر يتعلّق بتهديد وجودي، لم يبقَ لدينا ردّ. هذا الأمر حصل فقط عندما شاهدوا الهجوم على ناقلات النفط السعودية. حينها كانت اللحظة المصيرية بأنه يوجد في الساحة سلاح يغيّر الوضع بأيدي أعداءنا.

هل كان ثمة خطة استراتيجية على الطاولة؟

نعم، حتى أنها صودقت من قبل وزير الأمن.

وما كان مصيرها؟

قاموا بتبديدها بسبب شراء طائرات أخرى من الـ أف-35.

إلى أي حدّ هذا الوضع اليوم يذكرك بأيام بين حرب الستة أيام وحرب الغفران؟

الوضع الآن حتى أخطر بكثير. في حرب يوم الغفران التهديد الوجودي كان أقل خطورة من الآن. الإهمال الذي مرّ به الجيش الإسرائيلي والمفاهيم الاستراتيجية الخاطئة لديه أدّت بنا إلى الوضع الذي يجب أن نصلّي فيه بأن لا يقرّر أعداؤنا فتح حرب. وإلا سنكون في وضع صعب جدًا.