"هآرتس": عرفنا ما يعانيه العرب في "إسرائيل"
يتعرض فلسطينيو الداخل في مختلف البلدات لعمليات تأديبية تتمثل بهدم بيوتهم وحرمانهم من حقوقهم وجعلهم عرضة للابتزاز.
كتب المدير المشارك في قسم السياسات المتساوية في جمعية "سيكوي" (فرصة)، التي تعمل على "دعم المساواة والشراكة بين المواطنين العرب واليهود"، مقالاً في صحيفة "هآرتس" حول ما يتعرض له المواطن الفلسطيني من معاناة بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية العنصرية:
تذكّرت خلال الأشهر الأخيرة وفي ظل استمرار أزمة فيروس كورونا الحاضنات اللواتي رافقنني إبان طفولتي وساهمن بصقل شخصيتي على النحو الذي تبدو عليه اليوم. لكني، ما زلت أذكر جيداً قولهن الشهير والمتكرر: "إذا بتقعد مكتف، بتاخذ جائزة". ولمَ أتذكر ذلك الآن؟ لأنّ إدارة الأزمة الراهنة قادتنا بل وأعادتنا كمواطنين ومواطنات إلى أيام الروضة، بينما تلعب حكومة "إسرائيل" خلال هذه الأزمة دور الحاضنة، حيث يظهر ذلك بوضوح، من خلال تصريحات العديد من السياسيين.
فمن جهة، يهدّد وزير المالية المواطنين قائلاً: "إذا التزمتم بالتعليمات، سنفتح المجال لخدمة توصيل الطعام السريع". ومن جهة أخرى، يحذر وزير الصحة قائلاً:" إذا كان بحوزتك جواز أخضر فستستطيع ارتياد الفعاليات الثقافية"، بينما يصرح وزير الأمن الداخلي قائلاً:" إذا كنت سجيناً ستكون آخر مَنْ يحصل على لقاح كورونا! وها هي، معادلة "إذا" الشرطية مستمرة.
تحاول حكومة "إسرائيل" باستمرار تربيتنا، بدلاً من إعطائنا حلولاً عملية، وبدلاً من اتخاذ إجراءات من شأنها تحسين حياتنا في الواقع الراهن الذي نعيشه. وعليه وبدلاً من أن تحاسب وتراجع هذه الحكومة نفسها على أدائها الخاطئ، تُلقي علينا المسؤولية. الأمر الذي أوصل الاقتصاد، جهاز الصحة وجهاز التربية والتعليم إلى ما هم عليه اليوم. لا يصلنا من الحكومة سوى الترهيب، والمعلومات المغلوطة والتهديدات، وأعني صيغة " إذا فعلتم كذا فسوف يحدث كذا". هذه الحكومة غير معنية بتاتاً بخلق حوار شفّاف، واضح وعقلانيّ معنا، فمَنْ نكون؟ لسنا سوى مواطنين! فلمَ تصغي أو تلائم سياستها لمطالبنا؟!
كانت الأيام الأخيرة خير شاهد على ما أقول. فقد صرّح رئيس الحكومة، خلال خطابة الكاذب والساخر بالناصرة، بأنّ الأطباء والممرضات العرب هم جزء لا يتجزأ من الحملة العامة لمحاربة الكورونا! كان هذا التصريح إشارة أخرى لنفس المعادلة الشرطية السابقة ذاتها – إذا كنتم أطباء أو ممرضات تعالجون اليهود أيضاً، فأنتم جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيليّ، بل وتتساوون بالحقوق مع المواطنين اليهود. وماذا عن أولئك الذين لا يشغلون منصب طبيب/ة أو ممرض/ة؟ لا عليكم، فهم مجرد مواطنين عرب "فقط".
ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية تجاه مواطنيها العرب اليوم، ليس بجديد. فعل سبيل المثال لا الحصر، قال موشيه ديّان عام 1963: "علينا تحويل البدو إلى عمّال مدنيّين... سيشكل هذا بلا شكّ تحوّلاً مخيفاً، لن يعيش البدويّ مع قطعانه على أرضه، بل سيتحوّل إلى مدنيّ يعود إلى بيته آخر النهار، ويتصرف كمدني مُتحضر، سيعتاد أبناؤه على رؤيته مرتدياً السروال.. وسيصحبهم إلى المدرسة بمظهر مرتّب ومُهندم. ستكون هذه الخطوة بمثابة ثورة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، لكنها قابلة للتحقيق على امتداد جيلين فقط".
لم تتغير - منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا - سياسة "إسرائيل" تجاه مواطنيها البدو العرب سكّان النقب. ما زال نهجها استعمارياً، فها هي تهدم البيوت، وتنزع ملكية أراضيهم، تحرمهم من خدمات الرفاه والبنية التحتية الأساسية "ليفهموا" و "يرضخوا". إذا طالبتم ببنية مياه تحتية، عليكم الانتقال للسكن حيث نشاء. وإذا طالبتم بشق شوارع، عليكم التنازل عن ملكية أرضكم، وإذا طالبتم بخدمات تعليمية فسنكون نحن من يُحدد مكان إنشائها. فمَنْ تكونون أيها المواطنون البدو الأعزاء؟! أنتم مجرّد مواطنين!
يتم تطبيق عمليات "تأديبية" مشابهة باستمرار في كافة البلدات العربية، يتمثل هذا التأديب بهدم بيوت المواطنين العرب، حرمانهم من الموارد، ورفض توسيع خرائط مدنهم الهيكلية، حتى يتعلموا " الأدب" في الدولة اليهودية الديمقراطية. لا تحاول الحكومة فهم ودراسة احتياجات الأقلية العربية، رغم أن المجتمع العربي يشيع موتاه جرّاء كورونا، الجريمة، حوادث الطرق وانعدام الأمن الغذائي يومياً. كما ترفض هذه الحكومة الاعتراف، بأن المواطنين العرب يتوقعون منها خطاباً مدنياً متساوياً. لكن ولم تعترف بذلك؟ فهم مجرّد مواطنين.
لم تعدّ سياسة التحيز الحكومية من نصيب العرب فقط، بل أصبحت من نصيب الجميع. لقد تحولنا جميعاً وخلال أزمة كورونا لمواطنين عاقين يجب تأديبنا، فنحن لا نفهم إلا لغة التهديد والعقاب. وعليه يجب إرغامنا على التحول إلى مواطنين "مهندمين ومرتّبين"، بالضبط كما أراد لنا ديّان. هذا نهج حكومة لا تحظى بثقة مواطنيها! كانت وما زالت هذه حياة المواطنين العرب على مر التاريخ، لكنها حياتنا كمواطنين يهود الآن. لم نتعود عليها بعد، لكنّنا سنتعلّم بسرعة!
حسناً كانت ستفعل حكومة "إسرائيل"، لو اختارت التوقف عن تأديبنا، بل والاعتراف أن دورها يكمن في الأساس بقدرتها على منحنا الحياة التي نريدها ونستحقها، ضمن حدود اللعبة الديمقراطية. وبدلاً من منع مواردها المادية والإنسانية عنا – موارد تعود لنا كمواطنين في الأساس – من خلال فرض التهديدات والعقوبات لنخضع لسياستها، عليها توزيع الموارد اللازمة، ملاءمة سياستها لاحتياجات كافة مواطنيها عرباً ويهوداً.