واشنطن بوست: أميركا ترفض إطعام 30 ألف سوري يتضورون جوعاً تحت حمايتها
لأكثر من ثماني سنوات، فشلت الولايات المتحدة في قيادة إستراتيجية تضع مصالح الشعب السوري في المقام الأول.
أثار مراسل صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية جوش روجين قضية حصار مخيم الركبان قرب قاعدة التنف في شرق سوريا حيث يعيش نحو 30 ألف سوري محرومين من الطعام والماء والدواء ويموت بعضهم جوعاً بينما لا تقوم القوات الأميركية البعيدة عن المخيم نحو 10 أميال والواقع تحت سيطرتها العسكرية، بإطعام هؤلاء تحت حجج سياسية واهية. والآتي ترجمة أبرز ما جاء في التقرير:
على بعد حوالى 10 أميال من موقع عسكري أميركي في جنوب سوريا، هناك حوالي 30.000 مدني في أزمة - مع عدم وجود طعام أو ماء أو دواء – تقريباً. ولأسباب معقدة، ترفض الحكومة الأميركية إطعامهم. هؤلاء الأبرياء يعيشون تحت حماية الولايات المتحدة، خوفاً من "النظام والقوات الإيرانية وداعش". لكن الحكومة الأميركية، التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن مصيرهم بسبب سيطرتها على المنطقة، تقف إلى جانبهم وتراقبهم وهم يتضورون جوعاً حتى الموت.
كان هناك في الأصل نحو 50.000 شخص في مخيم الركبان للنازحين داخلياً، الذين يعيشون هناك منذ أربع سنوات بعد فرارهم من منازلهم في محافظة حمص، والتي تحولت معظمها إلى ركام من جراء القصف.. اختاروا إقامة معسكر بالقرب من قاعدة عسكرية أميركية تسمى التنف. لدى الولايات المتحدة بضع مئات من القوات هناك، وتقوم بتدريب قوات شريكة لمحاربة تنظيم "داعش" وتحتفظ بموقع استراتيجي حاسم على الطريق بين طهران ودمشق، بالقرب من الحدود السورية مع العراق والأردن.
وافق الآلاف من النازحين الذين يعيشون في ظروف صعبة ويواجهون المجاعة، على إعادة نقلهم إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وزعمت الصحيفة أن من المحتمل أن يكونوا قد احتجز بعضهم على أيدي النظام باعتبار أنهم متمردون مشتبه بهم، أو تم تجنيدهم قسراً في جيش السوري أو قتلوا. أولئك الذين لا يريدون المخاطرة بهذا المصير يظلون في الركبان، معزولين عن العالم ويطلبون المساعدة عبر موقعي فيسبوك وتوتير.
وقالت إحدى المقيمات في المخيم، وهويتها مخفية خوفاً من الانتقام، في رسالة بالفيديو: "أنا أتحدث إليكم من مخيم الركبان، معسكر الموت ومعسكر الجوع. أنا أتوسل لكل إنسان لديه ضمير لإيجاد حل لهذا المخيم."
الوضع داخل المخيم مريع. لم يعد بإمكان السكان العثور على الطعام أو الدواء على أساس يومي والمرض منتشر. الناس هناك ليست لديهم وظائف ولا دخل. وجاءت قافلة المساعدات الأخيرة في شباط / فبراير الماضي والمخيم محاصر من جميع الجهات. إنه باقٍ فقط لأنه يقع داخل دائرة نصف قطرها 55 كيلومتراً من منطقة التنف الأمنية.
يريد السكان أن يقدم لهم الغذاء أو ينقلوا إلى مكان يمكن أن يقدم لهم فيه الغذاء، ولكن خارج سيطرة النظام. سيكونون سعداء للذهاب إلى الشمال، أو إلى الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات السنية أو الكردية، أو شرقاً نحو العراق، ولكن لا توجد طرق مفتوحة خارج المخيم. كبار السن والشباب هم الأكثر عرضة للخطر.
وقالت المقيمة في المخيم: "إن أطفالنا يموتون أمامنا، ونحن غير قادرين على فعل أي شيء حيال ذلك. كنا نسمع عن الجوع ولكننا نفهمه الآن. يموت الناس من الجوع هنا".
في مقاطع فيديو أخرى، يشيد سكان الركبان بالجنود الأميركيين في قاعدة التنف.. لكنهم يتوسلون للحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية الأساسية.
في منتدى آسبن للأمن في كولورادو في نهاية الأسبوع الماضي، سألت جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا" لماذا لا تطعم الولايات المتحدة سكان الركبان، وهو شيء لديها القدرة على القيام به بسهولة. فأجاب: "أولاً وقبل كل شيء، إذا أطعمناهم، سيبدو أننا سنبقى هناك إلى الأبد، وقد تكون هناك خيارات أخرى لهم، على سبيل المثال في الشمال الشرقي أو الشمال الغربي من البلاد".
كان جيفري يتفاوض مع روسيا حول تقديم المساعدات الإنسانية للمخيم. وأقر بأن تلك المحادثات قد توقفت الآن، وأن قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة (التي تتطلب إذن نظام الأسد) قد توقفت نتيجة لذلك.
صحيح، كما قال جيفري، أنه إذا بدأت الولايات المتحدة في إطعام الناس في الركبان، فمن المؤكد أن موسكو ستجادل بأننا نشكل احتلالاً دائماً (وفي نظر روسيا) لجزء من سوريا. قد تكون لهذا آثار دبلوماسية وقانونية. ولكن النقطة تبدو تافهة بالمقارنة مع ترك هؤلاء الناس يتضورون جوعاً حتى الموت.
وقال جيفري: "ثانياً، لا يمكننا الالتزام بوجود طويل الأجل في التنف أو في أي مكان آخر في سوريا"، مشيراً إلى حقيقة أن الرئيس دونالد ترامب يمكنه أن يضغط على هذه البؤرة الاستيطانية الأميركية في أي وقت. بعد كل شيء، أعلن الرئيس انسحاب القوات من سوريا عبر تويتر من دون استشارة مسؤوليه.
ولكن منطق حجب الطعام وتجويع الناس الآن لأننا قد لا نكون قادرين على إطعامهم لاحقاً يضيع على هؤلاء الأشخاص والأميركيين الذين يدعمونهم.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفرقة العمل (الأميركية) للطوارئ في سوريا: "حقيقة أننا نخشى إطعام هؤلاء الناس لأننا بطريقة ما سنكون مسؤولين عنهم لا معنى لها. الحقيقة هي أننا مسؤولون عن رفاههم لأنهم يعيشون تحت حمايتنا."
إن التزام الولايات المتحدة تجاه سكان الركبان ليس إنسانياً بحتاً. يتم تجنيد القوات الشريكة المحلية التي تقاتل "داعش" في المنطقة من المخيم. يحصل الجنود على الطعام، لكن أسرهم وأصدقاءهم يُتركون جوعاً. ثم تشير الحكومة الروسية إلى هؤلاء القتلى وتوزع دعاية تزعم أن الولايات المتحدة تجوّع المدنيين عن عمد لتحويلهم إلى إرهابيين.
وقال مصطفى "إن روسيا ونظام الأسد والمتطرفين يستخدمون الأزمة الإنسانية لهذا المعسكر لتقويض شرعية وجودنا العسكري".
ولأكثر من ثماني سنوات، فشلت الولايات المتحدة في قيادة إستراتيجية تضع مصالح الشعب السوري في المقام الأول... لكن هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 30000 لا يزالون على قيد الحياة ويعتمدون على الولايات المتحدة من أجل البقاء.
تغريدة واحدة، إشارة واحدة من إصبع ترامب يمكن أن تسمح للجيش الأميركي بالقيام بما يفعله للأشخاص الذين يعانون في جميع أنحاء العالم وهو إنقاذ حياتهم. يمكننا إطعامهم، أو يمكننا نقلهم إلى مناطق سورية لا يسيطر عليها نظام الرئيس الأسد. لكن لا يمكننا الوقوف إلى جانبهم ومشاهدتهم يتضورون جوعاً من دون داعٍ في ظل قاعدة عسكرية أميركية.
إذا لم نتصرف الآن، فإن إهمالنا سيجعلنا متواطئين في أي رعب سيعانونه بعد ذلك.
ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت