"فورين بوليسي": غوايدو وداعموه الأميركيون في مأزق
دعوة خوان غوايدو الفنزويليين لملء الشوارع وللقوات العسكرية للإطاحة بالرئيس مادورو لم تحدث التغيير الذي يسعى إليه، فأضحت المعارضة وداعموها الأميركيون في مأزق.
كتب جو باركين دانيالز مقالة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية جاء فيها أن دعوة زعيم المعارضة خوان غوايدو للفنزويليين لملء الشوارع وللقوات العسكرية للإطاحة بالرئيس لم تحدث التغيير الذي يسعى إليه. والتالي ترجمة نص المقالة:
بوغوتا - عندما استيقظ الفنزويليون صباح يوم الثلاثاء على أنباء تفيد بأن خوان غايدو قد أطلق أخيراً محاولته الجريئة للإطاحة عسكرياً بالرئيس نيكولاس مادورو المحاصر في البلاد - والذي اعتبره أكثر من 50 بلداً، بما في ذلك الولايات المتحدة، غير شرعي - كان هناك تيار من الإثارة.
"نحن نعتمد على شعب فنزويلا. القوات المسلحة هم بوضوح مع الشعب"، قال غايدو في خطاب مصور، وهو محاط بحراس وطنيين مسلحين موالين له، والأكثر إثارة للدهشة، ليوبولدو لوبيز، معلمه القتالي الذي خرج من الإقامة الجبرية، للانضمام إلى محاولة الانتفاضة.
بدا لفترة طويلة أن التحول الذي طال انتظاره من قبل الجيش قد حان، ولم يعد مادورو محمياً في السلطة وسط أزمة إنسانية متفاقمة أدت إلى فرار ثلاثة ملايين فنزويلي من نقص الغذاء على نطاق واسع الذي زاد سوءاً بسبب ارتفاع التضخم.
ومع ذلك، مع حلول الليل، لجأ لوبيز إلى السفارات الأجنبية - أولاً سفارة تشيلي ، ثم إلى سفارة إسبانيا - وبعد بضع ساعات ظهر مادورو على شاشة التلفزيون. وقال وهو محاط بكبار القادة العسكريين والسياسيين، إن فريق غوايدو قد "فشل في خطته"، وسخر من المعارضة ووصف لوبيز بأنه "إرهابي". وأضاف: "لقد فشلوا في دعوتهم، لأن شعب فنزويلا يريد السلام".
وعلى الرغم من ادعاء غوايدو أننا "سوف نستمر في الظهور منتصرين ... في الأشهر والسنوات المقبلة. لا يساورني أدنى شك في ذلك"، فإن قلة في فنزويلا وخارجها متأكدون مما يمكن أن يحدث بعد ذلك.
يقول خبراء في السياسة الفنزويلية إن ما يبدو واضحاً هو أن غوايدو يحتاج إلى مقاربة جديدة لكسر الجمود. في حين أن الاحتجاجات التي دعا إليها في الأول من أيار - مايو قد حدثت في جميع أنحاء البلاد، مع حشود قادمة لسماع غوايدو وهو يتحدث في كراكاس، إلا أنه لم يكن ذلك كافياً بوضوح لإحداث تحول كبير في صفوف الجيش.
يعرف غايدو نفسه أن الجيش - الذي طالما كان صانع الملوك في النزاعات السياسية في فنزويلا - هو المفتاح للسيطرة على ميرافلوريس، القصر الرئاسي. اختار غوايدو أن يفجّر تظاهرات الأول من أيار - مايو في وقت مبكر من اليوم، وهو محاط بالجنود، ودعا "الأسرة العسكرية" لدعمه باعتباره "القائد الشرعي للقوات المسلحة".
في كانون الثاني / يناير الماضي، قام غوايدو باستطلاع القواعد العسكرية في جميع أنحاء البلاد، وعرض العفو على الجنود الذين تركوا مادورو. تقول الوثيقة التي وزعها: "إن الجيش والشرطة اللذين يسهمان في إعادة إرساء النظام الديمقراطي سيكونان قادرين على إعادة إدماج نفسيهما في الحياة الديمقراطية لبلدنا". والجهد المبذول لنقل المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الولايات المتحدة عبر الحدود مع كولومبيا إلى كانت فنزويلا في أواخر شباط / فبراير الماضي والتي انتهت بكارثة مع استمرار إغلاق مادورو للحدود - موجهة جزئياً نحو دفع الجيش إلى التخلي عن دافع الرواتب له.
كان يوم الثلاثاء هو أكثر مجهود للتباهي حتى الآن. لكن في حين أن مجموعة صغيرة من الحراس الوطنيين وقفوا مع غوايدو – وقاموا في مرحلة بمناوشات مع قوات مادورو خارج قاعدة لاكارلوتا الجوية في كراكاس – فإن موجة الانشقاقات من القادة والعسكريين البارزين التي كان يأمل فيها لم تأتِ.
يقول المراقبون السياسيون إن الدرس واضح. وقال ديميتريس بانتولاس، المحلل السياسي في كراكاس: "الاحتجاجات وحدها لا يمكن أن تغيّر أي شيء". وقد ذهب بانتولاس للإشارة إلى الاحتجاجات الجماهيرية في عام 2017 التي خلفت عشرات القتلى وآلاف الجرحى ولكنهم لم يفعلوا الكثير لتخفيف قبضة مادورو على السلطة. وقال: "بينما يسيطر مادورو على الجيش وقطاع من السكان، وعلى جميع أجهزة الدولة.. ومن دون تفاوض مع الجيش، مع الشرطة، لن نرى تغييراً".
ولكن لا يبدو أن مادورو قادر على التقدم بقضيته. وقال بانتولاس: "هناك شيء واحد مؤكد: هذه الأزمة لا يمكن أن تستمر مع قائدين. لن يكون مادورو آمناً في منصبه في حين أن غوايدو ولوبيز قادران على العمل بحرية، وحكومتهما الموازية الغريبة، التي لا تحكم أي شيء، ستظل عاجزة بينما يبقى مادورو في منصبه".
على الرغم من هذا، يزعم قادة المعارضة النصر. في خطاب فيديو ثانٍ نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي قبل خطاب مادورو، حض غوايدو المؤيدين على مواصلة "عملية الحرية".
وقال "في الأول من أيار - مايو، ما زلنا في الشوارع وفي الأماكن المختارة للتجمع المختارة والمحددة في جميع الأراضي الوطنية. على امتداد فنزويلا وطولها، سنكون في الشوارع. سوف نراكم جميعاً في الشوارع. هذه هي أرضنا".
عززت فانيسا نيومان، مبعوثة غوايدو إلى المملكة المتحدة، إدعاء رئيسها بأن احتجاجات الأول من أيار - مايو قد تكون حاسمة لهذه المرحلة المضطربة التالية في الأزمة الدستورية في فنزويلا. وقالت لمجلة "فورين بوليسي": "نحن بحاجة لمعرفة عدد الأشخاص الذين يخرجون إلى الشوارع. إن غايدو يحتاج إلى أكبر عدد ممكن من الناس ليتفوق على الجيش، مما يعني أن القمع العنيف هو احتمال. لسوء الحظ، لا تطيح بدكتاتورية عسكرية في يوم واحد - الكل يعرف ذلك".
ربما بدأت تظهر بعض التشققات الصغيرة في المستويات العليا لقوات الأمن. في يوم الثلاثاء، انفصل مانويل ريكاردو كريستوفر فيغيرا، رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية البوليفارية، وكالة الاستخبارات الفنزويلية المخيفة، عن مادورو في رسالة مفتوحة إلى الشعب الفنزويلي. وكتب فيغيرا: "لقد حان الوقت لكي نبحث عن طرق أخرى لممارسة السياسة"، مضيفًا أن الفساد بين النخب السياسية والعسكرية أصبح شائعاً إلى حد أن "العديد من الموظفين العموميين رفيعي المستوى يمارسونها مثل الرياضة". إنه الفساد، إلى جانب التقارب الإيديولوجي، الذي أبقى معظم الموالين إلى جانب مادورو. في حزيران - يونيو 2018، صادرت السلطات الأميركية 800 مليون دولار من ديوسدادو كابيلو، أحد كبار مساعدي مادورو.
ورأى ديفيد سميلد، كبير زملاء مكتب واشنطن لأميركا اللاتينية والمتخصص في فنزويلا، أنه يمكن أن يؤدي المأزق الحالي إلى تجدد الضغط من أجل الخروج من الأزمة. شكك الجانبان حتى الآن في المفاوضات، مع عدم الثقة في أي من الجانبين مما أدى إلى انهيار المحاولات السابقة.
وقال سميلد لـ"فورين بوليسي": "نأمل أن يؤدي هذا إلى بذل مزيد من الجهد في الانخراط في سياسة التفاوض، لأن هذا هو آخر إخفاق في استراتيجية الضغط من أجل الانهيار، ومحاولة إقناع الجيش بالتحول ضد مادورو. مرة أخرى، رأينا الكثير من الخطابة والفظاظة إلا إن المعارضة قد أصبحت في مأزق، إلا أنها لم تكن مقنعة بما يكفي لحمل الناس على قبولها، لذلك نأمل أن تعيد المعارضة ومؤيدوها الأميركيون التفكير في استراتيجيتهم".
هؤلاء الداعمون الأميركيون في مأزق أيضاً. لقد صرحت إدارة ترامب مراراً وتكراراً أن "جميع الخيارات مطروحة"، مع الحفاظ على التهديد المستمر المتمثل في التدخل العسكري الذي طرحه الرئيس لأول مرة في عام 2017. لكن واشنطن لم تفعل سوى القليل لإلحاق الأذى بحكومة مادورو إلى جانب تشديد العقوبات الاقتصادية.
ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت