هل ينجح "ترامب" في تصفير مبيعات النفط الإيرانية؟

بدت رسالة الإدارة الأميركية لا لبس فيها: إذا لم تلتزم الدول بقرار وقف استيراد النفط الإيراني ستفرض عليها عقوبات.

ثمة صعوبة في تصفير صادرات النفط الإيرانية

ذكر موقع بلومبرغ الأميركي في تقرير له من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حذر الدول الأخرى منذ شهور من أنه يتعين عليهم الآن الاختيار بين القيام بأعمال تجارية مع إيران أو الولايات المتحدة، وسيوضح الرئيس مدى جدية قراره برفض رفض أي استثناءات من الحظر المفروض على صادرات النفط الإيرانية.

تضع هذه الخطوة الإدارة الأميركية في صراع مباشر مع عملاء النفط الإيرانيين المهمين للولايات المتحدة بطرق مختلفة، وتخاطر بإعاقة المبادرات الهامة المتعلقة بالتجارة والأمن، من الصين إلى كوريا الجنوبية والهند وتركيا.

والسؤال الرئيسي بالنسبة لتجار النفط والمحللين السياسيين هو مدى استعداد الولايات المتحدة لاختبار تلك العلاقات من أجل خنق الاقتصاد الإيراني ومدى احتمال أن تستغل الإدارة بعض الثغرات المحتملة.

وقال سكوت مودل، العضو المنتدب لشركة "مجموعة رابيدان للطاقة": "عندما تكون الأسعار في مكانها، يتعين على الإدارة موازنة الحاجة إلى الظهور بمظهر صارم بشأن إيران وواقع أن نفط برنت يتجه نحو سعر 75 دولاراً وهو ما قد يضطر إلى إظهار بعض المرونة عندما يتعلق الأمر بإنفاذ العقوبات".

إن اقتصادي الصين والولايات المتحدة يعتمدان على بعضهما البعض، وهما في مرحلة حاسمة في المفاوضات التجارية الحساسة، بينما تعد كوريا الجنوبية حليفاً رئيسياً لأميركا، فإن الهند دولة متنامية، وأظهرت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي علامات الاقتراب أكثر من روسيا.

إن الوفاء بالتعهد المتمثل في "تصفير" صادرات النفط الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة مع بدء حملة إعادة انتخاب ترامب، مما يعرض للخطر أمله في التوقيع على صفقة تجارية مع رئيس الصين شي جين بينغ في أقرب وقت ممكن في أيار - مايو المقبل، ويؤدي إلى توتر العلاقات مع كوريا الجنوبية حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إبرام صفقة لنزع السلاح النووي مع كوريا الشمالية.

تستمر بعض الدول في الاعتماد على النفط الإيراني بعد عام من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 وبعد تحذيره من أنه يعتزم إنهاء جميع صادرات النفط للجمهورية الإسلامية في مساعيه لإجبارها على وقف دعم الجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية. كان هناك توقع بأن بعض الدول، مثل الصين والهند وربما تركيا، ستحصل على تمديد عندما تنتهي إعفاءاتها من العقوبات الأميركية في أوائل أيار – مايو المقبل.

بدا أن رسالة الإدارة الأميركية هذا الأسبوع لا لبس فيها: قال وزير الخارجية مايكل بومبو ومساعدوه بصراحة يوم الاثنين إنه إذا لم تلتزم الدول بالقرار، "ستكون هناك عقوبات عليها". تأتي سلطة الإدارة في القيام بذلك من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2012، الذي يوجه الولايات المتحدة إلى معاقبة البنوك المركزية للحكومات الأخرى إذا كانت تسهّل المعاملات النفطية مع إيران.

يقول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة لن تجدد الإعفاءات للدول التي تشتري النفط من إيران.

وقال برايان هوك الممثل الخاص لبومبيو بشأن إيران للصحافيين يوم الثلاثاء: "يمكنك التعامل مع الولايات المتحدة أو يمكنك استيراد النفط الخام الإيراني، لكن لا يمكنك القيام بكليهما معاً. لا نعتقد أن من مصلحة أي دولة أن تتعرض لخطر ذلك لأن فائدة التكلفة ليست موجودة ببساطة".

 

من يشتري النفط الإيراني؟

أخذ المستوردون الآسيويون شريحة كبيرة من النفط الإيراني المحمّل في آذار – مارس الماضي. فالصين اشترت 613 ألف برميل، واشترت كوريا الجنوبية 387 ألف برميل، والهند 258 ألف برميل، واليابان 198 آلاف برميل، وتركيا 97 ألف برميل، وهناك 226 ألف برميل غير معروف مشتريها.

ولكن خلف هذه الرسائل الصعبة، هناك مجال كبير للمناورة يمكن أن يسمح لإدارة ترامب بتجنب المواجهة إذا اختارت ذلك: يمكن للبلدان التي تتعايش على النفط الإيراني – من دون تغيير وسائلها النقدية - أن تتجنب العقوبات المصممة لمعاقبة المعاملات مع البنوك الإيرانية.

فشركات النفط الصينية الكبرى لديها بالفعل مشاريع مشتركة تتلقى بموجبها عشرات الآلاف من براميل النفط الإيراني كدفعة. والصين ليست وحدها في ذلك.

ووفقاً لبعض التقديرات، تصدر إيران ما بين 200 ألف إلى 500 ألف برميل من النفط يومياً من خلال المقايضة أو غيرها من الترتيبات غير النقدية. إن تطبيق العقوبة على تلك الصفقات سيكون أمراً صعباً.

وقال مودل: "إذا استمرت إيران في شحن النفط إلى الصين أو الهند، لا أعتقد أن الإدارة ستعترض على إيران إما باستلام البضائع مقابل معاملات المقايضة أو السماح لعائدات النفط بأن تتراكم في البنوك الأجنبية لإعادة الأموال إلى الوطن".

بدا بومبيو أنه يشير إلى هذه الثغرة المحتملة في تعليقاته يوم الاثنين، عندما قال إن المشترين يحتاجون "دائماً تقريباً" إلى استخدام الأسواق المالية في معاملات النفط الإيرانية. كان هوك حريصاً بالمثل في إجابة المراسلين يوم الثلاثاء، عندما سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لمعاقبة أي شركة صينية تخرق العقوبات الأميركية.

وقال هوك: "لم أقل ذلك. أنت تنسب لي كلمات. ما قلته هو أننا سنعاقب أي سلوك خاضع للعقاب".

في كلتا الحالتين، فإن المناقشات حول ما يجب القيام به ليست نهائية. في بيان في 22 نيسان – أبريل الجاري، قالت كوريا الجنوبية، التي تعتمد على نوع من النفط الخفيف من إيران، إنها لا تزال تجري محادثات مع الولايات المتحدة لتمديد الإعفاء لها وستواصل السعي للحصول على إعفاء حتى تنتهي المدة الحالية في الثاني من أيار – مايو المقبل.

حتى القانون الذي تستخدمه الإدارة للتهديد بالعقوبات يقول إن الرئيس قد يرفعها إذا قرر أن سوق النفط غير مزوّد بما يكفي من النفط. يمكن التذرع بذلك إذا ثبت أنه من الصعب الوفاء بالضمانات الأميركية بأنها ستحافظ على إمدادات النفط العالمية بمساعدة واعدة من حليفيها المناهضين لإيران، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

يوم الثلاثاء، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن حكومته "تعارض بشدة" العقوبات وحض الولايات المتحدة "على احترام مصالح الصين واهتماماتها، والامتناع عن اتخاذ خطوات خاطئة من شأنها أن تقوّض مصالحنا". ويوم الجمعة المقبل، سيكون رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وهو أيضاً يشتري النفط الإيراني، في واشنطن ويعتزم مقابلة ترامب.

كذلك، رفض المسؤولون الأميركيون تحديد ما إذا كانوا سيسمحون بفترة سماح للدول لاستكمال تسليم النفط المشتراة قبل انتهاء صلاحية الإعفاءات. قد يكون هذا الغموض مقصوداً، بحسب ميغان أوسوليفان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي وهو يعمل الآن في مدرسة هارفارد كينيدي.

وقال أوسوليفان: "سيتعين عليهم اتخاذ بعض الإجراءات، ولكن إذا كانت ستكون عقوبات على البنوك المركزية لتلك البلدان في 2 أيار - مايو - فهذه سياسة متشددة حقيقية". وأضاف: "إن الهدف من ذلك هو خفض عدد الدول قدر الإمكان إلى الصفر. لذلك لا أعتقد أن هناك متسعاً كبيراً لهم للإشارة إلى خلاف ذلك لأن هذه السياسة بأكملها أصبحت أيضاً موضع نقاش".

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت