مليارات القتلى إذا وقعت حرب نووية بين الهند وباكستان
بينما تسلّط الدبلوماسية والدعاية الأميركية والإسرائيلية الأضواء على برنامج إيران النووي السلمي، والبرنامج النووي العسكري الكوري الشمالي، يتم إغفال الأزمة النووية الحقيقية بين الهند وباكستان.
يجري التركيز الدبلوماسي والدعائي والإعلامي الأميركي والإسرائيلي والغربي وبعض العربي على برنامج إيران النووي السلمي وتصوير هذا المشروع الخاضع للمراقبة الدولية اليومية بأنه ذو بعد عسكري سرّي، بينما يتم تغافل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة النووية والإعلام الغربي والعربي عن التهديد النووي الحقيقي للمنطقة العربية – الإسلامية والمتمثل بأسلحة "إسرائيل" النووية التي تزيد عن 200 رأس نووي بعضها مجهز وموضوع في الغواصات الإسرائيلية المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، فضلاً عن الصواريخ المجهزة برؤوس نووية سواء الباليستية منها أو المحمولة بالطائرات. إضافة إلى التهديد النووي الإسرائيلي، يتم التغافل السياسي والإعلامي عن التهديدين النووين الباكستاني والهندي، وهما دولتان تتصلان جغرافياً وبحرياً بمنطقة الشرق الأوسط، وبخاصة دول الخليج العربية منجهة بحر العرب، حيث يهدد أي نزاع نووي بين هاتين الدولتين المنطقة كلها بتسرّب إشعاعات نووية تحرق الأخضر واليابس والبشر قبل الحجر.
وقد كتب الباحث زكاري كيك، وهو مدير التحرير السابق لمجلة "ذا ناشيونال انترست" الأميركية، مقالة مهمة في المجلة نفسها يحذر فيها من نشوب حرب نووية بين الهند وباكستان نتيجة سوء تقدير قادة كل دولة لنيات الدولة الأخرى، فتبادر إحداهما إلى ضربة نووية استباقية على خلفية النزاع المستمر بينهما على إقليم كشمير ووقوع هجمات إرهابية في الهند تتهم فيها نيودلهي باكستان بتدبيرها ودعم الجماعات الإرهابية المنفذة.
يقول كيك إنه على الرغم من تركيز اهتمام العالم بقوة على كوريا الشمالية وأسلحتها النووية، فإن أكبر احتمال للحرب النووية هو في الواقع على الجانب الآخر من آسيا. فهذا المكان هو ما يمكن تسميته بالمثلث النووي الذي يضم باكستان والهند والصين. وعلى الرغم من أن القوات الصينية والهندية هي حالياً في حالة استراحة من المواجهة، إلا أن أخطر نقطة اشتعال على طول المثلث كانت تقليدياً الحدود الهندية-الباكستانية. فقد خاضت الهند وباكستان ثلاثة حروب رئيسية قبل حصولهما على الأسلحة النووية، وحرباً ثانوية بعد ذلك. وهذا لا يشمل حتى المناوشات المسلحة الأخرى التي لا تعد ولا تحصى وغيرها من الحوادث التي تحدث بشكل منتظم.
في قلب هذا النزاع، بطبيعة الحال، يقبع النزاع الإقليمي بين الدولتين على ولاية جامو وكشمير في شمال الهند، كشمير الذي تدعي باكستان أنه يعود لها.
ويذهب كيك إلى أن من العناصر الأساسية أيضاً في البعد النووي للصراع هو حقيقة أن القدرات التقليدية للهند تفوق كثيراً قدرات باكستان. ونتيجة لذلك، اعتمدت إسلام أباد مبدأً نووياً باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد القوات الهندية لموازنة التفوق التقليدي للأخيرة.
ويشير الباحث إلى أن هذا الوضع يبدو مشابهاً لوضع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي (1945-1991)، وأن باكستان تعتمد نفس الاستراتيجية التي اعتمدتها قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة. ففي مواجهة الجيش السوفياتي المتفوق عددياً، تحولت الولايات المتحدة، بدءاً من فترة إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور(1953-1961)، إلى التسلّح بأسلحة نووية للدفاع عن أوروبا الغربية من هجوم سوفياتي. وعلى الرغم من أن كل رئيس أميركي تقريباً، فضلاً عن عدد لا يحصى من القادة الأوروبيين، كانوا غير مرتاحين لهذه الاستراتيجية التصعيدية، إلا أنهم لم يتمكنوا من الإفلات من الحقائق العسكرية الضاغطة حتى إدارة الرئيس رونالد ريغان على الأقل.
ففي ندوة بحثية أقيمت في مركز ستيمسون في واشنطن هذا الأسبوع، قال فيروز خان، وهو عميد سابق في الجيش الباكستاني ومؤلف أحد أفضل الكتب حول البرنامج النووي لبلاده، إن القادة العسكريين الباكستانيين قاموا بشكل صريح ببناء عقيدتهم النووية في الحرب الباردة وفق إستراتيجية حلف الناتو. ولكن فيبين نارنغ، وهو أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي شارك في الحلقة البحثية نفسها، قد أشار إلى أن الفرق المهم بين استراتيجيات حلف الناتو وباكستان هو أن هذه الأخيرة قد استخدمت درعها النووي كغطاء لدعم الهجمات الإرهابية التي لا حصر لها داخل الهند. وكان أكثرها جرأة هجمات 2001 على البرلمان الهندي وحصار مومباي عام 2008 الذي أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصاً. وقال نارنغ إنه "لو حدث مثل هذا الهجوم في الولايات المتحدة، لكانت أميركا قد أنهت دولة –أمة"، المسؤولة عن هذه الهجمات.
والسبب في عدم لجوء الهند إلى القوة، وفقاً لنارانغ، هو أنه - على الرغم من عقيدة البداية الباردة المزعومة - لم يكن القادة الهنود متأكدين تماماً من المكان الذي تقف عنده عتبة باكستان النووية. أي أنه حتى لو اعتقد القادة الهنود أنهم يشنون هجومًا محدودًا، فإنهم لا يستطيعون التأكد من أن القادة الباكستانيين لن ينظروا إليه على أنه موسع بما يكفي لتبرير استخدام الأسلحة النووية. وهذا ليس صدفة. فكما قال العميد فيروز خان، فإن الزعماء الباكستانيين قد تركوا عمداً العتبة النووية غامضة.
ومع ذلك، يرى كيك أنه ليس هناك ما يضمن استمرار ضبط النفس في الهند في المستقبل. في الواقع، كما قال مايكل كريبون، إن "الخطأ في التقدير هو الإسم الأوسط لجنوب آسيا".
وتركزت مناقشات الحلقة البحثية على التغيّرات التكنولوجية التي قد تؤدي إلى تفاقم هذا الوضع القابل للاشتعال بالفعل. وتولى نارنغ زمام المبادرة في وصف كيفية اكتساب الهند للقدرات اللازمة للقيام بضربات عسكرية مضادة (بمعنى، إخراج ترسانة باكستان النووية (من المواجهة) في ضربة استباقية preventive أو على الأرجح وقائية preemptive). وعرض نارنغ للتقدم الهندي في قدرات المعلومات والمراقبة والاستطلاع لتكون قادرة على تعقب واستهداف قوات إسلام أباد الاستراتيجية، وكذلك حيازة الهند نظام دفاع صاروخي يمكن أن يهتم بصد أية صواريخ لم تدمرها الضربة الاستباقية الأولى. كما أشار نارنغ إلى أن الهند تمتلك عددًا من القدرات الصاروخية التي تلائم مهام القوات المضادة، مثل الصواريخ متعددة الاستخدامات المستقلّة (MIRVs)، والصواريخ البالستية التي يكون رأسها الحربي قادرًا على تتبع الأهداف الأرضية بشكل مستقل (MARVs)، وصواريخ براهموس BrahMos عالية الدقة التي طورتها نيودلهي بالاشتراك مع روسيا. وزعم نارنغ قائلاً "إن صاروخ براهموس هو جحيم سلاح القوة المضادة"، حتى من دون الرؤوس الحربية النووية.
وكما اعترف نارنغ نفسه، ليس هناك سبب كبير للاعتقاد بأن الهند تتخلى عن مبدأها النووي الذي يقوم على عدم الاستخدام الأول للسلاح النووي لصالح مبدأ الضربة النووية الأولى. مع ذلك، ومع الأخذ في الاعتبار نقطة مايكل كريبون حول الخطأ في التقدير، لا يعني هذا أن هذه التغييرات التكنولوجية لا تزيد من إمكانية حدوث حرب نووية، وليس من الصعب تصور سيناريو يتعثر فيه الطرفان في حرب نووية لا يريدها أي منهما.
ويرى الباحث كيك أن السيناريو الأكثر رجحاناً للحرب النووية هو أن تبدأ بهجوم على نمط هجوم مومباي الذي يقرر بعده القادة الهنود أنه يتعين عليهم الرد عليه. وعلى أمل إبقاء النزاع مقتصراً على الأسلحة التقليدية، قد تأذن نيودلهي بالغارات العقابية المحدودة داخل باكستان، وربما تستهدف بعض المعسكرات الإرهابية بالقرب من الحدود. لكن، قد يساء فهم هذه الهجمات الهندية من قبل القادة الباكستانيين، أو قد تتخطى الهجمات عتبات إسلام آباد النووية من دون قصد. وفي محاولة للتخفيف من حدة التصعيد، أو وقف ما يعتقدون أنه غزو هندي، يستطيع القادة الباكستانيون استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد القوات الهندية داخل باكستان.
ومع إدخال الأسلحة النووية إلى النزاع، لن تعود عقيدة نيودلهي بعدم المبادرة إلى استخدام السلاح النووي تعمل. فالقادة الهنود، الذين يعرفون أنهم سيواجهون ضغوطاً محلية لا تصدق من أجل الرد، لن تكون لديهم أية ضمانات أيضاً بأن القادة الباكستانيين لا ينوون اتباع الاستخدام التكتيكي للأسلحة النووية من خلال ضربات استراتيجية ضد المدن الهندية. وقد يميل القادة الهنود لإطلاق الضربة النووية الأولى الاستباقية، متسلّحين بما يعتقدون أنه معلومات استخبارية معقولة حول مواقع القوات الاستراتيجية الباكستانية، ومتسلحين كذلك بصواريخ دقيقة للغاية، وصواريخ متعددة الاستخدامات المستقلّة (MIRVs)، ودفاع صاروخي قادر على صد أي صواريخ باكستانية نجت من الضربة الاستباقية الأولى.
وكما كتب مستشار الأمن القومي الهندي السابق شيفشانكار مينون في مذكراته (التي لفت نارنغ انتباه الناس إليها أول مرة خلال مؤتمر كارنيغي للسياسة النووية في مارس / آذار 2018): "الهند بالكاد ستخاطر بمنح باكستان الفرصة للقيام بضربة نووية ضخمة بعد الرد الهندي على استخدام باكستان للأسلحة النووية التكتيكية. وبعبارة أخرى، فإن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الباكستانية من شأنه أن يحرر الهند فعليًا للقيام بضربة أولى شاملة ضد باكستان".
وينبّه كيك إلى أن أحد العوامل التي سيضطر الزعماء الهنود إلى التفكير به هو كيفية رد فعل خصمها الصين، الطرف الآخر من المثلث النووي الآسيوي. فعلى الرغم من أن حلقة مركز ستيمسون قد ركزت في المقام الأول على الهند وباكستان، إلا أن الصين كانت دائماً محور التركيز الرئيسي لبرنامج الهند النووي. فبكين هي أيضاً حليف قوي وغير رسمي لباكستان، مع حصة اقتصادية متنامية في البلاد. ويختم الباحث بالقول إن هذه القطبية المتعددة هي السمة المميزة للعصر النووي الثاني.