متى يسحب ترامب القوات الأميركية من سوريا؟

يجب على الرئيس ترامب أن يرقى إلى مستوى شعاره "أميركا أولاً". ويجب أن لا يعني ذلك حروباً شرق أوسطية أكثر حماقة، لا داعي لها. والانسحاب من سوريا سيكون بداية جيدة.

كتب الباحث الأميركي دوغ باندو مقالة في صحيفة "ذا ناشيونال إنترست" دعا فيها إلى انسحاب القوات الأميركية من سوريا باعتباره وجوداً غير مشروع ويهدد بصدام مع القوات الروسية والإيرانية والسورية هناك، ولا يحقق المصالح الأميركية. والآتي ترجمة كاملة لنص المقالة ترجمها الميادين نت:

قال المرشح لرئاسة القيادة المركزية الأميركية اللفتنانت جنرال فرانك مكنزي: "اعتقد إننا قريبون جداً من إنهاء التدمير المادي لخلافة" داعش. إذ تقتصر سيطرة نحو ألفين من مقاتلي داعش على نحو واحد بالمائة فقط من الأراضي التي كانت يسيطر عليها تنظيم داعش. لقد حان الوقت لإعادة القوات الأميركية إلى الوطن والسماح لسوريا وجيرانها بإنهاء المهمة.

وضع الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما الولايات المتحدة على طريق الحرب الدائمة في الشرق الأوسط. لقد حاربت واشنطن في العراق وليبيا وسوريا واليمن. تراوحت النتائج من مخيبة للآمال إلى كارثية.

وقال المرشح للرئاسة دونالد ترامب أنذاك إنه لا يريد المزيد من مثل هذه الصراعات. وفي شهر نيسان أبريل 2018، أكد الرئيس ترامب هذا الشعور، قائلاً إنه يريد "الخروج" (من هذه الحروب)، لكن القتال مستمر. لقد حان الوقت بالنسبة له بتولي قيادة السياسة الأميركية وإنهاء الحروب الأميركية التي لا داعي لها. سوريا ستكون مكاناً جيداً للبدء بذلك.

فنادراً ما تنتهي الحروب الأهلية المتعددة الأطراف بشكل جيد حيث يستحق معظم المقاتلين أن يخسروا. كان مثل هذا الصراع الأخير في لبنان، فقد بدأ في عام 1975، وأخيرا انتهى في عام 1990. الرئيس رونالد ريغان تدخل نيابة عن حكومة وطنية معيّنة، كانت في الواقع تحكم أكثر قليلاً من بيروت. تم تدمير السفارة الأميركية ومقر سلاح مشاة البحرية الأميركية انتقاماً، وذلك ثمناً لتورط واشنطن الشديد في الحرب.

اتخذ الرئيس ريغان المسار الحساس الوحيد: الخروج من هذه الوضع الشائك. لم يكن مهتماً بالفصيل المحلي الذي كان صاعداً أو نزولاً، وبمن كان يمارس من الخارج النفوذ في بيروت. لقد أدرك أن الولايات المتحدة ليس لديها أي شيء على المحك في الصراع المأساوي الذي يستدعي المشاركة.

لقد حان الوقت لأن يفعل الرئيس ترامب نفس الشيء في سوريا.

لقد وصفت إدارة أوباما الرئيس بشار الأسد بداية بأنه "إصلاحي"، ثم أعلنت أنه كان عليه أن يرحل- رافضة التفاوض والتسوية معه. محاولة واشنطن - في وقت واحد - الإطاحة الأسد، وهزيمة داعش ومساعدة بعض المتمردين "المعتدلين" والإسلاميين، والتعاون مع الأكراد، والفوز بدعم من الأتراك، وإرضاء إسرائيل، ومواجهة إيران لم يكن لها الكثير من الحظ في النجاح. كان لدى صانعي السياسة الأميركيين القليل من الفهم والكفاءة لتحقيق هدفين، ناهيك عن كل ذلك.

على مر السنين، انتصر الأسد تدريجياً على أعدائه. والثمن كان كبيراً: مقتل مئات الآلاف ودمار شامل، واعتماد على روسيا وإيران وحزب الله. ومع ذلك، فإن الأسد هو في الأساس آخر رجل يصمد. ومفاهيم مثل أنه بعد الصمود مدة سبع سنوات من الحرب سيكون هناك تنحٍ طوعي هي خيال. وليس لديه أي سبب لرفض المحسنين له. على أعتاب النصر، فإن دعمهم ليس حاسماً، لكن سوريا تبقى هدفاً لواشنطن وهي في أمس الحاجة للمساعدة من جميع الأنواع.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، تعد سوريا مأساة إنسانية، وليست تهديداً أمنياً. كانت الجمهورية العربية السورية متحالفة مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة من دون أي تأثير دراماتيكي. اليوم تحاول روسيا بالكاد الحفاظ على ظل لموقعها السابق.

خرجت دمشق بشكل سيء عندما تحدت إسرائيل، وقبلت في السنوات الأخيرة بسلام بارد، وتم كسرها بواسطة الضربات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك ضد مفاعل نووي. وعلى الرغم من التسمية السياسية لواشنطن لسوريا كراعٍ للإرهاب، إلا أنها لم تشكّل أبداً تهديداً إرهابياً لأميركا، بعكس الحليفة الاسمية لأميركا، السعودية. لا يوجد سبب لقلق واشنطن من مستقبل الأسد.

كانت الحجة الوحيدة المبررة لمشاركة الولايات المتحدة (في سوريا) هي صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي هدد دول الشرق الأوسط بدلاً من أميركا. لقد تمكنت من هزيمة داعش، لكنها كانت واحدة من العديد من الأشياء قبل الأولويات الأخرى حينما أظهرت أميركا الاهتمام.

لقد سهلت تركيا منذ فترة طويلة، وحتى استفادت من عمليات المجموعة الراديكالية (داعش) بينما كانت تسعى إلى هزيمة الأسد. تحولت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى حربهما ضد اليمن. استهدفت إسرائيل في الغالب حلفاء سوريا، إيران وحزب الله. علاوة على ذلك، اشتكت واشنطن من دور إيران وحزب الله على الرغم من أنهم قاتلا ضد "داعش".

اقترح الرئيس ترامب في الأصل أن الولايات المتحدة ستبقى فقط حتى هزيمة التنظيم. في أيلول - سبتمبر 2018 أوضح وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس: "في الوقت الحالي، قواتنا في سوريا هي هناك لهدف واحد وهو تحت إذن الأمم المتحدة من أجل هزيمة داعش". وقال مكنزي في شهادة أمام الكونغرس الأسبوع الماضي أن هذا يشير إلى أن القوات الأميركية يجب أن تكون على استعداد للمغادرة. وأوضح ماكنزي في شهادته أمام الكونغرس الأسبوع الماضي: "إن الوجود العسكري الأميركي في سوريا وشيك جداً للانتهاء". فمع الزوال الوشيك لـ"داعش"، يجب ترك مهمة القضاء على داعش للدول الأخرى التي تهددها جميعها هذه الحركة.

ومع ذلك ، تحدث مسؤولو البنتاغون بشكل خاص عن "فوائد ثانوية" للوجود الأميركي في سوري، بما في ذلك مواجهة إيران. وأصبح صناع القرار الآخرون في الإدارة، بمن في ذلك مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، أكثر علنية. وفي سبتمبر - أيلول الماضي أعلن بولتون: "لن نغادر طالما أن القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية والتي تشمل وكلاء إيرانيين وميليشيات إيرانية".

وطالبت بومبيو رحيل إيران من سوريا ، وبالتحديد الاستسلام التام لسياسة خارجية مستقلة ، بسعر لقاء مع واشنطن. وقال أيضا: "إن عبء طرد إيران من البلاد يقع على عاتق الحكومة السورية". "إذا لم تضمن سوريا الانسحاب الكامل للقوات الإيرانية فلن تحصل على دولار واحد لإعادة الإعمار".

جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة الأميركية من أجل المشاركة في سوريا، أو بشكل أكثر دقة، محامي الدفاع عن التدخل العسكري العدواني في سوريا (AAMIS) ، أكد على العمل العسكري. وقد لاحظ الأسبوع الماضي: "عندما نقول إننا سنكون حاضرين، ليس إلى الأبد، في سوريا، لكننا حاضرون حتى الهزيمة الدائمة لداعش. . وحتى انحساب القوات التي تقودها إيران والوصول إلى عملية سياسية لا رجعة فيها - نحن نقول الولايات المتحدة ككل".

وأضاف جيفري: "إن الرئيس لديه خيارات مختلفة تشمل انخراط الجيش وانخراط قواتنا، تذكروا أننا كنا موجودين في العراق، ولكن فوق شمال العراق في عملية مراقبة الشمال لمدة ثلاثة عشر عامًا ".

وبالمثل، في أيلول سبتمبر الماضي قال جيفري إن القوات الأميركية ستبقى لفرض رحيل إيراني. بما أنه من غير المحتمل أن تغادر قوات طهران في أي وقت قريب. فهذا يعني بشكل أساسي انتشار دائم.  بالطبع، كان جيفري حذرا علانية بشأن التوقيت وقال: "هذا يعني أننا لسنا في عجلة من أمرنا". وعلى الرغم من أن جيفري قد ادعى أن الولايات المتحدة لا تستهدف الأسد، فإن مسؤولين قالوا إنهم يتوقعون استمرار الاحتلال الأميركي للشمال السوري، الذي يضم مصادر النفط الجوهرية والأراضي المتاخمة للعراق وهو ما سيضعف حكومة دمشق. وينظر إلى هذا على أنه "فائدة ثانوية" أخرى لتدخل واشنطن.

لسوء الحظ ، هذه المهمة غير قانونية. وقد جادل جيفري بأن التدخل ضد داعش "يتدفق من إذن الكونغرس في عام 2001 ضد الإرهاب ما بعد 11 أيلول – سبتمبر(2001)" ، لكن الكونغرس سمح فقط بالعمل ضد أولئك المتورطين في هجمات 11 أيلول – سبتمبر الذين "خططوا وأمروا وارتكبوا أو ساعدوا" هذه الهجمات. فقد جاء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى الوجود فقط بعد سنوات وهو يختلف عن تنظيم القاعدة، مختاراً الحرب العادية التقليدية، وليس الارهاب، لإنشاء دولة شبه الأمة.

فلا توجد حتى ورقة تين صغيرة لتغطية العمل العسكري الهادف إلى تمزيق سوريا، وطرد حكومة ذلك البلد، ومواجهة القوة الأجنبية التي دعتها دمشق للتدخل. فإذا كانت الإدارة تعتقد أن هذه الأهداف تبرر الحرب، فعليها أن تطلب من سلطة الكونغرس الإذن كي تعمل.

إضافة إلى ذلك، فإن سياسة الولايات المتحدة هي غير واقعية. فواشنطن على الجانب الخطأ من القانون الدولي. قد لا تحب أميركا الوجود الإيراني، الذي وصفه جيفري بأنه "جزء من المشكلة ليس جزءاً من الحل"، لكن طهران دعتها الحكومة السورية الشرعية. وهكذا فعلت موسكو. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن تستسلما لمطلب واشنطن بشأن السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط. فكلتاهما أقرب جغرافيا إلى سوريا من أميركا، وقد أقامتا علاقات منذ مدة طويلة مع دمشق، ولديهما أسباب جوهرية، على خلاف واشنطن، للنظر إلى مصير الأسد على أنه مصلحة مهمة في السياسة الخارجية. ولن تسمحا للولايات المتحدة بالإملاء عليهما.

الأسوأ من ذلك هو خطر نشوب حرب موسعة من دون غرض جيد. في الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من نفي واشنطن، فإن الولايات المتحدة على ما يبدو قد شنّت ضربات بطائرات بدون طيار على مواقع الحكومة السورية. ويتوقع أن القوات الأميركية ستدعم الميليشيات الكردية لمنع العبور القوات الإيرانية مما يهدد بمواجهة يجعل الأخيرة تحصل على إذن في ذلك من الحكومة السورية، التي تحتل واشنطن أراضيها فيمارسون حقوقهم لمواجهة الاحتلال بموجب القانون الدولي.

إن دعم الولايات المتحدة للقوات الكردية، والتي تعتبرها تركيا إرهابية، قد أنشأ نزاعاً محتملاً مع الحليف في حلف الأطلسي (ناتو) تركيا، التي قامت بداية هذا العام باجتياح المنطقة الكردية ونصبت وكلاء عرباً ليحكوما هذه الأراضي. والرئيس رجب طيب أردوغان قد هدد علناً بعمل عسكري ضد القوات الأميركية المتعانين مع الميليشيات الكردية في شمال سوريا. أسوأ بكثير هو احتمال حدوث صدام مع روسيا. في الشهر الماضي، قال جيفري إنه أنه كانت هناك عشرات الحوادث، بعضها تضمن تبادلاً لإطلاق النار. وادعى جيفري بشكل غير صحيح أن "القوات الأميركية هم موجودون بشكل شرعي في سوريا ويمارسون حق الدفاع عن النفس عندما يشعرون أنهم مهددون". وإذا فشل ضبط النفس من جانب اللاعبين المحليين، عندها من الممكن توقع الأسوأ بكثير.

لقد أنفقت أمريكا حتى الآن 5.9 تريليون دولار على حروبها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وقد قُتل ما يقرب من خمسة عشر ألف أميركي، من العسكريين والمقاولين، إلى جانب 1500 آخرين من العسكريين الحلفاء. لقد جُرح عشرات الآلاف من الأميركيين، وكان كثيرون منهم مصابين بجروح بالغة. والنتيجة ليست انتصاراً، بل المزيد من الإرهاب، واستقرار أقل، ومجتمعات ممزقة، وحكومات مدمرة، ووفيات جماعية. مات مئات الآلاف من المدنيين نتيجةً لعمل عسكري أميركي. كل ما تلقته واشنطن في المقابل هو عودة الحرب التي لا نهاية لها.

يجب على الرئيس ترامب أن يرقى إلى مستوى شعاره "أميركا أولاً". على أقل تقدير، يجب أن لا يعني ذلك حروباً شرق أوسطية أكثر حماقة، لا داعي لها. الانسحاب من سوريا سيكون بداية جيدة.

 

*دوغ باندو هو باحث أقدم في معهد كاتو. وعما مساعداً خاصاً للرئيس رونالد ريغان، هو مؤلف كتاب "حماقات خارجية: إمبراطورية أميركا العالمية الجديدة".

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت