في أعقاب قتل خاشقجي، السعودية تدخل مرحلة خطرة
يبدو أن ولي العهد محمد بن سلمان وأتباعه في الرياض مصممون على دفن حقيقة جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.
رأى الكاتب الأميركي ديكستر فيلكينز في مقالة طويلة له في مجلة "ذا نيويوركر" الأميركية أنه "بعد شهر، يبدو أن لدينا أخيراً صورة جيدة للحظات جمال خاشقجي الأخيرة. في أوائل تشرين الأول / أكتوبر ، دخل الصحافي السعودي في صحيفة واشنطن بوست القنصلية السعودية في اسطنبول وقد تم على الفور إخضاعه من قبل أعضاء فريق الحكومة السعودية الذي أرسل لقتله. خنقوه حتى الموت، وفقاً لمدعي عام اسطنبول، عرفان فيدان. في غضون سبع دقائق من سيره عبر الباب الأمامي للقنصلية، كان خاشقجي ميتًا.
وقال الكاتب إنه على ما يبدو قام الطبيب الشرعي من بين القتلة بنشره، معتمداً على سماع الموسيقى لتهدئة ضميره، وربما تدمير جسده. ثم هربوا من البلاد.
يضيف الكاتب أنه مع ذلك، ورغم كل التفاصيل التي ظهرت حول مقتل خاشقجي، لا تزال هناك عناصر حاسمة في الجريمة التي لا نعرفها - تحديدًا، أين تم التخلص من الجثة، أو مما تبقى منها، وما إذا كان ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يوظف العديد من هؤلاء القتلة، أمر أو تغاضى عن القتل. كيف يمكننا أن نعرف ذلك؟
ويرى الكاتب فيلكينز أن طريقة معرفة ذلك هو إرغام الحكومة السعودية على السماح بالوصول إلى مبارك محمد العتيبي، القنصل العام السعودي، الذي كان في مكتبه وقت جريمة القتل. فقد كان العتيبي حاضراً في جريمة قتل خاشقجي، لكن يبدو أنه لم يشارك فيها. وشكا العتيبي من القتلة قائلاً: "أفعلوا ذلك في الخارج. ستوقعوني في مشكلة"، وذلك وفقاً لمسؤول تركي قابلته صحيفة "يني شفق" التركية.
وتابع فيلكينز أن العتيبي قد غادر تركيا في 16 تشرين الأول - أكتوبر الماضي ولم تتم رؤيته منذ ذلك الحين. وطلبت السلطات التركية من السعوديين تسليم ثمانية عشر مشتبهاً بهم مرتبطين بفرقة الاغتيال. رفض السعوديون تسليمهم واعتقلوا الرجال بأنفسهم. لكن ماذا عن العتيبي؟ بالنسبة إليه، بقي السعوديون صامتين. العتيبي هو مفتاح: إنه شاهد عيان على مقتل خاشقجي. ربما كانت لديه معرفة مسبقة بالخطة وربما يعرف من أمر بها.
وقال الكاتب "إنه يبدو أن محمد بن سلمان وأتباعه في الرياض عازمون تمامًا على دفن الحقيقة؛ لقد كذبوا مراراً وتكراراً حول مقتل خاشقجي ومشاركة حكومتهم فيه. إن القصة الأخيرة غير القابلة للتصديق للحكومة السعودية هي أنها لا تعرف مكان جثة خاشقجي، على الرغم من أن المسؤولين الأتراك يقولون إن القتلة أرسلوا "متعاونًا محليًا" للتخلص منه. قد يكون العتيبي قادرًا على إلقاء الضوء على ذلك أيضًا."
ويتساءل الكاتب: "لماذا كان النظام السعودي مصممًا على إسكات خاشقجي ربما أكثر من أي سعودي آخر؟". ويجيب بالقول "إن خاشقجي كان ينبش الحقيقة حول الطرق الصارمة التي يتبعها محمد بن سلمان ويشاركها مع العالم. فقبل بضعة أسابيع من مقتله، أرسل لي خاشقجي رسالة إلكترونية تحثني على الكتابة عن حملة الاعتقالات التي قام بها محمد بن سلمان وكتب "ستلاحظ سخرية العدالة. سأكون في اسطنبول ولكن سأتلقى مكالمتك".
يضيف خاشقجي: "في العام الماضي، شرع محمد بن سلمان في حملة قمع غير مسبوقة ضد المعارضة المحلية، واعتقل مئات الصحافيين، ورجال الدين، ونشطاء حقوق المرأة - وأي شخص تجرأ على تلطيخ الصورة الوردية لمحمد بن سلمان كصاحب رؤية صالح. ولا حتى مجموعات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تعلم بشكل مؤكد عدد السجناء السياسيين في السجون السعودية".
وقال الكاتب إنه "في مقابلة مباشرة بعد اختفاء خاشقجي، أخبر محمد بن سلمان بلومبرغ أنه تم اعتقال 1500 سعودي خلال السنوات الثلاث الماضية لأشياء مثل "الإرهاب" و"التطرف". وقال بن سلمان: "إننا نحاول التخلص من التطرف والإرهاب من دون حرب أهلية".
في إحدى رسائله الإلكترونية الأخيرة للكاتب، أرفق خاشقجي نسخة من لائحة اتهام في قضية فاضحة للغاية – هي قضية سلمان الالعودة، رجل دين في مدينة الرياض. العودة هو ناقد معروف وشعبي للحكومة السعودية الذي قام خلال حرب الخليج الأولى بتأنيب القادة السعوديين لدعوة القوات الأميركية إلى البلاد. في التسعينيات من القرن العشرين، قضى العودة سنوات عدة في السجن بتهمة التحريض على التمرد ضد الملكية. لكنه في السنوات الأخيرة، قام العودة بالوعظ ضمن خط معتدل. بعد هجمات الحادي عشر من أيلول - سبتمبر، أدان العودة أسامة بن لادن لقتله الأبرياء وحضه المسلمين الآخرين على اتباعه والقيام بالمثل. (قال العودة: "أخي أسامة، هل ستكون سعيداً للقاء الله سبحانه وتعالى وأن تحمل عبء مئات الآلاف أو ملايين الضحايا على ظهرك؟). في السنوات الأخيرة، ذهبت انتقادات العودة إلى أبعد من حض السعودية الملكية على إطلاق الإصلاحات الديمقراطية. فعلى موقع تويتر، يحتوي حسابه العربي على أربعة عشر مليون متابع. قال لي ابنه عبد الله العودة: "كان لدى والدي شرعية مستقلة عن الدولة. وهذا ما يخشاه النظام الملكي."
وقال الكاتب إن لائحة الاتهام التي صدرت في سبعة وثلاثين اتهاماً بحق العودة هي في الأساس سلسلة من العموميات والاتهامات من دون أدلة. إنها تتهمه بأشياء مثل "التهكم والسخرية حول إنجازات الحكومة"، و"القول بأن القيادة السعودية تحتكر الثروة، وهي سبب الفقر" في البلاد. كما تتهم العودة بتمويل الإرهاب لكنها لا تقدم أي وقائع تدعم ذلك.
وفي الواقع، فإن أفضل ما يمكن لأي شخص أن يفهمه هو أن جريمة العودة هي رفضه كتابة تغريدة مؤيدة للحكومة لدعم الحصار السعودي على قطر، والذي تم إطلاقه بمساعدة دولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضي. الحملة السعودية والإماراتية، التي تهدف على ما يبدو إلى الإطاحة بالحكومة القطرية، لم تكن - على خلاف اتهام العودة - غير مدعومة بالأدلة. وقد شجبتها الولايات المتحدة بشكل كبير وكذلك الكثير من بقية العالم. وقال آدم غوغل، من منظمة هيومن رايتس ووتش: "ليس هناك ادعاء واحد ضد سلمان العودة بارتكابه للعنف أو التحريض على العنف". ومع ذلك، يسعى المدعون العامون إلى عقوبة الإعدام.
وقال الكاتب دكستر فيلكينز إنه وفقاً للمعايير السعودية ، فإن الدعوى ضد العودة هي ليست استثنائية. فطبقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد احتجزت الحكومة السعودية في العام الماضي ما لا يقل عن ثلاثة عشر ناشطًا في مجال حقوق المرأة وما لا يقل عن ستين من رجال الدين. هل تذكرون الاحتجاز الجماعي في أواخر عام 2017 لنحو 250 من السعوديين البارزين، بمن فيهم بعض أغنى الناس في العالم، في فندق ريتز كارلتون في الرياض؟ العملية، التي أدارها محمد بن سلمان بنفسه، كانت تهدف إلى إجبار المعتقلين على تسليم أجزاء كبيرة من ثرواتهم. التفاصيل غامضة، ولكن يبدو أن بعض المعتقلين قد تعرضوا للتعذيب. مات رجل واحد على الأقل، هو علي القحطاني، وهو جنرال متقاعد، بسبب نوبة قلبية بعد تعرضه للتحقيق القاسي.
لقد أُفرج عن معظم المحتجزين في داخل الريتز، لكن أكثر من خمسين منهم لا يزالون في الداخل. أحدهم الأمير تركي بن عبد الله، الحاكم السابق لإمارة الرياض. ووفقاً لشخص لديه علاقات مع الأمير تركي بن عبد الله، فقد تم تجريد العائلة من ثروتها وسمح لها بالتحدث إليه أحياناً عبر الهاتف. وقال لي هذا الشخص: "نحن لا نعرف أين هو". كانت هناك شائعات مستمرة بأن عبد العزيز بن فهد - ابن عم محمد بن سلمان ونجل الملك فهد - قد مات.
ويضيف الكاتب أنه يبدو من الواضح بشكل متزايد أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي وضعت محمد بن سلمان في قلب استراتيجيتها للشرق الأوسط، لن تفعل شيئًا لمقاومة عرقلة السعوديين لجهود العثور على الحقيقة حول موت جمال خاشقجي. في الآونة الأخيرة، أخبرني عضو بارز في إدارة ترامب أنه، داخل الحكومة الأميركية، يُنظر إلى محمد بن سلمان على نطاق واسع على أنه متهور، ولكن كان من الصعب تخيّل أن ترامب سيحاول إخراجه. وقال لي المسؤول: "ترامب لن يزحزحه".
ويختم الكاتب أن هذا الأمر "يضع الأمور في أيدي السعوديين أنفسهم. فعلى الرغم من وجود بعض تلميحات الاستياء داخل العائلة المالكة، إلا أنه لا يبدو حتى الآن أن هناك درساً جدياً لعزل محمد بن سلمان. ليس بعد، على أي حال. في عملية تطهير الديوان الملكي من الخصوم والمنافسين، جعل ولي العهد له العديد من الأعداء الأقوياء، وبعضهم بلا شك يغلي بأفكار الانتقام. حتى لو – وخصوصاً لو - بقي محمد بن سلمان في منصبه، يبدو من المرجح أن العائلة المالكة السعودية، والمملكة العربية السعودية بشكل عام، تدخلان في فترة خطرة".
وينقل الكاتب عن بروس ريدل، خبير الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، قوله: "لا يوجد مخرج سياسي، إلا من خلال العنف".
ترجمة: الميادين نت