البنتاغون يحب السعودية في السراء والضراء
إن علاقة أميركا غير القابلة للكسر مع الرياض يغذيها البنتاغون أكثر من البيت الأبيض.
كتب الباحث ميكا زينكو مقالة في مجلة فورين بوليسي الأميركية حول أبعاد العلاقة الأميركية - السعودية معتبراً أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) هي التي تغذي هذه العلاقة أكثر من البيت الأبيض، وذلك لخدمة المصالح الأميركية الحيوية في الشرق الأوسط، وأهمها وصول القوات العسكرية الأميركية إلى أراضي دول الخليج العربية. والآتي ترجمة نص المقالة:
أدت المزاعم المروعة لقتل جمال خاشقجي وتقطيعه في القنصلية السعودية في اسطنبول إلى نقاش مفتوح ونادر بين السياسيين والمثقفين وقادة الأعمال (الأميركيين) حول الحكمة الإستراتيجية للعلاقات الأميركية السعودية. ومع ذلك، عندما يهدأ الجدل، من غير المحتمل أن يكون قد غيّر العلاقة الأميركية الطويلة مع المملكة العربية السعودية، والحلفاء الإقليميين لمملكة الخليج، بأي شكل جوهري.
السبب بسيط: الجغرافيا تحديدًا، والعلاقة الخاصة للجيش الأميركي مع السعودية. فعلى مدى عقود، أعلنت الولايات المتحدة عن العديد من مصالحها الوطنية الحيوية (والأقل حيوية) في الشرق الأوسط. وتشمل هذه المصالح ضمان التدفق الحر للنفط والغاز الطبيعي، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومنع ظهور مناطق غير خاضعة للحكم يمكن أن تستخدمها المنظمات الإرهابية، واحتواء إيران، وتعزيز قدرة الجيوش الإقليمية على الدفاع عن أراضيها.
وقد أكد المسؤولون السياسيون والعسكريون الأميركيون باستمرار أنه ينبغي أن يكون للجيش (الأميركي) الدور الغالب في تحقيق هذه المصالح. ولضمان قدرة القوات العسكرية والأسلحة على العمل بحرية كافية في المنطقة لتحقيق المصالح المذكورة، تحتاج هذه القوات إلى وصول موثوق وممكن التنبؤ به إلى المطارات والموانئ والمرافق والمنافذ الجوية في الأراضي ذات السيادة لدول الخليج الفارسي.
إن القدرات السيبرانية أو الوحدات الأصغر والأقل فتكًا التي تعمل من القطع البحرية في المياه الدولية ليست بديلاً مناسبًا أو موثوقًا به. عبر الإدارات الديمقراطية والجمهوريّة (الأميركية)، كان الوصول العسكري المباشر والمستقر إلى الشرق الأوسط سياسية خارجية ذات أولوية فائقة بكثير من أي اعتبار أخلاقي أو مبدئي في المنطقة.
هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها خلال العام الماضي في البحث عن السياسة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط ، والتي تم نشر نتائجها مؤخرًا من قبل مركز "تشاثام هاوس". وهي تشمل التحدث مع العشرات من المسؤولين العسكريين والسابقين الحاليين والدبلوماسيين والمديرين التنفيذيين (الأميركيين) من المقاولين الذين يقدمون خدمات أمنية للجيوش الإقليمية (الأميركية).
لقد راجعت أيضًا أفضل المعلومات المتاحة للجمهور من المصادر الحكومية وغير الحكومية، وجمع البيانات حول عمليات النشر العسكرية الأميركية وبرامج التعاون الأمني، وطبقت آخر النتائج الأكاديمية حول التأثير القابل للقياس لعمليات نشر القوات والعمليات العسكرية.
وكانت النتيجة المركزية التي توصلت إليها هي أن التحالفات الإقليمية للولايات المتحدة كانت تتكون من تبادل بسيط نسبيًا: تقدم واشنطن التعاون الأمني والأسلحة والدعم اللوجستي، وفي المقابل، تقدم الحكومات الإقليمية للجيش الأميركي وصولًا مضمونًا إلى. قد يبدو هذا غير مفاجئ، لكن أكبر اكتشاف لمحادثاتي كان عمق هذه العلاقة المتبادلة واتساعها ونطاقها.
إنها ليست مجرد معاملات وعلاقة مؤقتة، ولكنها مبنية على عقود من الاتصالات الشخصية الوثيقة بين القادة العسكريين الأميركيين ومحاوريهم الإقليميين. تمتد هذه العلاقات إلى ما هو أبعد من الخدمة العسكرية للأميركيين وقد سمحت للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط بالحصول على إعفاء من مخاوف حقوق الإنسان والحقوق السياسية. إلى حد ما، توجد العلاقات الآن لخدمة هذه الأنظمة أكثر من مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
برامج التعاون الأمني هي نقاط الاتصال الروتينية بين القوات العسكرية (والمقاولين) الأميركيين ونظرائهم في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، في عام 2017 ، تلقى 9007 ضباط من دول الشرق الأوسط تعليمات - حول موضوعات تتضمن مهارات قتالية تكتيكية وعلاقات مدنية - عسكرية - في المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة الدفاع، وبشكل أساسي داخل الولايات المتحدة.
مبيعات الأسلحة والذخائر هي أيضاً عنصر بارز ومرئي في تعاون واشنطن مع الجيوش الإقليمية. على مدى عقدين من الزمان، كانت الولايات المتحدة أكبر مصدر للأسلحة في الشرق الأوسط، ومن عام 2013 إلى عام 2017، ذهبت 49٪ من جميع (مبيعات) الأسلحة الأميركية من حيث القيمة إلى دول في المنطقة.
كما يتضمن التعاون الأمني العديد من الأمثلة على الدعم اللوجستي والتحليلي الأميركي للعمليات التي تقوم بها الجيوش المحلية: الذخائر الأميركية المرسلة بعجلة وشحنات الوقود إلى إسرائيل بعد خمسة أيام من حربها ضد حزب الله في عام 2006، وخلية المراقبة والاستخبارات المشتركة لدعم الغارات الجوية التركية ضد القوات المرتبطة مع حزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق، والأكثر شهرة هي عمليات البحث والإنقاذ، والتزويد بالوقود في الجو، وتحليل الاستخبارات التي قدمها الجيش الأميركي لحملة القصف التي قادتها السعودية في اليمن.
هناك أيضًا أنشطة تعاون غير رسمية أقل اعترافًا يقدمها ضباط عسكريون متقاعدون لحكومات الشرق الأوسط. بعد تنحيه عن منصبه كقائد للقيادة المركزية الأميركية، وزير الدفاع الحالي جيمس ماتيس، بينما كان عضواً في مجلس إدارة شركة المقاولات الدفاعية "جنرال دايناميكس"، عمل كمستشار عسكري (بلا راتب) لدولة الإمارات العربية المتحدة، من حزيران - يونيو 2015 حتى آب - أغسطس 2016.
وقد عمل الجنرال المتقاعد جيمس جونز في شركة "آيرونهاند سيكوريتي" مع وزارة الدفاع السعودية، بينما كان اللواء المتقاعد توماس مور جونيور يعطي استشارات لشركة "ستارك آيروسبيب بيزنس ديفلوبمنت" ومقرها في "إسرائيل". والأكثر صدمة هو ستيفن توماجان، الذي تقاعد من الجيش الأميركي برتبة ملازم أول في عام 2007 وهو الآن جنرال بنجمتين ضمن قيادة الطيران المشتركة للقوات المسلحة الإماراتية. تعمل هذه الأنشطة على تعزيز قدرة أجهزة الأمن المحلية، والتي بدورها تمكن وتعزز العلاقات الوثيقة التي تسمح بالوصول العسكري الأميركي بشكل موثوق (إلى هذه الدول).
نتيجة لذلك، لا تعتمد السياسة العسكرية الأميركية على أي تقييم موضوعي، ولكنها تتأثر بشدة بالحكومات الإقليمية. يتم تكثيف هذه التشوهات من قبل شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة. وترتب هذه الشركات اجتماعات لتمثيل مصالح الحكومات الإقليمية مع أعضاء الكونغرس ومسؤولي الإدارة والباحثين في مراكز الدراسات والتفكير ومجالس التحرير والصحافيين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات ومع أي جهة مؤثرة أخرى.
(ثق بي، إذا قمت بنشر أعمدة تتعارض مع التصورات التي يسعون إلى الترويج لها، فسوف تصل هذه الشركات مباشرة وبشكل متكرر في محاولة لتغيير رأيك.) اعتبارًا من حزيران – يونيو الماضي، وفقًا لموقع قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، تم تمثيل المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة من قبل 28 شركة علاقات عامة. وتم تمثيل قطر من خلال 24 شركة؛ والإمارات العربية المتحدة من قبل 16 شركة؛ والعراق من قبل 15 شركة وأفراد؛ و"إسرائيل" من قبل سبع شركات ومصر من قبل ثلاث شركات.
يشجب الرئيس دونالد ترامب مراراً وتكراراً تكاليف وعقم الدور الأميركي في المنطقة، حيث أعلن في حزيران – يونيو الماضي: "أقول ذلك كثيراً وهو أمر حزين للغاية، لكن لدينا سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط قد ترميها خارج النافذة". وعلى الرغم من اعتقاد ترامب الحاد بأن حكومات الشرق الأوسط "تمزق" دافعي الضرائب، وأنه يجب تعويض الولايات المتحدة عن وجود قواتها، فإنه لم يأمر بأي تحول ملحوظ في السياسة العسكرية تجاه منطقة. في الواقع، ازداد وجود الجيش (الأميركي) فقط منذ توليه منصبه، من 40517 جندياً في الشرق الأوسط في حزيران - يونيو 2017 إلى 54180 بعد أربعة أشهر. زيادة على ذلك، وعلى الرغم من الخطاب الضاغط لأجل ذلك، لم تتلقَ إدارة ترامب أي تعويضات من حكومات الشرق الأوسط في مقابل إرسال قوات الولايات المتحدة إلى المنطقة.
في حين أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالكيفية التي ستتكشف بها التداعيات السياسية الداخلية لقتل جمال خاشقجي، فإنه من غير المحتمل أن يتخذ ترامب أي خطوات من شأنها أن تهدد وصول الجيش الأميركي (إلى الشرق الأوسط)، وبالتالي، تؤثر على العدد الهائل من المهام التي كلفت القوات الأميركية بتنفيذها في المنطقة. في الواقع، في أواخر الأسبوع الماضي، عندما تم الكشف عن المزاعم البشعة حول وفاة خاشقجي، التقى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد مع نظيره السعودي، رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال فياض الرويلي، في واشنطن. أعلن البنتاغون إلى جانب الإشعار بالاجتماع "أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تشتركان في شراكة طويلة الأمد وملتزمتان بالسلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط". بسبب المصالح الوطنية الحيوية الأميركية العديدة التي أعلنها الرؤساء (الأميركيون) في المنطقة، فهذه الشراكة مع أولئك الحلفاء المجاورين ومع المحادين، هي ضرورة عسكرية - بغض النظر عن مدى تورط الولايات المتحدة في تصرفات هؤلاء الشركاء.
*ميكا زينكو هو باحث زميل بارز في مركز "تشاثام هاوس" البريطاني وهو مؤلف كتاب "الفريق الأحمر: كيف تنجح من خلال التفكير مثل العدو".
ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت