السعودية ستكون الخاسر الأكبر من الارتفاع الحاد في أسعار النفط

مع اعتماد الرياض على إمدادات الأسلحة من الغرب، لم يعد تهديدها باستخدام النفط كسلاح يعمل. فمن شأن ارتفاع الأسعار اليوم أن يجعل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أكثر قدرة على المنافسة.  

من شأن ارتفاع أسعار اليوم أن يجعل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أكثر قدرة على المنافسة.

كتب لاري إليوت تحليلاً اقتصادياًَ في صحيفة الغارديان البريطانية حول احتمال استخدام المملكة العربية السعودية للنفط كسلاح في مواجهة الغرب في حال تم فرض عقوبات عليها بشأن قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. والآتي ترجمة نص المقالة:

اختارت منظمة أوبك النفطية لحظتها بشكل جيد. كانت الضغوط التضخمية تتراكم في الاقتصاد العالمي لسنوات، وكانت مخزونات الخام منخفضة. في الصراع مع "إسرائيل" في ذروة حرب "يوم الغفران" (أكتوبر 1973)، قرر منتجو النفط العرب التدخل، وأعلنوا تخفيضات الإنتاج وحظراً نفطياً على الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

كان للقرار عواقب بعيدة المدى. تضاعفت أسعار النفط أكثر من أربعة أضعاف في غضون أشهر. تصاعد التضخم، مما اثار مطالب لزيادة الأجور. أدى ارتفاع تكاليف الأعمال إلى فقدان للوظائف على نطاق لم نشهده منذ ثلاثينيات القرن العشرين. كانت هذه هي اللحظة، منذ 45 سنة، عندما انتهت طفرة ما بعد الحرب وبدأ عصر الركود التضخمي.

تم إعادة إحياء ذكريات حرب أكتوبر(تشرين الأول) 1973 بوفاة جمال خاشقجي على يد فريق سعودي في قنصلية البلاد في تركيا. التفسير السعودي بأن الصحافي المنشق توفي نتيجة لشجار بالأيدي ينظر إليه بشك. قال دونالد ترامب إن العواقب يمكن أن تكون "قاسية للغاية" إذا تبين أن الحكومة في الرياض أمرت بقتله.

لم يحدد البيت الأبيض ما إذا كان "شديد القسوة" يتضمن نوع من العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضت على إيران أخيراً، لكن إذا قال السعوديون إنهم سوف ينتقمون عن طريق جعل النفط سلاحاً. الرسالة واضحة. تراجع أو أننا سوف تؤذيك كما فعلنا في سبعينات القرن العشرين.

ستكون هناك عواقب اقتصادية خطيرة تتمثل في أحداث تتكشف بهذه الطريقة. فقد ارتفع سعر الخام بعد إعلان ترامب عقوبات على إيران، والمملكة العربية السعودية لاعب أكثر أهمية بكثير. وتحوم أسعار النفط بالفعل حول مستوى 80 دولاراً للبرميل وسيرتفع إلى أكثر من 100 دولار للبرميل إذا فرضت السعودية قيوداً كبيرة على الإنتاج. بلغ سعر النفط الذروة، غير المعدلة للتضخم، وصل السعر إلى 147 دولاراً للبرميل في صيف 2008 ويمكن أن يعود بسهولة إلى هذا المستوى.

لكن السؤال هو ما إذا كان السعوديون سيكونون أغبياء كفاية للتصرف بهذه الطريقة، لأن الدرس الذي حدث في عام 1973 هو أن المكاسب قصيرة الأجل الناجمة عن قطع إمدادات النفط تفوقها التكاليف طويلة الأجل. والأهم من ذلك هو أن التكاليف أعلى والفوائد أقل مما كانت عليه في سبعينات القرن الماضي.

كبداية ، ظهرت مصادر جديدة للنفط في العقود الأربعة والنصف الماضية. كانت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بعد روسيا في قائمة منتجي النفط في عام 2016، حيث جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة نتيجة لتوسع إنتاج الصخر الزيتي. الإنتاج السعودي مهم، لكن ليس بقدر ما كان سابقاً.

الاقتصادات المتطورة هي أيضاً أقل اعتماداً على النفط مما كانت عليه في السبعينات ويعود ذلك جزئياً إلى التحول من التصنيع إلى الخدمات، وجزئياً إلى أن ارتفاع أسعار النفط في السبعينات شجع الصناعة على أن تصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. في الـ25 سنة الماضية، انخفض مقدار الطاقة اللازمة لكل دولار من الناتج الاقتصادي بمقدار الثلث.

كان الصادمان النفطيان في سبعينات القرن الماضي، الأول في 1973-1974، تبعهما ثانية في 1979-1980، ثم تبعهما ركود عميق أدى إلى انهيار السعر. وبحلول منتصف الثمانينات من القرن العشرين، تسببت وفرة النفط الخام في تعديل أسعار النفط في مقابل التضخم بنسبة 75٪ عن ذروتها. وبحلول ذلك الوقت، أدركت البلدان المستوردة للنفط هشاشتها وبدأت في تنويع مصادر الطاقة نحو الغاز الطبيعي والطاقة النووية.

أكبر المستفيدين من القيود السعودية على الإنتاج اليوم هم منتجو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. انخفضت تكلفة وحدة الطاقة المتجددة بشكل حاد نتيجة للتقدم التكنولوجي، وكل تصعيد لأسعار النفط سيجعل الطاقة الشمسية والرياح أكثر قدرة على المنافسة.

إذا أصبح الغرب أقل اعتماداً على النفط، فإن العكس هو الصحيح بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي تحتاج، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أسعار نفط تتراوح بين 85 و87 دولاراً للبرميل لتوازن موازنتها. لقد تعرض اعتماد البلاد على عائدات النفط للانكشاف في الفترة بين عامي 2014 و2016، عندما انهار سعر النفط الخام من 110 دولارات إلى 30 دولارا للبرميل. وخلال ذلك الوقت، ارتفع عجز الموازنة السعودية من 3.5٪ إلى 15.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مما استلزم اتخاذ تدابير تقشف غير شعبية للسكان الذين اعتادوا على الخدمات العامة المجانية، ومزايا الرفاهية السخية والطاقة المدعومة.

تعرف الرياض أنها بحاجة إلى تنويع مصادر دخلها من غير النفط، لكن الخطة هي أن تفعل ذلك بوتيرة لا تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية. نصف السكان هم تحت سن 25 سنة ومعدل البطالة أكثر من 12٪ ، وهو خليط قابل للاشتعال. إن الهدف الأساسي من تنظيم مؤتمر استثماري هذا الأسبوع، والذي يقاطعه الكثير من السياسيين الغربيين الآن، هو توسيع القطاعات غير النفطية في الاقتصاد.

ماذا يعني كل هذا؟ يعني ببساطة أن البلد الذي يخسر معظمه من الارتفاع الحاد في أسعار النفط هو السعودية نفسها. إن الادعاءات بأن العقوبات الغربية ستحفز على اتخاذ إجراءات انتقامية بمثل هذه الدرجة من الخطورة بحيث أنها ستخرج الاقتصاد العالمي عن مساره، هي خدعة عملاقة.

كل هذا، طبعاً، يفترض أن العالم المتقدم سيعتمد مقاربة صارمة مع المملكة العربية السعودية. وحتى الآن لا يوجد دليل حقيقي على أنهم يخططون لاتخاذ نوع من العمل الذي تخشاه الرياض فعلاً وهو قطع إمدادات المعدات العسكرية. والسبب في ذلك لا علاقة له بالمخاوف من أن البلد سوف ينفض الغبار عن قواعد اللعبة لعام 1973 بل إن كل شيء يتعلق بالاندفاع للحصول على أموال البترول السعودية.

إن فرصة الفوز بالعقود الطرية تعني أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلدان أخرى قد غضت الطرف عن قصف المدنيين في اليمن، ومن المؤكد أن المنطق نفسه ينطبق على وفاة خاشقجي. عندما يقدم ترامب الحجة "إذا لم نقم ببيع الأسلحة للسعوديين، فإن شخصًا آخر سوف يفعل"، فهو يتحدث باسم حكومات أخرى أيضاً.

ترجمة: الميادين نت