هل ولي العهد السعودي مزعزع للاستقرار حتى بالنسبة إلى ترامب؟

لم يبذل ترامب أي جهد لتقييد السياسات المغامرة لمحمد بن سلمان. إن القرب الواضح للرجلين ليس السبب في تهور الأمير. لكن تأييد إدارة ترامب الكامل له يضر بمصالح أميركا.

لم يبذل ترامب أي جهد لتقييد السياسات المغامرة لمحمد بن سلمان

كتب الأستاذ الجامعي والخبير الأميركي في شؤون الخليج الفارسي ف. غريغوري غوز الثالث مقالة رأي في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية رأى فيها أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يبذل أي جهد لتقييد السياسات المغامرة لمحمد بن سلمان وأن تأييد إدارته الكامل له يضر بمصالح أميركا. والتالي ترجمة كاملة للمقالة:

مضى أكثر من أسبوع منذ اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي من قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول، ولا يزال من غير الواضح ما حدث له. ما هو واضح، مع ذلك، هو أن القصة السعودية الرسمية أنه ترك المبنى بحرية لا يمكن تصديقها.

مهما حدث، فمن الواضح أيضًا أن قضية خاشقجي ليست سوى أحدث علامة على تهور المملكة العربية السعودية المتزايد تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان. إلا أن المزيد من الفوضى هو آخر ما يحتاجه الشرق الأوسط، وهو لا يخدم أهداف أميركا في المنطقة.

لم تكن العلاقة السعودية الأميركية قائمة على القيم السياسية المشتركة. منذ بدايتها في ثلاثينيات القرن العشرين، كانت العلاقة مدفوعة بعاملي النفط والأمن، وكذلك برغبة في قدر من الاستقرار في الشرق الأوسط. لقد انحرف كل جانب عن هذا الهدف الجوهري، ولا سيما في حالة الولايات المتحدة، مع حرب العراق عام 2003. ومع ذلك، فضل كل من واشنطن والرياض بشكل عام الحفاظ على درجة من الهدوء في المنطقة، وذلك فقط لأن ذلك أبقى تدفق النفط مستمراً ومتحدي النظام الأميركي - الاتحاد السوفياتي وإيران وصدام حسين - محاصرين. لكن السياسة الخارجية السعودية تهدد الآن هذه المصلحة المشتركة: فولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو منزعج.

فعندما سعى لأول مرة إلى تحريك السياسات الداخلية السعودية – إضعاف المؤسسة الدينية، السماح للنساء بقيادة السيارة، وفتح الحياة الاجتماعية السعودية، وتحريك الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط فاز محمد بن سلمان على الاستحسان في الغرب. لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فقد فشل نهجه وهذا أمر خطير.

في يونيو - حزيران 2017، بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حملة مقاطعة ضد قطر، وهي مملكة أخرى في الخليج الفارسي، بسبب دعمهما للإخوان المسلمين وحفاظها على علاقات مع تركيا وإيران. وبعيدًا عن جلب القطريين إلى الركب، فقد جعلهم الحظر أقرب إلى أنقرة وطهران، وربما يعقد ذلك الجهود الأميركية لعزل إيران.

وفي تشرين الثاني - نوفمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وهو حليف للسعودية منذ فترة طويلة، استقالته أثناء زيارته للرياض - ليقوم بإلغائها في وقت لاحق، بعد عودته إلى لبنان. فقد أُجبر على التنحي من قبل الحكومة السعودية، التي كانت تأمل على ما يبدو في إثارة أزمة في السياسة اللبنانية والحد من التأثير المتزايد لمنظمة حزب الله الشيعية. لقد جاءت هذه المناورة بنتائج عكسية: خاصة بعد الأداء الجيد في الانتخابات اللبنانية في وقت سابق من هذا العام، حيث أضحى حزب الله أقوى من أي وقت مضى.

الأكثر أهمية هو الحرب في اليمن. في عام 2015، تدخل ائتلاف سعودي - إماراتي لمنع الحوثيين، وهم فصيل متمرد متحالف مع إيران، من السيطرة على البلاد. لكن هذه القوات لم تقم بعد بإزاحة الحوثيين من أي من المدن الكبرى في شمال اليمن. وفي هذه الأثناء، أصبح الوضع العام للبلاد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقاً للأمم المتحدة. الفوضى المستمرة توفر لإيران فرصة منخفضة التكلفة لاستنزاف الموارد السعودية، وهي تفتح إمكانيات جديدة لتنظيمي القاعدة و"داعش" لتوطيد جذورهما في اليمن.

لقد جعلت مبادرات السياسة الخارجية لمحمد بن سلمان الطموحة والمضللة بشكل مبالغ فيه المملكة العربية السعودية أضعف وأقل استقرارًا في المنطقة، مما قوّض الأهداف الأميركية. وينطبق نفس الشيء على اختفاء السيد (جمال) خاشقجي. لم يكن يشكل تهديدًا حقيقيًا لمحمد بن سلمان، لكن الآن يشتبه في أن اختطافه وقتله من قبل المسؤولين السعوديين في اسطنبول يزيد من سوء العلاقات السعودية مع تركيا، وهي قوة إقليمية كبرى، في وقت يتعين على الدولتين فيه البحث عن أرضية مشتركة للحد من نفوذ إيران في سوريا.

ومع ذلك، لم يبذل السيد ترامب أي جهد لتقييد السياسات المغامرة لمحمد بن سلمان. إن القرب الواضح للرجلين ليس السبب في تهور الأمير. على سبيل المثال، تدخلت المملكة العربية السعودية في اليمن بينما كان باراك أوباما لا يزال رئيسًا. لكن تأييد إدارة ترامب الكامل لمحمد بن سلمان يضر بمصالح أميركا.

لقد دعم السيد ترامب في البداية المقاطعة السعودية - الإماراتية لقطر، الأمر الذي أدى إلى تقويض الجهود التي تبذلها إدارته لنزع فتيل المواجهة. (يبدو أنه تدخل، ولكن بعد أن أصبحت الانقسامات أكثر رسوخاً). استمر ترامب في دعم الموقف السعودي من اليمن، على الرغم من الخسائر الإنسانية الضخمة للحرب والمعارضة المتزايدة لها في كونغرس الولايات المتحدة.

مع اختفاء السيد خاشقجي، حان الوقت للسيد ترامب للاتصال بمحمد بن سلمان للمحاسبة. نفى السفير السعودي في الولايات المتحدة أي تورط سعودي في محنة الصحافي. إذا ثبت أن هذا غير صحيح، فإن واشنطن بحاجة إلى إرسال السفير إلى بلاده.

الرئيس يدعي أن لديه علاقة شخصية مع محمد بن سلمان؟ فبدلاً من محاولة إقناع السعوديين بخفض أسعار النفط بضعة دولارات للبرميل الواحد، عليه أن يستخدم كل ما لديه من قوة لإقناع الرياض بالتصرف بمسؤولية أكبر في اليمن، وفي ما يتعلق بقطر ومع تركيا، من أجل احتواء آثار الحرب في سوريا والحد من وصول ايران الى هناك وفي العراق.

تحتاج الولايات المتحدة إلى مملكة عربية سعودية مستقرة، وكذلك إلى سعودية لا تزعزع استقرار الشرق الأوسط.

 

*ف. غريغوري غوز الثالث هو رئيس قسم الشؤون الدولية في كلية بوش للحكم والخدمة العامة في جامعة تكساس وهو عالم سياسي متخصص في الخليج الفارسي.

 

ترجمة: الميادين نت