المكسيك ما بعد الانتصار الساحق لأندريس لوبيز أوبرادور

يرى الكاتب والمحلل التشيلياني جينو سترافوريني المقيم في الأرجنتين، والمتخصص في الشؤون اللاتينية أن الأهداف الرئيسية التي رسمها لنفسه أندريس لوبيز أوبرادور الفائز في الانتخابات الرئاسية المكسيكية وسياسته التي تعتمد على مكافحة الفساد وهي ظاهرة منتشرة بشكل واسع في المكسيك، ومكافحة الفقر الذي يتجاوز نسبة الستين بالمائة، يرى أن هذه أهداف جديرة بالثناء، وأن السياسة الدولية سوف تتغير بشكل كبير بحيث أنها ستكون أكثر عزة وكرامة، وستتوجه نحو كل ما يخدم الوحدة في أميركا اللاتينية، وأن "المكسيك سوف يخرج من حلف (مجموعة ليما) المشؤوم"، كما أن توجهات هذه القارة سوف تتغير وتضع حداً للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى خاصة في فنزويلا.

أوبرادور وضع سياسة لنفسه وهي مكافحة الفساد في المكسيك ومكافحة الفقر الذي يتجاوز نسبة الـ60%

دعونا نكون صريحين.. وأخيراً! فإن شعب المكسيك، على الرغم من آلاف الخدع والضغوطات، لم يصوت للأكثر سوءاً، وإنما صوت للأقل سوءاً.

من الواضح أن الأضرار التي تسببت بها اتفاقات وسياسات القوى اليمينية كالحزب الثوري التأسيسي، وحزب العمل الوطني، والبؤس، والفساد، المخدرات، وتسليم الثروات الطبيعية لقوى الخارج، وسياسة الطاعة لإرادة الولايات المتحدة، والفقر المدقع، والعنف على نطاق واسع، كل ذلك جعل الشعب المكسيكي يتمرد ويصوت ضد الوضع القائم، ويمنح انتصاراً ساحقاً لأندريس لوبيس أوبرادور.

عندما نتحدث عن الديمقراطية في المكسيك، نحن نتحدث في الواقع عن طقوس خاصة بصناديق الاقتراع وليس عن الديمقراطية بحد ذاتها، نتحدث عن سبعين عاماً من الحكومات اليمينية، والانتخابات المزورة، وغير ذلك...، ولكن لماذا لم يتمكنوا هذه المرة من فعل الشيء نفسه في هذه الانتخابات؟ الجواب هو، أن اليمين، وفي محاولته لحماية مصالحه وعدم خسارة تحكمه في البلاد، انقسم إلى ثلاث فئات، بعضهم شهّر وادعى على البعض الآخر، وبعضهم سرق البعض الآخر. إنها دولة تحت سلطة أحزاب، تهيمن عليها نزعة السوق الإستهلاكية (المركنتيلية)  والتكنوقراط، بعد سنوات من الرزوح تحت سلطة طغمة مالية نسيت كل ما له علاقة بالبرامج السياسية القائمة على القيم، وعملت انطلاقاً من مصالحها الطبقية.

ما أرهق الناس في المكسيك، هو الأسلوب الشاذ في ممارسة السياسة، والهوة الهائلة بين القول والفعل، وبين ما يسمى عادة بالديمقراطية وبين التفرد بالقرار السياسي. لقد تعب الشعب المكسيكي من ديمقراطية كبّلها القائمون عليها. الحكومات الحديثة حققت تنمية مرفقة بالإقصاء الاجتماعي، ودينامية منحرفة تؤكد على التمييز والتهميش. هذه الدينامية الإقصائية أدت إلى فرض نماذج من الليبيرالية الجديدة (نيوليبرالية) وبالتالي إلى تدمير النسيج الاجتماعي، فكانت في نفس الوقت عامل تفكك وتحلل للنخب الحاكمة أيضاً.

انتصار حركة التجدد الوطني في المكسيك، كان عبارة عن تنديد بالوضع القائم، والتأكيد على إرادة تغييره، حيث قرر الشعب التحرك ككتلة متراصة.

انتصار أندريس مانويل لوبيس أوبرادور أو كما ينادونه (آملو)، هو نتيجة لأزمة سياسية يعاني منها اليمين المؤيد للولايات المتحدة، ونتيجة للانفصال والتباعد الكبير الحاصل بين المؤسسات والمجتمع المدني. فالغالبية الكبرى رفضت إضفاء صفة الشرعية على هؤلاء الذين يحتكرون السلطة ويتمسكون بها بشكل أبدي، وعلى الذين يحاولون تحويل الاقتراع العام إلى شكل جديد من الاقتراع الإحصائي.

ولكن، على غرار لولا في البرازيل، الذي أقام تحالفاً بين حزب العمال اليساري، والحزب الديمقراطي المسيحي، فإن لوبي أوبرادور، الآتي من حزب الثورة الديموقراطية، وهو قوة ديمقراطية اجتماعية، أسس لتحالف انتخابي واسع، يشمل بعض الأوساط من الحزب الثوري التأسيسي، وما هو أسوأ من حزب العمل الوطني وهذا ليس بالقليل، أضف إليهما الكنيسة الإنجيلية اليمينية.

لا شك في أن الأهداف الرئيسية التي رسمها لنفسه أوبرادور وهي مكافحة الفساد وهذه ظاهرة منتشرة بشكل واسع في المكسيك، ومكافحة الفقر الذي يتجاوز نسبة الستين بالمائة، وهذه أهداف جديرة بالثناء. ولا شك بأن السياسة الدولية سوف تتغير بشكل كبير بحيث أنها ستكون أكثر عزة وكرامة، وستتوجه نحو كل ما يخدم الوحدة في أميركا اللاتينية. ولا شك بأن المكسيك سوف يخرج من حلف "مجموعة ليما" المشؤوم، كما أن توجهات هذه القارة سوف تتغير وتضع حداً للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى خاصة في فنزويلا.

ولكننا لا نستطيع أن نتوقع منها أكثر من ذلك بكثير، ولا يمكننا أن ننتظر بأن يصبح أوبرادور، سالفادور أليندي آخر.

السياسة في قارتنا، تتغير عادة بسرعة كبيرة، وفوز وبرادور أمر مهم، خاصة إذا ما أخذنا بالإعتبار أن المكسيك هو ثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية. وهكذا سيكون الفوز الانتخابي للولا في البرازيل، في حال تحقق، لأن بإمكانه أن يغير بعمق السياق السياسي وتشكيل وموازين القوى.

وأخيراً، يفترض بالبديل، أن يتمتع بالإرادة والقدرة على جعل السياسة من جديد مجالاً للإبداع والخيال البناء. هي سياسة القطيعة مع حالة التردي والخضوع التي يفرضها علينا النظام القائم وسياسة رفض الظلم وعدم المساواة، ولكن أيضاً سياسة أمل وثقة في قدرة الإنسان على الارتفاع فوق الصغائر والبؤس والأنانيات. السياسة كقيمة تسمح بالسير عكس التيار والنهوض بعد كل عثرة، والإيمان بالتغيير وبالقدرة على صنع التاريخ ودفعه إلى الأمام.