هل تقبل كوريا الشمالية برشوة ترامب؟

بدا أن حكومة كيم مستاءة للغاية بسبب الاقتراح القائل بأن كوريا الشمالية يجب أن تسلم أسلحتها النووية لجني ثروات من الولايات المتحدة

زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون ، من اليمين، مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن

 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً عن محاولة الإدارة الأميركية رشوة كوريا الشمالية بالمساعدات الاقتصادية في مقابل تخليها عن أسلحتها النووية وصواريخها الباليستية، محاولة فحص إذا كانت بينوغ يونغ تقبل بذلك. والآتي نص ترجمة المقال:

تريد كوريا الشمالية أن تعرف الولايات المتحدة أن الأمر لا يتعلق بالمال.

في سياق المساعي الدبلوماسية لإعادة محادثات قمة سنغافورة المخطط لها بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى مسارها، أكدت كوريا الشمالية أنها لن تتخلى عن أسلحتها النووية في مقابل المساعدات الاقتصادية الأميركية.

وفي وقت مبكر من هذا الأسبوع، انتقدت صحيفة "رودونغ شينمون"، وهي الصحيفة اليومية الرئيسية في كوريا الشمالية، وسائل الإعلام الإخبارية الأميركية بشكل حاد بسبب "اختراق وسائل الإعلام لكشوف رواتب السلطة"، وذلك لإظهارها لمسؤولين أميركيين يناقشون كيفية تدفق المساعدات إلى كوريا الشمالية إذا وافقت على التخلي عن برنامجها النووي.

وقال تعليق الصحيفة الكورية: بالنسبة إلى" المعونات الاقتصادية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة، لم تتوقع كوريا الشمالية ذلك".

كان ذلك توبيخًا واضحًا لاستراتيجية ترامب المتمثلة في عرض وعد الرخاء إذا وافقت كوريا الشمالية على نزع السلاح النووي.

وقال ترامب في نهاية الأسبوع الماضي: "أنا أؤمن حقاً أن كوريا الشمالية لديها إمكانات رائعة وستكون أمة اقتصادية ومالية كبيرة في يوم ما. كيم يونغ أون يوافقني على هذا. وسوف يحدث ذلك."

وعلى الرغم من وجود دليل واضح على أن العقوبات الدولية على كوريا الشمالية مؤذية، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل كوريا الشمالية لا تغريها الحوافز الاقتصادية وحدها.

أولاً، لقد أوضحت بيونغ يونغ أن أولويتها العليا هي أمنها. لكنها لا تريد أن تظهر كما لو أنها يائسة ومستجدية للصدقات.

السيد كيم هو قائد فخور لا يريد الظهور بأنه هش أو سريع التأثر بالرشاوى الاقتصادية. وكوريا الشمالية لا تريد أن تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة - أو أي بلد آخر - من أجل رفاهتها الاقتصادية.

في الواقع ، بدا أن حكومة كيم مستاءة للغاية بسبب الاقتراح القائل بأن كوريا الشمالية يجب أن تسلم أسلحتها النووية لجني ثروات من الولايات المتحدة التي اعترضت على وجه التحديد على هذه الفكرة هذا الشهر عندما هددت بإلغاء اجتماع قمة سنغافورة في 12 حزيران يونيو الجاري.

وقال كيم كي غوان، النائب أول لوزير الشؤون الخارجية في كوريا الشمالية، في بيان قبل أن يصدر ترامب رسالة تلغي اجتماع القمة: "إن الولايات المتحدة تتشدق بأنها ستقدم تعويضات ومزايا اقتصادية في حال تخلينا عن الأسلحة النووية. لكننا لم نتوقع أي دعم من الولايات المتحدة في تنفيذ بنائنا الاقتصادي ولن نرتكب مثل هذه الصفقة على الإطلاق".

وقبل شهرين، أعلن كيم تعليق التجارب النووية والصاروخية وقال إنه يتبنى "خطاً استراتيجياً جديداً" يركز على إعادة بناء اقتصاد البلد.

الفكرة هي أنه بعد أن أثبتت في الخريف الماضي أنها تستطيع تفجير قنبلة بقوة أكثر تدميراً من تلك التي سقطت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيين، يمكن لكوريا الشمالية الآن أن تتجه نحو توسيع اقتصادها.

لقد أدخل كيم إصلاحات موجهة نحو اقتصاد السوق، وبشكل واقعي، لا يمكنه تحقيق أهداف اقتصادية أوسع من دون مساعدة من العالم الخارجي. إذا فشل في الحصول على إعفاء من العقوبات من خلال نزع السلاح النووي، سيكون من الصعب على بلاده أن تتمتع بالازدهار.

وقال دانييل بينكستون، المحاضر في العلاقات الدولية في حرم جامعة تروي في سيول، إنه في إطار الأيديولوجيا الكورية الشمالية، فإن الأسلحة النووية تمنح النظام السلطة والشرعية. والقوة التي تستمدها من الأسلحة النووية تترجم إلى القدرة على بناء القوة الاقتصادية.

قال السيد بينكستون: "إذا كانت الدولة أقوى وأكثر سلطة، فحينئذ تكون الدولة في وضع أفضل لمواصلة وتحقيق أهداف أخرى، مهما كانت، بما في ذلك التنمية الاقتصادية".

يريد الأميركيون والكوريون الجنوبيون إقناع كوريا الشمالية بأن الاستمرار في توجيه معظم موارد البلاد إلى برامجها العسكرية والنووية يختزل رفاهية مواطنيها الاقتصادية. لكن الشمال لا يرى أن الأمرين حصريان.

وبعد أن هدّدت كوريا الشمالية في البداية بالانسحاب من محادثات القمة بسبب مخاوف بشأن أمنها، حاول ترامب طمأنة الشمال على تلك الجبهة، لكنه شدد أيضاً على المكون الاقتصادي لأي صفقة. وقال ترامب في تصريحات للصحافيين: "سيكون السيد كيم موجوداً، وسيدير ​​بلاده، وستكون بلاده غنية جداً، وسيكون بلده مجتهداً للغاية".

وفي رسالته اللاحقة إلى كيم بشأن إلغاء محادثات القمة، كتب ترامب: "لقد فقد العالم، وكوريا الشمالية على وجه الخصوص، فرصة كبيرة للسلام الدائم والازدهار والثروة."

ويوم الجمعة، أعلن ترامب أن الاجتماع الذي كان ألغي قد أعيد ترتيبه مجدداً.

لقد تحدث الزعيم الكوري الشمالي عن رغبته في الاستثمار الأجنبي والسياحة. لكنه شدد أيضاً على أنه يريد الاحتفاظ باستقلال كوريا الشمالية الاقتصادي، وهو انعكاس لفلسفة الحكم في البلاد المعروفة بـ"جوش"، أي الاعتماد على الذات.

وقالت لورا روزنبرغر، كبيرة زملاء ومديرة "التحالف من أجل ضمان الديمقراطية": "الاعتماد على الآخرين هو شيء يهمهم حقًا. إنهم يريدون منافع اقتصادية بشروطهم".

وقالت روزنبرغر إنه في الماضي، قاوم كيم حتى الدعوات للقاء مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، بسبب تردده في الاعتراف بأن اقتصاد كوريا الشمالية يعتمد بشكل كبير على الصين. وقبل أن تبدأ بكين في اتخاذ إجراءات صارمة لفرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية، كانت الغالبية العظمى من تجارتها مع جارتها الصينية. حتى مع فرض العقوبات، فإن الأمر لا يزال كذلك.

ويقول المحللون أيضاً إن كيم قلق من إدخال الكثير من الحرية الاقتصادية بسرعة كبيرة، خشية أن يؤدي تزايد التوقعات والثروة الجديدة إلى زعزعة استقرار الشمال وتقويض حكمه الاستبدادي. فكلما رأى الكوريون الشماليون فوائد السلع المادية من خارج كوريا الشمالية، كلما تساءلوا أكثر عن الفقر الذي تحملوه لفترة طويلة في ظل حكم ثلاثة أجيال من عائلة كيم.

وفي هذا الصدد، فإن رفض النظام الشديد للربط بين نزع السلاح النووي والمساعدة الاقتصادية يشكل عبئاً على جمهور كيم المحلي.

وقالت كيم سوك هيانغ أستاذة الدراسات الكورية الشمالية في جامعة "إيوا وومانز" في سيول: "تجد كوريا الشمالية نفسها مضطرة لشرح سبب لقاء قائدها مع ترامب رئيس الإمبرياليين الأميركيين." وأضافت: "لقد قالت القيادة أن امتلاك الأسلحة النووية من شأنه أن يحل كل شيء - فهل كل شخص يأكل جيداً ويعيش بشكل جيد".

وتابعت كيم سوك إن الدعاية الكورية الشمالية غالباً ما تقارن الشمال بكوريا الجنوبية، لإبراز اعتماد جارتها على الولايات المتحدة. وقالت: "قد يكون الكوريون الجنوبيون يأكلون جيداً ولديهم المزيد من الأشياء المادية، ولكن ذلك يعود فقط إلى أنهم يعتمدون على الإمبرياليين الأميركيين، ويفضلونهم ويحصلون على بقاياهم"، موضحةً نمط تفكير كوريا الشمالية التقليدي.

وفي تصريحاته للصحفيين بعد اجتماع الخميس في نيويورك مع كيم يونغ تشول، أحد مستشاري كيم جونغ أون الأكثر ثقة، شدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على الأمن الذي يمكن أن يستمده الشمال إذا وافق على نزع السلاح النووي. وقال بومبيو: "لقد كان هناك الكثير من المحادثات حول كيفية المضي قدماً، وما قد يكون الطريق إلى الأمام حتى نتمكن من تحقيق نزع السلاح النووي الذي يطلبه العالم من كوريا الشمالية والضمانات الأمنية التي ستكون مطلوبة لهم للسماح لنا بتحقيق ذلك".

 ولاستدعاء إمكانية وجود مستقبل آمن ومزدهر لكوريا الشمالية، أوضح بومبيو أن الولايات المتحدة تتطلع إلى "نزع الأسلحة النووية الكورية بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه"، وهي صيغة لم توافق عليها بيونغ يانغ بعد.

ولتغيير رأيه، يقول المحللون، يجب إقناع كيم بأشياء قليلة: أن البلد، وكيم نفسه، سيكونان آمنين من دون أسلحة نووية؛ وأنه يستطيع التحكم في شروط المشاركة الاقتصادية حتى يقوي النظام بدلاً من إضعافه؛ وأن كيم يمكن أن يقدم أي اتفاق على أنه انتصار للاعتماد على النفس بدلاً من استداء المساعدة الاقتصادية.

وقال بينكستون: "إنه مثل محاولة إقناع مسيحي متدين بأن الطريق إلى التنوير والحياة الأبدية هو التخلي عن يسوع لشيء آخر. هذا عويص إلى هذا الحد."

 

ترجمة: هيثم مزاحم - الميادين نت